مرسى لم يعد رئيسا والبرادعى لم يعد رمزا للمعارضة، مرسى محتجز فى مكان غير معلوم، أما البرادعى فقد اختار أن يكون خارج البلاد فى مكان معلوم، مرسى أصابته لعنة مؤسسة الرئاسة فأقيل، أما البرادعى فقد طالته لعنة مؤسسة الرئاسة فاستقال، أحدهما مخفى والثانى يختفى
مرسى لم يعد رئيسا والبرادعى لم يعد رمزا للمعارضة، مرسى محتجز فى مكان غير معلوم، أما البرادعى فقد اختار أن يكون خارج البلاد فى مكان معلوم، مرسى أصابته لعنة مؤسسة الرئاسة فأقيل، أما البرادعى فقد طالته لعنة مؤسسة الرئاسة فاستقال، أحدهما مخفى والثانى يختفى، مرسى حاولت جماعته أن تستعيده، أما البرادعى فعلى ما يبدو أن لا أحد يدافع عنه أو ربم ايريد عودته. ولكن الأكيد أن الاخفاء والاختفاء، هى وقائع تتجاوز الأشخاص، وترتبط بواقع ومستقبل القوى الرئيسية التى صعد نجمها بعد يناير 2011، هل ستختفى، هى الأخرى، كرها أو طوعا؟ أما أننا أمام عملية سياسية ممتدة لم نصل لنهايتها بعد؟
دفع إخفاء مرسى جماعة الإخوان إلى محاولات مستميتة من أجل إستعادته، تلك المحاولات التى تكاد تقضى على الجماعة ومستقبلها. و يعنى حق العودة الذى تطالب به الجماعة، العودة إلى ما قبل 30 يونيو، وهو ما أطلقوا عليه العودة إلى “الشرعية” والتى تعنى بالنسبة لهم حكم الإخوان وليس شرعية ثورة يناير، وإن إعتبروا شرعية حكمهم ترتكز على شرعية يناير 2011. وعلى الرغم من الربط بين الشرعيتين إلى أن ثمة فاصل زمنى وسياسى يفصلجماعة الإخوان عن ثورة يناير. فقد حدثت القطيعة مع هذه الثورة وجمهورها منذ تولى الإخوان المسلمين الحكم. وربما لا نغالى إذا قلنا أن فترة حكم الإخوان خلقت حاجزا نفسيا وسياسيا بين قطاعات عريضة من الشعب المصرى وثورة يناير ذاتها. وبالتالى، يمكن القول أن إدارة الإخوان لمعركتهم مع السلطة الآن ليس لها علاقة بثورة يناير إلا بالمعنى السلبى، أى أن الإخوان يخوضون معركة خاصة بهم، مع عداء شعبى متزايد ليس فقط لحكم الإخوان، ولكن أيضا لكل التطورات التى أفضت إلى وصول الإخوان للحكم.
والمفارقة أن إختفاء البرادعى ربما أدى، شعبيا، لنفس النتيجة. إن إختفاء البرادعى لم يحرك الشارع لتأييد موقفه الرافض للعنف ولكن حرك اقلاما سياسية وثقافية، كان أغلبها ناقدة ومنتقدة لموقفه. فثمة اتصال بين تزايد العداء الشعبى للإخوان وعدم قبول موقف البرادعى. ومع أنه من الخطأ تعميم هذه الحالة، إلا أنها بلا شك حالة الأغلبية. وجاء خروج البرادعى شخصيا، وصامتا فى ضجيج المشهد السياسى، فبات أقرب إلى التلاشى. ومع ذلك، لا يمكن القول أن البرادعى، كرمز، مقطوع الصلة بثورة يناير، ولكن بالأحرى يأتى اختفاؤه كانعكاس لخفوت بريق هذه الثورة، فالبرادعى هو صورة الثورة التى باتت مشوشة وباهتة فى الوعى العام, وهنا المفارقة، إن اختفاء البرادعى كما إخفاء مرسى، لم ينعكس فى الوعى العام كحزن على ثورة يناير، وإنما مزيد من المواقف السلبية إزاء هذه الثورة وتداعياتها.
إن هذه الحالة من الإخفاء والاختفاء والانفصال عن ثورة يناير 2011، تطرح تساؤلات فعلية بشأن مستقبل قوى يناير الممثلة فى اتجاهات مدنية ودينية. هل خروج الإخوان من المشهد سيعنىبالضرورة انتصارا للقوى المدنية؟ أم مزيدا من التجاذبات والتحالفات الجديدة؟ إذا افترضا عدم توافر الشروط اللازمة وعدم قدرة النظام الحالى على دمج كل القوى فى عملية سياسية شاملة، فإن السيناريوهات المحتملة لن تخرج عن اختيارات تقليدية، أى العنف من قبل جماعات الإسلام السياسى من ناحية، والعمل من أجل الإصلاح بالنسبة للقوى المدنية من ناحية أخرى. وبالطبع ستظل هناك مجموعات يراودها حلم الثورة واستمرارها. وبشكل عام فإن المشهد سيراوح بين القلق من العنف والتطلع إلى الإصلاح. وإذا استجابت الدولة للإصلاح فقد يسهم هذا فى الحد من العنف المتوقع، وإذا لم تستجب، فسوف تزيد من وتيرة العنف فى المجتمع. وأسوأ سيناريو بالطبع هو أن تلعب السلطة لعبتها التقليدية، أى أنها توظف العنف للهروب من استحقاقات الإصلاح، أى السياسة التقليدية للحرب على الإرهاب. وإذا قدر للحركات الإجتماعية أن تقوى، فقد يحقق الإصلاح ما عجزت الثورة عن تحقيقه.
وما بين العنف والإصلاح، فقد اختفى مرسى الرئيس وربما يعود مرسى الجهادى، ولكن بكل تأكيد فإن البرادعى الذى غادر رافضا للعنف، قد لا يكون فى مقدوره العودة كثورى أو حتى إصلاحى.ومع ذلك لا يمكن اختزال الحركة الاجتماعية والسياسية فى رمزية البرادعى، وخاصة وأن وتيرة كسر الرموز باتت أسرع من وتيرة صناعتها.