قضيت عدة أيام في المملكة المغربية، حيث شاركت في أعمال الجامعة الصيفية التي نظمها “منبر الحرية” بالتعاون مع “المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية”، وجاءت الجامعة هذا العام تحت عنوان “التحول الديمقراطي بين مطلب الانتقال الديمقراطي ومأزق الصراعات الداخلية”، إذ تضمن اللقاء سلسلة ندوات وطفنا مجالات وفضاءات متنوعة حول التحول الديمقراطي وتعزيز الانتقال الديمقراطي والمرحلة الانتقالية ونماذج من مشروعات التنمية في مصر.. الخ، والحق أنه كان لقاءً ثرياً بالأفكار والرؤى المتميزة التي عكست تميز المحاضرين والمشاركين على السواء، والذين كانوا من عدة دول عربية من المغرب وتونس والجزائر ومصر ولبنان والأردن واليمن.
وليسمح لي القارئ العزيز أن أنقل هنا بعض المشاهدات والملاحظات:
* في الدار البيضاء، وبالتحديد في المدينة القديمة، توجد مطبعة اسمها مطبعة الأزهر، لقد شعرت وقتها بأنني افتخر بمؤسسة الأزهر الشريف الذي احتضن كثيرين من خارج مصر، حتى أن به رواق على اسم المغاربة. وفي بعض شوارع تلك المدينة الجميلة التراثية لم أشعر بالغربة خاصة حين سمعت صوت أم كلثوم من مقهى بجوار الفندق الذي كنت أسكن فيه، أو حين سمعت صوت عمرو دياب يتلألأ من إحدى المحلات، أو لأغنية مصرية من أحد الكازينوهات.
* ما أن يعرف أحد المغاربة أنني مصري إلا ويؤكد على حب المغاربة وتقديرهم للمصريين، وهو ما لاحظته في مدن الدار البيضاء والرباط وفاس، ثم يسألني عن الأوضاع السياسية وتطورها، قبل يوم الأحد 30 يونيو وبعده، ونفس الحال بالنسبة للمشاركين في اللقاء، ومن جانبي كنت أظن أن الزملاء والأصدقاء من غير المصريين يتابعون الموقف في مصر بهدف حب المعرفة فحسب، لكني اكتشفت إيمانهم بدور مصر في المنطقة وبدون مبالغة كقاطرة وقائدة ورائدة.
* قال لي الصديق الجزائري، جابر، أن له أصدقاء كثيرون يدرسون في جامعات مصر، وأنهم يذكرون ذلك بكل الفخر، وكأنهم يدرسون في جامعات أمريكا أو أوروبا. ونفس الكلام ذكره بعض الأصدقاء اليمينين. والسؤال الآن هو هل نعي هذه الرسالة بأن نعمل على تجويد التعليم والارتقاء بحال الجامعات المصرية خاصة وأنها مقدرة بين شعوب المنطقة العربية؟!
* قال لي الصديق الأستاذ الدكتور إسماعيل نوري الربيعي، أستاذ التاريخ الحديث بالجامعة الأهلية بمملكة البحرين وهو عراقي الأصل، أنه يبكي حين يسمع المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب تغني لمصر أغنيتها “مشربتش من نيلها..، وكان رد الصديق اليمني الإعلامي خالد عمر بأنها أغنية لمحبي مصر وعشاقها وليست أغنية تخص المصريين وحدهم. كم أتمنى أن ندرك نحن المصريون مكانة مصر وعظمتها.
* في المغرب، كما في مصر، وللأسف، تتجاور العشوائيات وناطحات السحاب، كما يتواجد الشحاذين وأطفال الشوارع في بعض الشوارع والأزقة، في صورة تعكس غياب الكثير من معاني العدالة الاجتماعية. تُرى متى يلتفت الحكام إلى شعوبهم ويعملون بإخلاص من أجل القضاء على العشوائيات ويهتمون بترقية أحوال المواطنين؟!
* انقسمنا تجاه خطوة القوات المسلحة بعزل رئيس الجمهورية السابق د. محمد مرسي وتعيين المستشار عدلي محمود منصور رئيساً مؤقتاً للبلاد ما بين مؤيد ومعارض، المؤيدون يرون في جماعة الإخوان المسلمين جماعة تقوم على التعالي والإقصاء غرضها الانفراد بالسلطة وأنها لم تنجح في قيادة البلاد وأن الرئيس السابق هو أول من انقلب على الشرعية منذ أيامه الأولى في الحكم. أما المعارضون فإن بعضهم ينطلق من انتماء أصيل للإسلام السياسي ويدافع عن الجماعة ومشروعها، ولكن كان هناك معارضون لخطوة القوات المسلحة إذ يرونها انقلاباً عسكرياً وخروجاً عن الديمقراطية. ومن جانبها نقلت الصحف المغربية تخوف تيار الإسلام السياسي في المغرب من تلك الأحداث، حيث كانوا يتمنون نجاح جماعة الإخوان المسلمين في تقديم نموذج يمكن تعميمه في الدول العربية ومنها المغرب.
وختاماً، وبعد أن عدت إلى أرض الوطن، فإن كان الشعب المصري بدوره قد انقسم تجاه تلك الخطوات ما بين مؤيد ومعارض، وإن قام مؤيدو الرئيس السابق باستخدام العنف ضد المعارضين إلى جانب ترويج الشائعات الهدامة وخصوصاً ما يتعلق بوحدة مواطنيها ووحدة جيشهم، فإننا ندعو الله أن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء وأن يبارك شعبها حتى تجتاز البلاد تلك المرحلة الصعبة والفارقة إلى آفاق الديمقراطية التي تتسع للجميع وتقوم بالجميع دون تفرقة أو تمييز بين مواطن وآخر، في إطار مصالحة وطنية شاملة هدفها بناء الوطن مصر والنهوض بأبنائه.