للمرة الثالثة على التوالى و خلال شهور قليلة اجد نفسى وقد دخلت فى موجة فرح غامرة لان الصحف حملت هذا العنوان بالخط العريض : البنات يتفوقن على البنيين فى الثانوية العامة ومن قبل تفوق البنات على البنيين حين حصلن على المراكز الاولى فى الشهادتيين الابتدائية و الاعدادية على التوالى .
تذكرت الاغنية الجميلة التى غنتها سعاد حسنى من تاليف صلاح جاهين و ألحان كمال الطويل :
البنات … البنات اجمل الكائنات
وجدتنى اغير كلماتها و اقول البنات البنات .. أذكى الكائنات .. رغم كل ما يحملة الواقع من تحيزات ضدهن .
وتعلمنا تجربة الانسانية كلها ان الذكاء وحدة لا يستطيع ان يعين صاحبة او صاحبتة على تحدى صعاب الواقع ، واتذكر زميلتى فى المدرسة الابتدائية بقريتى منية سمنود دقهلية ” محسنة و كوثر ” الشقيقتان الذكيتان المجتهدتان ، وكنت اتعلم منهما و استعير كراستهما .. ولكن الذكاء لم يشفع لهما امام قسوة الفقر بعد ان مات الاب الصياد ، وذات صباح لم اجد “محسنة و كوثر” بجوارى وحيت عدت الى البيت عرفت ان امهما اخرجيتهما من المدرسة لكى يساعداها فى الصيد ويعاوناها على الحياة ، كانتا تستيقظان فى الفجر وبدلا من الذهاب الى المدرسة تذهبات مع الام الى النهر .
فكم من مئات الالاف من الاطفال الاذكياء فقدوا فرصهم من التقدم لانهم لم يتعلموا بسبب الفقر وبسبب عجز الحكومات المتعاقبة عن الوصول بميزانية التعليم الى المعدل العالمى الذى وجدت الامم المتحدة انة يمكن ان يلبى حاجات كل المواطنين للتعليم وهو 25 % من الموازنة العامة . وبقييت مخصصات التعليم فى موازنة مصر فى حدود ال5% او اكثر قليلا .
وحين تنخفض مخصصات الخدمات العامة ومنها التعليم تدفع البنات الثمن فهن الضحايا الاول لالغاء مجانية التعليم خاصة بنات الريف فكم يا ترى ” محسنة و كوثر ” سحبتهم أسرهم من المدارس بسبب الفقر فنحن نعرف ان واقع العلاقات الاجتماعية جنبا الى جنب سيطرة العقلية الذكورية تعلى من شأن الصبيان على البنات وحين تجد الاسرة الفقيرة نفسها غير قادرة على تعليم جميع الابناء فانها تدفع لتعليم الصبيان وتسحب البنات من المدرسة على اساس ان مصيرهن الزواج وان الولد هو المطالب امام المجتمع بان يعمل ويكسب خارج البيت ..
ومن المؤسف ان كل الحكومات التى تشكلت فى مصر بعد ثورة 25 يناير اصدرت موازنات شبية بموازنات عصر ” مبارك ” التى سيطرت عليها سياسات الليبرالية الجديدة وتقوم فلسفتها على ما يسمية البنك الدولى استرداد تكلفة الخدمات وهو ما اثقل كاهل المواطنين الفقراء بذيادة متواصلة من نفقات التعليم و الصحة و الاسكان و النقل و المياة و الكهرباء وذلك بدلا من اعادة النظر الجزرية فى توزريع الثورة القومية عبر الضرائب و الأجور .
وزادت حكومة الاخوان الطين بلة فى العام الاخير الذى حكمت فية مصر وقطعت خطوات سريعة فى اتجاة خصخصة التعليم مع تلاحظ اصحاب المدارس من الاخوان لنقل ملكية بعض المدارس الناجحة مثل شبكة مدارس القومية لهم .. و الحمد لله ان ثورة 30 يونية اوقفت المشروع الجهنمى .
فماذا عن البنات الضحايا مرتين مرة بسبب الفقر الذى تزايد ومرة اخرى لانهن بنات مايزال جنسهن محاطا بالشكوك .
قال حسن احمد رئيس النقابة المستقلة للمعلميين ان ثورة يناير لم تصل الى التعليم خلال عام الاخوان لان برنامج الوزارة كلن يصب فى برنامج خصخصة التعليم الذى تمثل فى تحميل المجتمع و رجال الاعمال مسئولية بناء مدارس جديدة ، كما اخذت الوزارة قرارا بفتح فصل تجريبى فى كل مدرسة حكومية اى ان من يريد ان يقدم لابنائة تعليما مميزا علية ان يدفع .
وكما سبق القول لن تدفع الاسر الفقيرة للتعليم الجيد للفتيات وثوف يبقين على الاكثر فى الفصول العادية التى تخرج منها نسبة كبيرة من الاميات ..فضلا عن ان الفصول التجريبية كما يضيف حسن احمد ” تخلق صراعا طبقيا و اجتماعيا داخل المدارس بين طلاب الفصول العادية التى يخرج منها الاميون و الاميات وبين الفصول التجريبية ذات المصروفات الاعلى “
كما يوكد احمد ان قرار الغاء الشهادة الابتدائية سيدفع ثمنة ابناء الاسر الفقيرة لان طلاب المدارس الخاصة يخضعون لاختبارات دورية بتقييم مستواهم و مساعدتهم على التعليم الحقيقى ، كل هذا من اجل ان توفر الوزارة مكافئات المعلميين فى كنترولات و اعمال الملاحظة و التصحيح .
وهكذا تتكاتف السياسات و الموازنات العامة ضد الفقراء و فى القلب منهم النساء ، ونعرف لماذا تزدات الامية بين النساء عنها فى المجتمع كاكل ، و كيف يحجب المجتمع الابوى الطبقى الفرص عن ملايين الاذكياء اكثرهم من النساء الاتى يغرقن فى الامية الابجدية بينما تعرف الامم المتحدة الامى بانة ذالك الذى لا يعرف لغة الكمبيوتر.
ولان ثورة 30 يونيو فتحت باب الامل مجددا امام ملايين المصريين لتحقيق اهداف ثورة 25 يناير فى العيش و الحرية و العدالة الاجنماعية و الكرامة الانسانية فسوف نتطلع الى اعادة النظر من الموازنة العامة و ترتيب الاولويات فيها بحيث يصل الانفاق على كل من التعليم و الصحة الى المعدل العالمى فاتتعلم كل البنات دون ان يعطلهن الفقر اما العقلية الذكورية الابوية فان الكفاح ضدها ثوف يستغرق زمن طويلا لانها تشكلت عبر التاريخ .وسوف يكون الخلاص منها بدورة تاريخيا لان للثقافة خاصية البقاء طويلا رغم زوال الاساس الاجتماعى الذى أنتجها