كنا مجموعة من الاصدقاء نلتقى اسبوعيا قبل ثلاثين عاما رزجات و ازواج حتى ان اطفالنا اصبحوا كذلك اصدقاء وحافظ البعض منهم على هذة الصداقة حتى الان حتى بعد ان تفرقت السبل بالاهل واخذتهم الحياة .
كانت بدايات الزوجات و الازواج متشابهة فقد تلقوا جميعهم تعليم جامعيا واشتغلوا بالصحافة او الاعلام و عملوا على تطوير معارفهم ومهاراتهم ثم جاء الاطفال ورغم ان المراتين اللتين اخترت ان اكتب عنها من بين صديقاتى القدامى لم تترك العمل وبقيتا صامدتين كامرأتين عاملتين الا ان عملها الصحفى اخذ يتراجع تدريجيا ليحتل المرتبة الثانية بعد الحياة الاسرية فى جدول الاعمال الممتلئ عادة بالاعباء اليومية الضرورية لرعاية الاسرة .
تذكرت الكتاب الذى اصدرتة قبل سنوات باحثة امريكية بعنوان ” الوردية الثانية فى حياة المرأة العاملة وقدمت فيه سجلا واقعيا لتعدد الادوار التى تقوم بها النساء وللعمل المضاعف الذى يؤدونه حفاظا على العائلة سواء العمل داخل المنزل او خارجه او العمل كمدرسة لابناء حين يحتاجون لها للاسف لم اعد اذكر اسم الباحثة كما لم اجد الكتاب فى مكتبتى وربما اكون قد اعرته ورغم ان شلتنا كانت كلها تنتمى للطبقة الوسطى التى لا تنجب كثيرا فمعظمنا لم ينجب سوى طفلين الا ان متابعة المصائر الواقعية لكل من المراتين والرجلين اللذين اخترتهما كنموذج لتراجع النساء مهنيا تبين لنا ان المجتمع والعلاقات الاجتماعية ترغم النساء على الانسحاب احيانا فيخسرن فى السباق المهنى حين يؤجلن طموح التفوق والارتقاء فى ميادين عملهن لصالح الاسرة والاطفال وهو ما حدث بالضبط مع اصدقائى وصديقاتى اذ اصبح الرجلان صحفيين مرموقين لهما حضورهما المهنى والسياسى ورغم ان الزوجتين لم تكونا اقل موهبة ولا ثقافة بل بالعكس ربما كانت موهبتهما وثقافتهما اكبر واعمق الا ان احد لا يذكرهما الان رغم انهما واصلتا العمل فى المهنة ممزقتين كالعادة بين الواجبات الاسرية والواجبات المهنية فضلا عن انشغالهما لتهيئة الحياة لنجاح الزوجين المرموقين بيت مريح واطفال سعداء واصحاء وناجحين فى دراستهما وعلاقات اجتماعية نشيطة تتيح للصحفيين الكبيرين مصادر متنوعة للمعلومات ثم ياتى تقدمهما المهنى كامراتين فى الدرجة الثانية.
ثم تشتغل مكينة الافكار القديمة والمعادية للمراة التى انحدرت الينا قن صلب المجتمع الطلبقى الابوى الذى تجذر الينا عبر التاريخ ومنذ نشاته بعد ان انهار المجتمع الامومى الذى كانت المراة فيه تحظى بمكانة رفيعة وكان اطفالها ينسبون لها ثم بدا التمييز ضدها مع صعود المجتمع الطبقى وتراكم الثروات التى حرص الرجال ان تكون من نصيبهم وورثتهم فاصبح الاطفال ينسبون للاباء ونشات الثقافة الذكورية التى تعلى من شان الرجل على حساب المراة وتضعها هى فى مكانة ادنى واخذت هذه الافكار تغزو الاساطير والفلسفات والديانات حتى اصبحت تراثا ثقيلا يجثم على انفاس النساء ويهيمن على الرؤية والتطورات الذهنية العامة حتى ان الثقافة الذكورية لم تبقى كما بدات حكرا على الرجال بل انها غزت عقول النساء ايضا حين اتشرت فى المجتمعات كافة وهكذا اصبحنا نجد الام التى تميز الولد وتحزن لو انجبت بنتا وفى تراث الغناء الشعبى المصرى والعربى كله اغنيات تعلى من شان الذكر على الانثى وتغنيها الامهات حتى وهن يهدن اطفالهن.
ونسيت البشرية او تناست المنبع الاولى والاساسى لما يسمى بالتفوق الذكورى واخذت بعض مدارس علم النفس وتاريخ الافكار تتعامل مع دونية المراة باعتبارها حقيقة بيولوجية يتوارثها النساء عبر الاجيال واخذت الحديث عن ما يسمى بطبيعة المراة يتردد عبر وسائل الاعلام ومؤسسات الثقافة والمؤسسة الدينية والامثال الشعبية.
يحدث هذا كله بينما تجتهد الحركات النسائية فكرية وتنظيمية لتبيان حقيقة هذه “الدونية” المفترضة باعتبارها بنت التمييز الطبقى الابوى القديم والذى تجدده القوى الرجعية فى كل عصر وبلد حين تجد نفسها وجها الى وجه امام ازمة البطالة على سبيل المثال فتخرج من الادراج العميقة هذه الافكار البالية وتنشط اجهزة التعليم والثقافة والاعلام والمؤسسات الدينية لتقول ان المكان الملائم للمراة والذى تفترضه طبيعتها هو البيت وتربية الاطفال بل وان هناك اعمالا تتلاءم مع طبيعة المراة واخرى لا يجوز لها ان تعمل بها كما تقول جماعة الاخوان المسلمين الان بل واكثر من ذلك ترى هذه الجماعة ان الولاية الكبرى لا تجوز للمراة ولا للمسيحى وحين قررت المراة ان ترشح نفسها لعضوية مكتب ارشاد الجماعة قمعها الرجال بقسوة وتبين فى هذه الواقعد ان تفسيرهم للولاية الكبرى لا يقتصر على رئاسة الجمهورية وانما يمتد عمليا لاى عمل اخر حيث لا يجوز للمراة ان رتسا رجلا كما يقول بعض شيوخهم
هكذا تحول ما هو اجتماعى اى ذلك الذى ينشا فى المجتمع الى شئ طبيعى وثابت لا يطوله عامل التغيير اذ ان لا شئ ثابت فى هذا العالم سوى التغيير وبالقطع فان هذا التغيير سوف يسرى ايضا على واقع النساء فى كل مكان.
كلما صادفت واحدة من المراتين اللتين اشرت اليهما واخذنا نسترجع ذكريات صداقتنا القديمة المح حزنا دفينا قد لا تصرح به صديقتى ولكنه يمنح نفسه للعين الصديقة واقول لنفسى: نعم انى اعرف السبب لم يعترف المجتمع بعد بان الوظائف الانجابية والمنزلية والتربوية التى تقوم بها النساء هى وظائف اجتماعية بالاساس ولذا لابد من ان يساعد المجتمع النساء على القيام بها وهو ما تدعو له الحركة النسائية والديموقراطية وقبل ستين عاما قالت سيمون دى بوفوار وهى رائدة من رائدات حركة تحرير المراة بكتابها التاسيسى “الجنس الثانى” قالت ان الانسان لا يولد امراة انما يصبح امراة
فريدة النقاش