منذ أشهر ثلاثة وبتاريخ 17 فبراير الماضي كتبت في هذا المكان عن دور المعارضة في الساحة السياسية المصرية…ما لها وما عليها…ويومها كنت أستشعر قصورا واضحا في آليات عمل المعارضة والأدوات التي تستخدمها حتي أن المقال الذي كتبته جاء تحت عنوان:جبهة الإنقاذ…في حاجة إلي إنقاذ !!…وقد أشرت في ذلك الصدد إلي أن مصر تقف حائرة بين حكم فاشل في توحيدها أو إدارتها وبين قوي معارضة مهتزة عقيمة غير قادرة علي قيادة الشارع الغاضب المقهور اللهم إلا في تأجيج مشاعره واستنزافه.فإذا كان مرسي ونظامه وجماعته وحكومته مسئولين عن حالة الاحتقان السياسي والتدهور الاقتصادي والانفلات الأمني في البلاد فإن قوي المعارضة تشترك معهم في المسئولية السياسية بعدم قدرتها علي قيادة الشارع الغاضب في اتجاه إيجابي,فهي لا تملك سوي أدوات الشجب والرفض والاحتجاج والدعوة للمقاطعة.
أذكر أنه بعد وصول الرئيس مرسي إلي السلطة أعلنت قوي المعارضة عزمها علي توحيد صفوفها لخلق تحالف معارضة قوي يستطيع منافسة تيار أحزاب الإسلام السياسي وكبح جماحها في الانفراد بالسلطة والاستحواذ علي مفاصل الدولة واختطاف الدستور والتشريع…ووقتها تفاءل أنصار المعارضة خيرا واعتبروا أن قوي المعارضة تعلمت درسا مهما من تجربة الانتخابات الرئاسية حيث خسرت المعركة الانتخابية نتيجة تشرذمها بين مرشحين عديدين ثم سقوط جزء لايستهان به من أنصارها في خطيئة مقاطعة جولة الإعادة…أدركت قوي المعارضة- أو هكذا اعتقدنا آنذاك-أن لاسبيل أمامها سوي العمل الجاد لتوحيد صفوفها والنزول إلي الشارع بمشروعها للبناء الوطني والتنمية والإصلاح السياسي بغية حشد قوي تصويتية ضخمة تستطيع بها عبور صندوق الانتخابات إلي البرلمان…وشمل ذلك السبيل التنسيق فيما بينها للاتفاق علي مرشحين محددين-سواء أفراد أو قوائم-تدخل بهم المعارضة الانتخابات وتقف موحدة خلفهم تؤازرهم حتي لاتتفتت الأصوات…وظهر وقتها مصطلحالتيار الثالث الذي اجتذب اهتمام الجماهير وعقدت الأمل عليه في إدراك التوازن المفقود في الخريطة السياسية,ثم توالت الأحداث وأمعن الرئيس مرسي في تحدي الدستور والعصف بالقضاء وانفجر الشارع غضبا واحتجاجا وتعلقت الأنظار بالتيار الثالث متلهفة لما يفعل فإذا به يستنزف مشاعر الشارع في تأجيج الغضب وكان أقصي ما فعله هو صك اسمجبهة الإنقاذ علي تيار قوي المعارضة..فماذا فعلت جبهة الإنقاذ؟
تمادت جبهة الإنقاذ في رفض كل شئ يصدر عن مؤسسة الرئاسة أو الحكومة أو مجلس الشوري…وإذا كان ذلك أمرا طبيعيا ومفهوما نتيجة الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها تلك المؤسسات,إلا أن إصرار جبهة الإنقاذ علي رفض الحوار وإخفاقها في الاشتباك السياسي مع الحكم واقتصار مواقفها علي المقاطعة ترك الساحة خالية لمزيد من الاستبداد والاستحواذ من جانب الحكم ومزيد من الإحباط والحسرة من جانب الجماهير الغاضبة…فشلت جبهة الإنقاذ في الجلوس إلي مائدة الحوار الوطني لتلزم رئيس الجمهورية بالوفاء بوعده أن يتم الاتفاق علي البنود المراد تعديلها في الدستور ووعده بتمرير تلك البنود من خلال البرلمان,والآن تكاد تكون تلك القضية تبخرت وتناساها الرئيس-فكل حق ليس له مطالب مآله الضياع.
طالبت سائر القوي الوطنية-ومنها جبهة الإنقاذ-بتشكيل حكومة ائتلاف وطني لخلق توافق سياسي في المرحلة الحاسمة التي تمر بها البلاد,وذلك بدوره أمر طبيعي ومفهوم,لكن إصرار جبهة الإنقاذ علي رحيل كل الحكومة الحالية واشتراطها ذلك مقابل مشاركتها في الحكومة كان بمثابة حجر عثرة أمام تحقيق التوافق السياسي,ومرة أخري تبتعد جبهة الإنقاذ وتترك الساحة خالية لقوي الاستبداد والاستحواذ تفعل ما تشاء وتتذرع بأنها دعت الجميع للمشاركة فلم تستجب قوي المعارضة(!!)…وجاء الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد للحكومة,بعضه يفضح استمرار الشهية المفتوحة لتمكين تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين,وبعضه الآخر يقدم وجوها من خارج ذلك التيار وتلك الجماعة,بل إن أبرز أولئك كان المستشار حاتم بجاتو الذي تم ترشيحه لوزارة الشئون النيابية,فماذا كانت ردود أفعال جبهة الإنقاذ؟…تمادت الجبهة في شجب ورفض أي شئ وكل شئ وأصرت علي صحة موقفها في عدم الاعتراف بأي تشكيل وزاري إلا برحيل الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء نفسه,ثم اندفعت تفتش عن نقائص جميع الوزراء القادمين حتي قبل أن يبدأوا العمل أو يعلنوا عن خططهم للإصلاح أو يأخذوا فترة عادلة للعمل وبعدها تجري محاسبتهم,وكان مسك الختام هو حملة الهجوم علي المستشار حاتم بجاتو-المحسوب ضمن أعلي قامات القضاء والمناهض لتيار الإسلام السياسي-فبدلا من اعتبار خطوة ترشيحه للوزارة خطوة إيجابية يمكن استقبالها كرسالة طمأنة للمعارضة من جانب الحكومة,تم إطلاق نيران الهجوم علي المستشار واتهامه بالاستسلام لتيار الإسلام السياسي وخيانته للوطن!!!
والآن ماهو مشروع المعارضة وجبهة الإنقاذ؟…ماهي خطتها للاشتباك السياسي مع هذا النظام؟…مهما اتقفنا علي فشل هذا النظام والغضب المتزايد الذي يناله من الشارع والنزيف المستمر في مؤيديه وأنصاره وأعوانه ومستشاريه يجب أن نعترف أن ذلك النزيف يرجع إلي ما يرتكبه النظام من أخطاء وحماقات ولا فضل إطلاقا في ذلك للمعارضة التي لا تفعل شيئا إيجابيا…حتي تجهيز الساحة الانتخابية لخوض معركة انتخابات مجلس النواب باتت محل علامات استفهام كثيرة وسط ضجيج التخبط بين دعاة المقاطعة ودعاة المشاركة الأمر الذي يلقي ظلالا من القلق حول جبهة المعارضة وائتلافها الواحد الموحد!!!
أما قمة الاستخفاف السياسي بالشارع ومشاعر الغضب والقهر التي تتملكه تجاه نظام الحكم فجاءت من حزب الوفد ومن بعض رموز جبهة الإنقاذ حين أعلن عنروشتة المقاومة السياسية لما يحدث في البلاد من تأسيس حكومة موازية وبرلمان مواز…والحقيقة لست أدري ما الدور الذي سيلعبه كل من هذين الكيانين في المشهد السياسي المتأزم,وأشفق علي من أعلنوا عن تأسيسهما ممن سوف يستدعون تعقيب الرئيس السابق حسني مبارك عندما واجهته المعارضة بمثل تلك الروشتة,فقد قالخليهم يتسلوا فالفارق كبير بين معارضة تشتبك سياسيا مع النظام وتخوض الانتخابات بإصرار وحكمة وتحتل صفوف المعارضة القوية في البرلمان وتقوم بتشكيلحكومة ظل تحمل برنامجا مختلفا عن برنامج الحكومة وتعد نفسها ليوم تستطيع طرح الثقة فيه بالحكومة والصعود إلي السلطة بدلا منها…الفارق كبير بين هذا السيناريو السياسي الذي نعرفه في كل الديموقراطيات وبين معارضة تقولمش لاعبين وتخدع نفسها وجماهيرها بتمثيلية الحكومة الموازية والبرلمان الموازي!!!…أظن أن مصر في حالة مخاض لميلاد ثورة جديدة.