لم يأت جميع المهاجرين إلي البلاد طوعا. فقد جاء ما بين مليون ومليوني أفريقي بصورة قسرية إلي الولايات المتحدة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر. كانت المناطق في غرب ووسط أفريقيا التي أخذ منها الأرقاء مواطن لمئات من المجتمعات الأهلية, واللغات, والتقاليد الموسيقية المميزة.
نشأة الموسيقي الأمريكية الأفريقية في الولايات المتحدة شملت عمليتين مرتبطتين ببعضهما البعض. العملية الأولي كانت التوفيق بين الأشكال المختلفة للممارسات, والمعتقدات, أي الدمج الانتقائي للتقاليد المستمدة من أفريقيا وأوربا. وكانت العملية الثانية إنشاء مؤسسات أصبحت فيما بعد مراكز مهمة للحياة الموسيقية للسود أو الموسيقي السوداء, أي العائلة, والكنيسة, والتجمع الطوعي, والمدرسة وما إلي ذلك.
من الخطأ التحدث عن ##الموسيقي السوداء## بمثابة كيان متجانس. فقد اتخذت الثقافة الأمريكية الأفريقية أشكالا مختلفة في البرازيل, وكوبا, وهايتي, وجاميكا, والولايات المتحدة. وتكون كل شكل منها من مزيج خاص من تقاليد المصادر الأفريقية والأوربية, كما تكيف مع الظروف الاجتماعية المحلية. في الولايات المتحدة, بدا أن الناس الذين قدموا من منطقة سنيجامبيا (السنغال- جامبيا) في غرب أفريقيا شكلوا الجزء الأكبر من الأرقاء. تم تطوير آلة البنجو, وهي اختراع أمريكي – أفريقي, من آلات موسيقية وترية منتشرة في تلك المنطقة واستمدت بعض جوانب موسيقي البلوز من تقاليد الجريوت (المغني المداح) في مناطق السافانا في غرب أفريقيا.
تشكل بعض المزايا المعينة من الموسيقي الأفريقية جوهر الموسيقي الأمريكية الأفريقية وامتدادا للموسيقي الشعبية الأمريكية ككل. أشكال المناداة والاستجابة, التي يتناوب علي أدائها مغن رئيسي وكورس, تشكل سمة مميزة للتقاليد الموسيقية الأمريكية الأفريقية. في الكثير من القطع الموسيقية الأفريقية يعتبر التكرار قوة جمالية, حيث تبني أشكال عديدة من جمل قصيرة تتكرر في دورة منتظمة. تتآلف هذه الجمل القصيرة بطرق متنوعة لإنتاج موسيقي تتميز بقوة وتنوع عظيمين. تسمي هذه الأنماط المتكررة في الموسيقي الأفريقية الأمريكية في أحيان كثيرة ##اللازمة##.
يكمن الاهتمام الجمالي للكثير من الموسيقي الأفريقية في تشابك الأنماط المتكررة والمتعددة لتشكيل نمط كثيف متعدد الإيقاعات (نمط تمارس فيه إيقاعات عديدة في نفس الوقت). هذه التقنية واضحة في الأنماط الأمريكية الأفريقية كموسيقي ##الفانك##, ولاسيما في أعمال جميس براون, ومصاحبة الآلات لتسجيلات موسيقي الراب المعاصرة. هناك نمط إيقاع شائع من غرب أفريقيا أدي إلي إنتاج العديد من الأشكال المتنوعة في الأمريكتين, بما في ذلك لازمة ##الهامبون## (إيقاع البوجي المعدل, الذي ينتج في بعض الأحيان بحركة إيقاعية للركبة وبصفع الصدر) التي راجت شعبيتها خلال عصر الروك أند رول علي يد بو ديدلي, جوني أوتيس, وبادي هوللي.
بعكس جماليات موسيقي الفن الغربي, حيث تشكل النبرة ##الواضحة## النموذج المثالي, يستعمل المغنون والعازفون الأفريقيون مزيجا واسعا من الآلات الجرسية. تتولد النبرات الطنانة من خلال ربط أداة خشخشة بجهاز ويستعمل المغنون بصورة متكررة تأثيرات الدمدمة والهمهمة, وهي تقنية يمكن سماعها أيضا في أنواع الموسيقي الأمريكية-الأفريقية كالبلوز, والأغاني الإنجيلية, والجاز. ووفق تقاليد قرع الطبول في غرب أفريقيا, يضرب قارع الطبل الرئيسي في أحيان كثيرة علي الطبلة التي تصدر أبطأ درجة نغم في المجموعة. هذا التشديد علي الأصوات المنخفضة قد يكون السلف للدور البارز للطبلة الجهيرة في فرق الموسيقي السوداء في المسيسيبي المكونة من ناي وطبلة كما في جمالية ##جهارة الهدير الصوتي## في موسيقي الراب.
تأثير الجماليات والتقنيات الموسيقية الأفريقية علي الموسيقي الشعبية الأمريكية كان عميقا. ويكشف تاريخها عن إبداع الموسيقيين السود كما عن استمرار التمييز العنصري في الأعمال التجارية الموسيقية والمجتمع الأمريكي ككل. في أوائل القرن العشرين, كونت موسيقي الراجتايم والبلوز, الشكل السائد للأغنية الشعبية الأمريكية. ##عصر الجاز## الذي ساد في العشرينيات من القرن العشرين و##عصر السوينج## في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين شملا إعادة تصميم الموسيقي الراقصة الأمريكية الأفريقية من أجل جذب جمهور من البيض من أبناء الطبقة الوسطي.
مع أن الموسيقي الريفية تعرف في العادة علي أنها أسلوب ##أبيض##, فقد كان بعض أكبر نجومها من السود وأساليب عازفي الموسيقي الريفية مثل جيمي روجرز, وهانك وليامز, وويلي نلسون تأثرت بقوة بالموسيقي الأمريكية الأفريقية. يستطيع المرء أن يشير إلي أمثلة عديدة أخري لتأثير الموسيقي السوداء علي الموسيقي السائدة في أمريكا. لقد أعيد كتابة قسم كبير من موسيقي الروك أند رول, والإيقاع, والبلوز لكي تلقي نجاحا في سوق الموسيقي التي يسيطر عليها المراهقون البيض. يمكن سماع تأثير الموسيقي العاطفية في الستينيات من القرن العشرين المتجذرة في الموسيقي الإنجيلية السوداء وموسيقي الإيقاع والبلوز في الأسلوب الصوتي لكل مغن شعبي, بدءا من بوني رايت وويتني هيوستن, ووصولا إلي بروس سبرنجتين ومايكل جاكسون. وأسلوب أغاني الجيتار المبتكر القائم علي الهيفي ميتال يعود بفضله إلي عازفي موسيقي البلوز الحضريين, مادي واترز وهولينج وولف. وموسيقي الراب المستندة إلي تقاليد موسيقية وشفهية مستمدة من الموسيقي الأفريقية تستمر في تزويد العديد من الأمريكيين البيض بتجربة بديلة ##للاستماع من الخارج## إلي الثقافة المدينية السوداء.
يمكننا القول, مع كل سنة تمضي, أن الموسيقي الشعبية الأمريكية قد اقتربت من جوهر القيم الجمالية وتقنيات الموسيقي الأفريقية. ولكن ذلك قد يكون مضللا لأنه يحرف الانتباه عن واقع أن الأمريكيين الأفريقيين هم أمريكيون أيضا. أسلاف الأمريكيين السود جاءوا إلي الولايات المتحدة قبل أسلاف العديد من الأمريكيين البيض. فالتاريخ المعقد للتفاعل بين الأساليب الأوربية- الأمريكية والأساليب الأفريقية _ الأمريكية وبين الموسيقيين والمستمعين يبرز سخف التمييز العنصري.
يو إس جورنال