خطابات “الفيسبوك” و”تويتر” خرجت على ما يسمى بالمحرمات وحطمت اللغة الخشبية
الدكتور عمار علي حسن:
عبد الناصر نجح ببلاغة عفوية أن يجذب المواطنين بكلماته وصدق عينيه وحركاته.. و أوباما سحر شعبه!!
الدكتور نبيل عبد الفتاح:
الناس نزلت الشارع بعد أن وجدت الخطاب الرسمى فارغا.. ويتبدد فى الهواء فور صدوره
د. عماد عبد اللطيف:
وقف الخطابات المضللة والتلاعبية لتقليل فجوة المصداقية التي نعاني منها
أنتجت ثورة 25 يناير خطابات متعددة على الساحة السياسية، ومعظمها كان يكتنفه الغموض، بل لم يعد أحد من الناس يصدق ما يقوله الساسة، وأصبح على الشعب المصري أن يجتهد في فهم ما المقصود من وراء الخطاب طبقا لأفكاره ومعلوماته، عله يفهم شيئا، وهو ما دفع الدكتور عماد عبد اللطيف إلى رصد كل هذه الخطابات وتحليلها في كتابه “بلاغة الحرية”، وهو دراسة حول الخطاب السياسي.
وقد جرت مناقشة “بلاغة الحرية.. دراسة حول الخطاب السياسي” ضمن “كاتب وكتاب” فى المعرض وذلك بمشاركة د.نبيل عبد الفتاح ود.عمار على حسن.. وحضور مؤلف الكتاب عماد عبد اللطيف.
فى البداية أشاد د. نبيل عبد الفتاح، بالكتاب واعتبره من الكتب المهمة التي صدرت هذا العام حيث يتناول موضوعا بالغ الأهمية.. وقال: يتحدث دائما المثقفون والباحثون عن الخطاب وتحليله، وسوف نرى أن المصطلح يستخدم ولا يطبق، وأن حجم المعرفة به سواء على المستوى المقارن عربيا وغربيا شيء، وما يتم في بلادنا شيء أخر.
وأوضح أن الكتاب مهم لدراسة انتفاضة ثورية تحاول استعادة زمام المبادرة في ظل جو يسوده عدم اليقين، والفوضى، ونقص في الخبرة، وانعدام الكفاءة في إدارة شئون البلاد.
وأكد: “نحن أمام انتفاضة تحمل سمات الحالة الراهنة في التطور ما بعد الحديث، فكل من وصلوا إلى السلطة استفادوا من نتائجها بعد التفاوض مع المجلس العسكري و ظهر ذلك بوضوح بعد يوم 28 يناير 2011 الذي تأكد فيه الكل أن النظام قد هوى، وبعدها حاول بعضهم استعادة اللغة العقيمة واللغة التهكمية لبعض الأوضاع السياسية .
ولا يجب أن نغفل اللغة المستخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي، فبالنظر إليها سنجد في لغة “التويتات”، على موقع “تويتر”، أو اللغة “الفيسبوكية”، المستخدمة على “الفيسبوك” سنرى خروجا على ما كان يسمى بمحرمات اللغة، وهي تناقض أو تخالف اللغة الخشبية التي تستخدم من قبل الواعظين السياسيين.
وأشار عبد الفتاح إلى وجود ملاحظات له على الكتاب ولكنها لا تقلل منه، حيث يبدأ الكتاب في مقدمته عزف جماعي على وتر الثورة، وتشبيه السياسة بالمسرح ورغم أنه تشبيه بليغ ولكن في بعض الأحيان يحتاج المرء إلى أن يتوقف عند بعض الاستخدامات ويجري مراجعة لها، كاستخدام مصطلح المسرح السياسي، ولكني راجعت نفسي ووجدت أنه في ظل الصراعات الحالية بين القوى السياسية فإن هذا التشبيه يمتلك مصداقية، لأن المسرح معد سلفا ومحددا فيه الأدوار لكن الاختلاف يأتي في أن المسرح الحقيقي لا تنتهك فيه دولة القانون كما تنتهك الآن في استخدام سلاح العجز وفي استخدام قانون الطوارئ، فحدود الممثلين فيه واضحة المعالم.
كما أشار د. نبيل عبد الفتاح إلى أن خطاب التغيير لم يكن جماعيا ولكن خطاب الميادين بدأ بالشرائح الوسطى والوسطى العليا، ولم يكن ابن اللحظة الثورية أو الانتفاضية، وإنما حملته هذه الطبقات نتاج للخطاب النقدي الذي كان في الماضي وخطاب كفاية و6 ابريل وكلنا خالد سعيد .
فالفعل الثوري أدى إلى أن ينتج الفاعلون الثوريون خطابهم، ولم يكن خطابا واحدا بل خطابات متعددة، والذين شاركوا جاءت مشاركتهم نتاج قوة الخطاب الدافع للحرية والكرامة الإنسانية.
وتساءل عبد الفتاح هل كل خطابات القنوات الفضائية كان ثورة مضادة أم أن بعضه كان ثوريا؟، كما تساءل حول خطاب الصناديق الدعائي والحشدي حيث كان هناك خطابات تنقض وتناهض استخدامات الشعارات الدينية والتي استخدمها الوسط والإخوان والسلفيون، فيما كانوا هم مقتنعين بها.
وقال عبد الفتاح: إن تقسيم الخطابات إلى خطاب الميادين والشاشات والصناديق ليس كافيا، لأن هناك خطابات أخرى، فلا استطيع مساواة خطاب الوسط مع السلفيين لان هناك تمايزا بينهم.
وأضاف: المواطن العادي أو – ما يطلق عليهم حزب “الكنبة”- يعد مستهلكا للخطاب، وليس منتجا حيث لدية خطاب الخوف وعدم الثقة في أن الحركة الثورية قد تنجح، ولكن نزل بعضهم عندما وجد أن الخطاب الرسمي أصبح كلاما فارغا ويتبدد في الهواء فور صدوره من منتجه.
شبكات التواصل المجتمعى
من جهته أكد الدكتور عمار علي حسن الكاتب والباحث السياسي، أن ثورة 25 يناير جعلت الباحثين يدخلوا في هذه الساحة وكلنا رأينا مؤلف الكتاب يقدم تحليلا حول العديد من الخطابات سواء الأفعال في الميادين أو المناظرات السياسية وكذلك خطب الرئيس الحالي.
موضحاً أن بعض الأشخاص غفرنا لهم بعض أخطاءهم لبلاغاتهم، ومنهم الحجاج بن يوسف، حيث أنه كان خطيبا مفوها، وهو ما حدث كذلك في الانتخابات الأمريكية حين قيل أن “أوباما” استطاع أن يسحر الشعب الأمريكي ببيانه، حيث استطاع فعل ذلك من خلال بيانات جيدة وليست جوفاء كالتي نسمعها من الوعاظ، وكذلك الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” استطاع ببلاغة عفوية أن يجذب المواطنين بكلماته وصدق عينيه وحركاته.
وأوضح عمار أن البلاغة تدرس عادة على أساس أنها بلاغة مكتوبة ولكن المؤلف وعطفا على دراسات كثيرة وسع المفهوم فلم يقتصر على ما بتداوله اللسان ولكن انتقل إلى البلاغة في الحركة والشعار وهو ما تناوله من رصد لما كان يحدث في ميدان التحرير باعتباره فعل بلاغي يحتاج لتحليل.
وقال عمار أنه يسمي هذا توسعا راسيا في رصد البلاغة للفعل المصري، وهناك أيضا التوسع الأفقي من خلال رصد شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها الكبير في الثورة المصرية، حيث أن قبل الثورة بأقل من شهرين استدعاني احد المخرجين لأعلق على فيلم عن “الحياة الثانية”، قاصدا بها شبكات التواصل المجتمعي التي يعيشها الشباب بعيدا عن العالم الواقعي المليء بالإحباط، فوجدت شبابا متمردا ووقتها علقت على الفيلم بان الجيل سيكون مختلفا، فكل واحد منهم يتخيل انه في منصب ويقوم بمهامه المنوط بها فمنهم من يتخيل أنه رئيس جمهورية ويتخذ القرارات التي من خلالها يمكن حل الأزمات، وأخر يتخيل انه قائد جيش في القرون الوسطى وكان يوجه الجيش كيفما يشاء حتى ينتصر.
فقد انبهرت بقدرة الشباب وقلت أنهم نازعون للحرية ومتمردون على الواقع ولديهم رغبة حقيقية في أن يتحقق حلمهم وهو ما شاهدناه في الثورة .
وأضاف، أن “الفيسبوك” أضاف كثيرا للثورة، مشيرا إلى تجربته في حركة كفاية والجمعية الوطنية من اجل التغيير وكيف كانوا يجدون صعوبة في عقد مؤتمراتهم حتى أن بعض الأحزاب المنظمة والمحسوبة على النظام وقتها كانت تخاف من السماح لهم من استغلال مقراتها، وكانت ترفض وتغلق أبوابها أمامهم، فلم يكونوا قادرين على بناء شبكات اجتماعية إلا من “الفيسبوك”.
وعندما احتشدنا في الميدان نتيجة لاختلاف الأيدلوجيات والمصالح لم يكن عند احد رغبة في اختيار قيادة تتسلم السلطة من مبارك خلال ال 18 يوم الذي قضيناهم في الميدان.
وفي الميدان وجدنا ترجمة للفلكلور المصري وكذلك العقل التحايلي، ومثال على ذلك، ما كتبه أحد الأشخاص على لوحه يقول لمبارك ” اهرب يا أخي قبل ما يقفشوك”، أو ذلك الذي قال عند استفتاء 19 مارس وهو راكب “عجلة”: “عجلة الإنتاج دايرة يابهايم”، كما سمى أحد البائعين الشاي الذي يبيعه ب “شاي التنحي” وذلك لجعل المواطنين يقبلون على الشاي، كما انتهز شاب ضرب الشرطة للقنابل المسيلة للدموع ليبيع القناع الواقي من الغاز أثناء الضرب.
وأوضح عمار أن خروج كلمة سلمية خلال ثورة يناير أوضحت للغرب أن الشعب المصري ليس شعبا وحشيا كما يصوره البعض، كما أن الناس البسطاء الذين توقع علماء الاجتماع أن يكونوا غاية في العنف كانوا غاية في التحضر، ولكن ما أدي إلى العنف بعد ذلك هي أهواء الساسة ومصالحهم، فكثير من الساسة توقعوا ثورة جياع ولكن جاءت ثورة الطبقة الوسطى.
وأشار عمار إلى أن الكتاب تناول خطاب التلاعب متمثلا في الانتخابات، التي وجدنا فيها خطابا عدائيا فجا لا يقوم على أي حقيقة، وإنما على تخوين الأخر، ثم جاءت خطابات الأكاذيب في الانتخابات الرئاسية ونرى الآن الفجوة الواسعة بين ما قيل وبين ما نكتشفه أو ما يتحقق.
وأشاد عمار بتناول الكتاب لواقعة وائل غنيم الذي صنع منه الإعلام وخاصة قناة العربية بطلا و أسطورة، فيما أنتقد سقوط صورة خالد سعيد بجثته، في الكتاب.
بلاغة الحرية