هذا الكتاب يتطلب تشغيل العقل
وهى مهمة أصبحت هذه الأيام من أقسى وأشقى المهمات لذلك فلاداعى أن يقراءه أو يقرأ العرض الذى نقدمه له فى هذه السطور .لمن يبحثون عن التسلية .والكتب التى تقتل الوقت .
الكتاب اسمه ( السلفيون أيضا يدخلون النار )
هذا الكتاب يتطلب تشغيل العقل
وهى مهمة أصبحت هذه الأيام من أقسى وأشقى المهمات لذلك فلاداعى أن يقراءه أو يقرأ العرض الذى نقدمه له فى هذه السطور .لمن يبحثون عن التسلية .والكتب التى تقتل الوقت .
الكتاب اسمه ( السلفيون أيضا يدخلون النار )
المؤلف هو الكاتب الصحفى وليد طوغان .الناشر دار صفصافة .والكتاب يقع فى 317 صفحة من الحجم الكبير .
يرى الكاتب أن التغيير ظهر فى الشارع المصرى بشدة بداية الثمانينات فقد اتقنا اغلاق الشوارع بالحصير الاخضر .وتكدست الميادين بمصلى التروايح .بينما تكدست المحاكم فى الوقت نفسه بدعاوى ومنازعات اكل الحقوق واموال اليتامى .والجور على الارامل والمطلقات .من لم تنه صلاته فلا صلاة له .لكن المصريين يصلون ويصومون .ثم يأكلون الحقوق .ويقذفون المحصنات أيضا.
ويضيف وليد قائلا؛” إها ازدواجية معروفة .ففى روايات نجيب محفوظ كان السيد احمد عبد الجواد ملكا للهلس والليل والرقص مع العوالم مع اصدقائه ولكن فى بيته رجل اخر.
ارتفعت نسبة الحجاب فى الشارع المصرى لكن لم تنخفض نسبة التقاضى فى الحقوق امام المحاكم”.
ويسال طوغان لماذا التناقض؟ ويجيب ببساطة لاننا نميل عادة الى الطقس اكثر من المضمون الاحتفال باللفظ اكثر من المعنى عادة مصرية .ويرى عالم النفس الشهير ( كارل يونج )ان الارتجاج النفسى للمجتمعات عادة ما يصاحبه اهتمام بطقوس الافكار اكثر من مضامين الافكار نفسها .واعتبر يونج أن اهتمام الشخص بملابسه المبالغ فيه – على سبيل المثال- لايعنى فقط خواء نفسيا من نوع ما .بقدر ما يشير الى اضطراب فى العلاقة بين تفكيرالشخص ونفسه.مع خلل فى رؤيته لنفسه بينه وبين نفسه .ومن هذا المنطلق تدور فصول الكتاب
الفصل الاول حمل عنوان (كلنا احباب الله )ويبدأه وليد بسؤال مهم لايطرحه أحد .يقول السوال ما الذى قدمته جماعات الاسلام السياسى كى يدعو أنهم الاولى باقامة دولة الدين وان على المسلمين فريضة ان يرتضوا بهم وكلاء لله ؟ الاجابة قدموا كل ما ينبغى معه فصلهم عن ادارة الدنيا .قبل سحب ولايتهم على الدين .اذا كان الله سبحانه قد ولاهم من الاساس .فقد ولى الاسلاميون الدين شطرهم هم .وناحيتهم وحدهم قبل محاولاتهم تطويعه لما ارادوه من حكومة وسلطة .لذلك عصفت رغباتهم فى ولاية امور المسلمين احيانا كثيرة بالمسلمين .رغم ادعاءتهم بحراسة الدين
ويرجع طوغان الازمة إلي أن الذين يظنون انهم وحدهم اهل الله وبوصفهم المحتكرين وحدهم لحقائق الله .تعاونهم مستحيل والتوافق معهم مستحيل ايضا .فالسلفيون يرون انهم ادرى المسلمين بشئون دنيا المسلمين .ويرون ايضا انهم القيم على الدين القيم وهم يكذبون لذلك فربما يدخلون النار ف تاريخيا كل محاولاتهم للانخراط فى المجتمعات الحديثة باءت بالفشل .فخطاب اهل السلف واحد ( جامد ) بينما خطابات مجتمعات العلم والاجتهاد ( واسعة – حرة ) لا الدين فيها حكرا على احد ولا الاسلام قائم فيها باحد ولاقائم لاحد.
ويقول طوغان مؤكدا ان الاسلام على عكس مايرى اهل السلف ليس دينا سلفيا فلم تنص شريعته على أن السلف الصالح راضوان الله عليهم كانوا هم الاسلام ولا أن اقوالهم واعمالهم جميعا كانت عماد الدين ..وكعادة الاصوليين لدى السلفية يقين غير مبرر بأنهم هم وحدهم أحباب الله .وإن الحقائق الالهية تبدأ وتنتهى عندهم لذلك فعندما يدخل الاصوليون ارض السياسة مثلا لا يدخلون للتفاوض والسجال .وفق ما تحتمه عليهم ملاعب السياسة واساليبها انما يدخلون للسيطرة وفرض الرأي تأكيدا لاعتقادهم فى مصدر آرائهم الإلهى .
الكتاب يدخل عش الدبابير بحقائق شائكة فيتحدث عن تقديس المصريين للبخارى والاحاديث ويؤكد وليد طوغان أن السنة النبوية محصنة بالعرب كما اعتقد غالبية المسلمين .فمعظم رواة الحديث الثقات كانوا فرسا وهنودا وكازاخ وبشتون ليسوا عربا لكن العرب لم يملكوا شجاعة الاعتراف بهذا منذ الدولة الاموية .وقد احتار علماء الحملة الفرنسية فى سر توسل المصريين بالبخارى وقراءته – وليس قراءة القرآن– بل والقسم باسمه.
ويرصد وليد طوغان كتابات وأفكار المفكرين التى طالبت بتنقية التراث .ثم يدخل إلى اغوار التاريخ فى فصل يحمل عنوان ( جنود الله فى العسل ) ليكشف أن الصراع الذى بدء بقتل الخليفة عثمان بن عفان – رضى الله عنه – لم يكن صراعا دينيا بقدر ما كان سياسيا .بسط به ولاة المسلمون نفوذهم واحكم به اخرون السيطرة باسم الله .وباسم كتاب الله .وسنة كتاب الله .فى الصراع السياسى تلاعب فقهاء البلاط بالسنة والحديث .وخلافة معاوية بن ابى سيفان حولت الدولة الاسلامية .لامبراطورية بينما كان خلفاء العباسيين ملوكا ولم يكونوا امراء مؤمنين .ووسع الامويون ملكهم .وزادوا عدد رعاياهم .فجردوا الجيوش للفتوحات طمعا فى الثروات .وتراكم ارصدة بيوت المال .لا صونا للدين ويقول وليد وغزا العباسيون البلاد وقهروا العباد فى حروب اشعلوا فيها حماس العامة من المسلمين بشعارات الجهاد ونشر دين الله .لم تكن فتوحات الخلفاء المسلمين جهادا لانه لم يكن تكليف شرعى فى الاسلام بالحرب وقتل النفس بغير نفس أو فسادا فى الأرض ويضيف وليد رغم ذلك برر فقه البلاط القتل وهتك العرض لنشر الدين واستمر على تلك النغمة رغم أن الفتوحات لم تنشر الإسلام .بقدر ما اسهمت فى تضخم ارصدة عائدات ( الجزية )وقيمتها المضافة ويقول وليد المصريون مثلا لم يدخلوا الاسلام إلا بعد ثلاثة أو أربعة قرون من الفتح الاسلامى وظل معظم الاسبان على مسيحيتهم مدة بقاء المسلمين فى الاندلس إلا قليلا ..فتح الاندلس كان احتلال لارض الغير ورغم ذلك يبكى المسلمون حتى اليوم بذكرى سقوط امبراطوريتهم فى اسبانيا .مع أنه بخروجهم من هناك عادت الارض لسكانها الاصليين .لكن لان منطقنا اصبح مقلوبا .فقد سمينا احتلالنا اراضى الغير فتحا بينما اعتقدنا ان احتلال الغير لارضنا .وفق المنطق المقلوب ايضا فرض الخلفاء العباسيون الجزية على المسلمين من غير العرب فى البلاد المفتوحة .ومنع أمراء المسلمين مواطنى فارس من الوظائف الكبرى وسموهم الموالى .وفى مصر فرض العثمانيون الجزية ايضا على المسلمين مع أهل الذمة بلا سبب معروف.
ويشرح طوغان بالتفصيل والامثلة خطورة توظيف الدين – وخاصة الاحاديث النبوية – فى السياسة .ولعل اكبر مثال على ذلك – والامثلة بطول وعرض الكتاب – انه عندما قتل معاوية الحسن بدس السم فى العسل له .تداول فقهاء البلاط فى دمشق يومها حديثا نبويا يقول متنه ( إن لله جنودا فى العسل ).. الكتاب جرئ وجراءته الشديدة تجعل المرء عاجز عن عرضه .فى زمن يتم فيه تزيف التاريخ .وتنزف العقول لغياب ثقافة القراءة وفى النهاية أحيى صديقى الكاتب المحترف وليد طوغان.
ولا أستطيع ألا أعلن خوفى الشديد عليه، وأتمنى لكتابه عدم الانتشار.
—
س.س