كان المصريون يأملون أن يعاد بناء المؤسسات بعد الثورة بطريقة ديموقراطية صحيحة تراعي نزاهة الانتخابات واستقلال السلطات, ولهذا أقبلوا بحماس منقطع النظير علي المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب, وبعد رصد التجاوزات الكثيرة في المرحلة الأولي تقدم العديد من أنصار الديموقراطية وأعضاء الكتل الانتخابية بشكاوي كثيرة إلي اللجنة العليا للانتخابات, وكان الرد هو ما اعتادوا عليه في عهد مبارك من تجاهل هذه الشكاوي التي تطعن في نزاهة الانتخابات, فبدأ الفتور يحل محل الحماس. وهو رد الفعل الطبيعي الذي قام به الشعب المصري الذكي للإحتجاج علي هذا التزوير في الانتخابات؟.
في حالة عدم حياد السلطة تجاه العملية الإنتخابية, وفي حالة عدم وجود وسيلة فعالة لإلغاء هذه الإنتخابات خاصة وأن مطالب الثوار بتطهير القضاء لم يلتفت إليها, لم يبق أمام الشعب المصري الذكي من وسيلة سوي مقاطعة انتخابات الشوري لكي ينزع الشرعية السياسية عن العملية الإنتخابية برمتها, فجاءت نسبة التصويت في إنتخابات الشوري لا تتعدي 7% ممن لهم حق التصويت.
نحن هنا أمام عملية إنتخابية منزوع عنها الشرعية الشعبية, فمن ناحية هناك آلاف الشكاوي ومئات الطعون أمام القضاء عن إنتخابات مجلس الشعب, وهناك هذا الاقبال الهزيل جدا علي إنتخابات مجلس الشوري, وكلا الأمرين ينزع الشرعية الشعبية عن العملية الإنتخابية كلها وعن العملية الديموقراطية بالتبعية.
وجاء بعد ذلك التصعيد المختلق لموضوع منظمات المجتمع المدني المصرية والأمريكية ليكشف عن بعد آخر, وهو محاولة إلهاء الشعب واللعب علي كرامته وعزته وإستقلاله وسيادته, ووضع القضاء المصري في موقف بالغ الحرج, حيث كانت الرسالة للداخل والخارج هي أن القضاء المصري غير مستقل. لقد اسقطوا كرامة المصريين وسيادة الدولة من خلال إفتعال قضية وهمية, وأحرجوا مؤسسة القضاء أمام العالم.
وبناء علي ذلك فإن شرعية مجلسي الشعب والشوري قد سقطت حتي ولو جاءت أحكام القضاء مؤيدة لاستمرار المجلس, والخلاصة أن الحقيقة باتت عارية أمام المصريين من أن المجالس النيابية غير شرعية وأن بناء المؤسسات بعد الثورة اتخذ طريق تكريس الإستبداد الديني.