من اجل الحرية وكرامة الانسان والعدالة الاجتماعية تفجرت ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير 2011 وشهدت ميادين الثورة فى ربوع مصر وفى القلب منها ميدان التحرير، احتشاد واتفاق ملايين المصريين على هذه الشعارات والمطالب الثورية وسجلت ثورة يناير فى –اسابيعها الاولى- حالة اجماع عليها بين كافة القوى والتيارات والحشود الجماهيرية المشاركة فى الثورة وغابت تماماً فى تلك الفترة –اى اصوات او دعوات او مطالب تفرق بين المصريين على اساس الدين او الجنس.. وكانت ايام الانصهار العبقرى بين المسلمين والاقباط، بين الرجال والنساء… وشكلت مواقف ومبادرات وسلوك المصريين “لوحة مبهرة”… ثورية… ومتحضرة… راقية وواعية… تستحضر وتهيئ لميلاد مصر الحديثة… مصر الديموقراطية… مصر دولة المواطنة… مصر المدنية… وكان الابرز فى تلك اللوحة المبهرة شباب مصر فتيات وفتيان روح ثورية متدفقة… عقول متفتحة… نفوس متسامحة.. ابصار وبصائر شاخصة للمستقبل… لبناء مصر الحديثة المدنية.
ومع الاطاحة براس النظام السابق فى 11فبراير 2011.. ولطبيعة وخصوصية ثورة 25 يناير فى موجتها الاولاى (من حيث القيادة… البرنامج الاجتماعى الديموقراطى… الخ) –وهى قضايا تحتاج للتوقف والبحث التفصيلى لسنا فى مجالها فى هذه الورقة- دخلت ثورة 25 يناير فى مسارات وسيناريوهات بدت مغايرة، ان لم نقل مخالفة تماماً لبداياتها الاولى.
فمن مطالبات وشعارات تعلى من قيم الاستنارة والعقلانية والمواطنة والمناداة ببناء مصر الحديثة المدنية… مصر العدالة الاجتماعية… ينادى بها ثوار مصر من الشباب والقوى والاحزاب المدنية واليسارية… بدات تدريجياً جماعات وقوى شارك بعضها على استحياء فى ايام الثورة الاولى… وعارضها بقوة بعضها الاخر، نقصد تحديداً قوى الاسلام السياسى (الاخوان – السلفيين) بدات هذه القوى تطرح مشاريعها وافكارها وبرامجها… بل وسعت للاستحواذ على اليات الحراك الثورى وسرعان ما اطلقت حملاتها (المتاسلمة) لاسلمة الثورة ومشروعها… وتجسد ذلك جلياً فى سيناريو “الانتخابات اولاً” فى مواجهة شعار “الدستور اولاً”… واظهرت تلك القوى المتاسلمة حقيقة نواياها تجاه الثورة ومسارها فى استفتاء 19 مارس 2011… واعتمدت خطاباً دعائياً يخلط السياسى بالدينى… ويرمى بالكفر افكار وانصار ودعاة الدولة المدنية… وانطلقت من فوق منابر المساجد والزوايا ومن شاشات الفضائيات الدينية حملة “مكارثية” شعارها “امسك.. ليبرالى.. علمانى.. عقلانى.. ديموقراطى.. مدنى.. يسارى.. الخ” وتزايد هذا المخطط صخباً ووضوحاً مع تقارب وتناغم مطامح المشروع الاسلاموى مع ادارة المجلس العسكرى لدفة الامور خلال العام الماضى… وتجلت مخططات ونوايا تيار التاسلم (الاخوان والسلفيون) فى “خطف” الثورة وتوجيه دفتها تجاه مشروعهم لاسلمة المجتمع والدولة فى الانتخابات البرلمانية واستعرت حملتهم ضد مخاليفهم فى الراى والرؤيا… من انصار الفكر الليبرالى والاشتراكى والدولة المدنية الحديثة.
على ضوء هذا الرصد السريع والموجز لعام فى عمر ثورة 25 يناير تتاكد الحاجة الماسة والضرورية لتكوين اوسع جبهة وطنية لأنصار ودعاة الدولة المدنية الحديثة فى مواجهة أنصار الدولة الدينية وانصار الافكار الوهابية… وفى هذا السياق كانت مبادرة التنسيق بين الاحزاب والقور المدنية والليبرالية وكانت تجربة “الكتلة” بين احزاب التجمع والمصريين الاحرار والمصرى الاجتماعى فى خوض الانتخابات البرلمانية ورغم الملاحظات السلبية هنا او هناك ورغم تحفظات البعض –بخصوص الممارسة العملية لتجربة الكتلة… اثبتت الايام ان فكرة التنسيق والعمل المشترك لانصار الدولة المدنية مازالت صحيحةوجديرة بالمزيد من الجهد والعناية لرد الاعتبار لافكار ومفاهيم الدولة الحديثة الليبرالية المدنية… المواطنة… الوحدة الوطنية… حرية الفكر والاعتقاد… وحرية الابداع… اعلاء قيم الحوار وثقافة الاختلاف واحترام المراة وحقوقها.
باختصار… رد الاعتبار لقيم “الليبرالية المصرية”