نشرت جريدة هاآرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضى مقالا للكاتب إيلى فودة رئيس قسم الدراسات الإسلامية و الشرق الأوسط بالجامعة العبرية بعنوان :”الدونية المتبادلة” تناول فيها مرور 30 عاما على توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
وصف المقال السلام القائم بين مصر وإسرائيل بالسلام البارد، فلا هو سلام حقيقى و لا حرب معلنة. و يقول إيلى فودة: أن السبب فى رأيه لهذا السلام الفاتر أن عملية السلام لم تكن أمرا حيويا لمصر، بل هى عبء على السلطة، ويتضح ذلك – بحسب الكاتب – من خلال الأصعدة السياسية و العسكرية والاقتصادية و الثقافية .
فعلى الصعيد السياسى و بالرغم من استفادة إسرائيل بمركز مصر فى المنطقة ودورها كزعيمة للعالم العربي، و بالرغم من توطد العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية . لكن الاعتراضات على برنامج إسرائيل النووى لا تزال متواجدة بقوة فى المنطقة العربية، وأيضا موقف مصر تجاه الفلسطينيين و الذى وصل إلى أعلى معدلاته هذه الأيام
(متفوقا على الاهتمام المصرى بفلسطين أيام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر)، فبالرغم من أن مصر تحاول لعب دور الوسيط بين الطرفين، لكنها مازالت تمد يد المساعدة عسكريا واقتصاديا وإنسانيا للفلسطينيين، كما تغض الطرف عن تهريب الأسلحة لحماس عبر الأنفاق من سيناء. بالإضافة إلى العنصر الداخلى فى مصر المتمثل فى ضغط جماعات مثل الإخوان المسلمين، فى عرقلة تطبيق السلام بشكل سوى بين مصر وإسرائيل.
أما على الجانب العسكرى فيشير الكاتب إلى أن كل جانب لا يزال يعتبر الآخر يشكل تهديد عسكرى له، وعلى الجانب الاقتصادى فمصر لا تعتمد على السوق الإسرائيلية بل على السوق الأمريكية و الأوربية، ولايزال التبادل التجارى بين مصر وإسرائيل منخفضا (50 مليون دولار انخفضت إلى 35 مليون دولار أثناء الانتفاضة). ولكن من أهم الإنجازات التى تحققت منذ اتفاقية السلام هو تنفيذ المنطقة الصناعية عام 2004، و اتفاقية الكويز ( وافق عليها الجانب المصرى من أجل حماية منتجاته من المنافسة الشرسة من الشرق الأدنى ) والتى ارتفع التبادل التجارى بفضلها إلى 142 مليون دولار فى عام 2005، وربما إلى أكثر من ذلك فى العامين الماضيين، فضلا عن اتفاقية تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل عام 2005 .
وعلى المستوى الثقافى والفكرى، يشير إيلى فودة إلى أن الإعلام المصرى لا يزال يصدر خطابه المعادى للسامية للجماهير ولاتزال وسائل الإعلام – على الرغم من تأييدها لمبدأ السلام – تدعم الصورة السلبية لإسرائيل .
وبالنظر إلى كل تلك القيود يقول الكاتب إن مصر تفضل اعتماد استراتيجية “علاقات طبيعية ” بدلا من ” التطبيع ” المذكور فى اتفاقية السلام، بالحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الحد الأدنى من الاتصالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. وهنا فعلى إسرائيل أن تدرك أن تحقيق السلام المأمول هو أمر صعب ، وعليها ألا تركز على أوجه القصور، بل عليها أن تركز على الاستقرار فى علاقتها بمصر رغم الأزمات الإقليمية .
أما الكاتب الإسرائيلى نير يهاف فيقول فى مقاله – المنشور بموقع “وللا” تحت عنوان “30 سنة على زيارة السادات .. الأمل والأكاذيب” – إن الشعب الإسرائيلى لم يكن مصدقاً لما يجرى من الانبهار، بسبب أن إسرائيل كانت تعتبر مصر عدوها الأول، وهى الآن البادئة بالسلام، غير أن تلك المعاهدة قد مرت بالكثير من الانكسارات، حيث استعادت مصر سفيرها احتجاجاً على ضرب لبنان عام 1982، و تضامناً مع انتفاضة الأقصى عام 2000.
ويقول تسيفى مزال – السفير الإسرائيلى فى مصر فى الفترة مابين 1996 حتى 2001 – إنه لم يكن من الممكن عقد معاهدة السلام مع الأردن أو إتمام اتفاقية أوسلو، إن لم يكن تم عقد معاهدة السلام مع مصر ويضيف إن معاهدة السلام مع مصر غيرت سياسات المنطقة، ولكن بصفة عامة فى العالم العربى توجد حتى الآن فكرة قديمة سيئة عن اليهود، والوضع فى مصر ليس مختلفاً فهى من الدول التى تحرض على كراهية إسرائيل . غير أن الوضع هناك معقد، فمن ناحية مصر لا تريد الحرب، ومن جانب آخر فإن السلام مع مصر لن يكون نموذجا تطبقه كل الدول العربية.
ويوضح السفير الأسبق أنه لا يعتقد أن الوضع فى مصر سيتحول عن السلام، فالنظام الحالى ثابت والمعارضة تخفق مرة تلو الأخرى فلم تنجح فى تعبئة الشعب.
أما د. عماد جاد رئيس تحرير جريدة مختارات إسرائيلية والباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بالاهرام فيقول:”إن السلام مابين مصر
وإسرائيل سلام بارد لأنه قائم على العلاقات الرسمية فقط، فهناك علاقات دبلوماسية وتبادل سفراء فقط لكن لا توجد علاقات على المستوى الشعبى، ولذا فلا توجد علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل، والسبب فى ذلك هو عدم حل القضية الفلسطينية والسياسة الإسرائيلية المعادية ، أو بمعنى آخر إذا تم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، فإن احتمالات إقامة سلام كامل وحقيقى ستكون كبيرة.