وطني ـ خاص
من محنة التكفير إلى وحشة المنفى، الموت يُغيِّب المفكر الكبير نصر حامد أبو زيد الذي تجسد قصته الصراع الذي كان مشتدا بين بين التنوير والأصولية.
بدأ صراعه بعد تسريب، عند عمد، التقرير العلمي الذي أعده الدكتور عبد الصبور شاهين عن البحوث التي تقدم بها حامد أبو زيد للترقية إلى درجة الأستاذ، في هذا التقرير اتهم شاهين د.نصر (بالكفر). لكن هذه التهمة اكتوى بها فيما بعد د.عبد الصبور نفسه حينما أصدر كتابه “أبي آدم”. بعد ذلك حدثت القضية المعروفة إعلاميا والتي انتهت بترك نصر الوطن إلى المنفي، منذ 1995. فقد أتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد والإلحاد. ونظرا لعدم توفر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الارتداد عمل خصوم نصر حامد أبو زيد على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التي يطبق فيها فقه الإمام أبو حنيفة، والذي وجدوا فيه مبدأ يسمى الحسبة طالبوا على أساسه من المحكمة التفريق بين أبو زيد وزوجته. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته قسراً، على أساس أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم. فحياة الزوجين باتت بعد ذلك في خطر، وفى نهاية المطاف غادر نصر حامد أبو زيد وزوجته د. ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفى إلى هولندا حيث عمل أبو زيد أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن، وشغل كرسي “ابن رشد” بجامعة الإنسانيات بمدينة أوتريخت. وكان يزور مصر على فترات، لم يسلم من الهجوم خلالها، آخرها هذه الأيام، حيث رحل بعد صراع مع فيروس غامض بأحد مستشفيات مدينة زايد.
في ذلك الصراع وقف دعاة التنوير أمام دعاة التأسلم، وانقسمت الساحة الثقافية بين هذين الفريقين. حاول كل فريق أن يثبت وجه نظره. فريق التأسلم أو الذي أراد الدفاع عن الإسلام كان يتزعمه عبد الصبور شاهين، وانضم إليه الدكتور محمد بلتاجي والدكتور أحمد هيكل والدكتور إسماعيل سالم، وقاموا بتأليف الكتب للرد عليه حوت “تكفيرا له”، فضلا عن إلقاء خطب في المساجد، تكفر أبو زيد ومن يقف بجانبه من الأكاديميين والصحفيين. وفريق التنوير، أو الذي أراد الدفاع عن حرية التعبير والرأي، وتوضيح صورة الإسلام الصحيح كان يتزعمه زملاء حامد أبو زيد في الجامعة، ومنهم الدكتور جابر عصفور الذي وثق حكاية أبو زيد وشاهين في كتابه “ضد التعصب”، فضلا عن أصدقائه من شلة المحلة كسعيد الكفراوي، وفريد أبو سعدة
والسؤال الذي يطرحه: ماذا قدم حامد أبو زيد في أبحاثه لكي يثار حوله كل هذا الجدل؟
الإجابة تجئ في أحد حوارات عبد الصبور شاهين:” أولا: أبو زيد دعا إلى الثورة الفورية على القرآن والسنة، لأنها كما قال: نصوص دينية تكبل الإنسان وتلغي فعاليته وتهدد خبرته، ويدعو إلي التحرر من سلطة النصوص، بل من كل سلطة تعوق مسيرة التنمية في عالمنا. ثانيا: يقول على القرآن إنه منتج ثقافي تشكل على مدي 23 عاما، وإنه ينتمي إلى ثقافة البشر، وإن القرآن هو الذي سمي نفسه، وهو بهذا ينتسب إلى الثقافة التي تشكل منها. ثالثا: قرر أبو زيد بتفكيره الخاص أن الإسلام دين عربي، وأنه كدين ليس له مفهوم موضوعي محدد.
رابعا: هاجم في أبحاثه على الغيب، فجعل العقل المؤمن بالغيب هو عقل غارق بالخرافة والأسطورة، مع أن الغيب أساس الإيمان”.
إلى هنا تنتهي إجابة شاهين، لكن هناك رأي آخر يؤكد أن ما فعله نصر حامد أبو زيد كان بمثابة زعزعة الفكر السلفي، والدعوة إلى اقتحام المحرمات الثقافية والدينية التي تعطل العقل، فتمنع التحضر والتنوير والليبرالية.
ويبدو أن اعتماد المفكر الكبير أبو زيد على “النظرية الهرمنيوطيقا” المعنية بقضية التفسير أو التأويل، سبب أزمته التي كانت مشتعلة دائما. فجوهر المشروع الفلسفي للدكتور أبو زيد هو الاعتماد على المناهج الحديثة والمعاصرة في فهم النص الديني. وهو الأمر الذي يؤدي إلى إنجاز مرحلة الإصلاح الديني ومن ثم دفع تحول المجتمعات العربية والإسلامية نحو النهضة. والمناهج الحديثة هنا تشمل بالإضافة إلى “الهرمنيوطيقا”: تحليل الخطاب، والبنيوية، والألسنية، والتاريخانية، إضافة إلى علم تاريخ الأفكار وعلم اجتماع المعرفة. وتمثل نقطة البداية في قراءة الدكتور أبو زيد، كما كتب من قبل الراحل محمود أمين العالم، للخطاب الديني هي تفرقته بين الدين والفكر الديني.
ومن أقوال حامد التي أثارت الجدل، والتي نشرها تحت عنوان “تجريف الدين وخصاء العقل”
:”ما يحدث في مصر الآن أمر يستعصي أحياناً علي التحليل المؤدي إلي فهم تترتب عليه قدرة علي اقتراح بعض الحلول. اتسع الخرق علي الراتق كما يقال في الأمثال، المصريون متدينون منذ بداية التاريخ، وأغلبهم صاروا مسلمين في القرون التالية للفتح العربي، ولقد عشنا ردحاً من الزمن في قرانا ومدننا والناس متدينون، يمارسون حياتهم وفقاً لما يتصورونه متفقاً مع دينهم، في حالات نادرة كانوا يلجأون للشيوخ،
لكن إذا حز بهم أمر يستعصي علي مداركهم حله: شأن من شؤون الميراث العويصة، أو شأن من شؤون الزواج والطلاق.. إلخ، فيما عدا ذلك كانوا يمارسون حياتهم في رفق، يغشون المساجد، ويسعون للصلوات في أوقاتها أو في غير أوقاتها، حيث كان المسجد مكاناً عاماً يؤمه المصلي وغير المصلي علي السواء، ماذا حدث للمصريين؟ لماذا يحتاجون للفتوي في كل صغيرة وكبيرة، حتي ليبدو أنهم فقدوا ثقتهم في معرفة دينهم؟ هل تتصور أن العلاقة الزوجية، علاقة الفراش، أصبحت مجالاً للفتوي بعد أن كانت أمراً من أمور «السكينة» و«المودة» و«الرحمة»، لماذا يريد الناس معرفة رأي الدين في كيفية ممارسة العلاقة الزوجية؟
هذا أمر مثير للقلق، لأن الناس حين تكثر من التساؤل في كل صغيرة وكبيرة – هل هذا حرام أم حلال؟ تمنح الفرصة للمفتين في مد مجال سلطتهم المعرفية، الأمر الذي يؤدي إلي إدماج ما ليس من الدين في مجال الدين، أصبح المفتي قادراً علي الحديث في كل شأن من شؤون الدنيا، في الاقتصاد والاجتماع والطب والعلاقات الدولية، ولم لا، والدين لم يترك شاردة ولا واردة إلا وله فيها رأي يستطيع المفتي وحده أن يكشفه، كيف وصل الحال هكذا إلي ازدياد «الطلب» علي الفتوي، فكان من الطبيعي أن يتزايد إنتاج الفتاوي لتقابل سوق الطلب التي لا تكف عن طلب المزيد؟
من حقنا أن ننظر للظاهرة من هذه الزاوية – زاوية علاقة السوق: الطلب والعرض – دون أن نقلل من شأن القنوات الإعلامية وانتشارها وفتحها برامجها لتسهيل عملية التبادل تلك، وفي مجال العرض والطلب بحسب قانون السوق لابد أن يحرص البائع علي تحسين السلعة حسب ذوق «الزبون»، ومن هنا تعددت أشكال الفتوي، وتعددت ألوان المفتين – تفننوا في تغيير الأزياء وفي تغيير اللغات – للمواءمة بين ذوق «السائل» وطبيعة البضاعة، أعني الفتوي.. من النادر جداً في هذا السياق – سياق عولمة الفتوي – أن تجد مفتياً يتجرأ، فيرد سؤال المستفتي علي أساس أنه خارج اختصاصه، أو علي أساس أنه سؤال لا محل له من الإعراب.
إن بعض الأسئلة التي يطرحها المتداخلون في البرنامج قد تكون من التفاهة، بحيث يدرك بعض المشاهدين – وأنا منهم بطبيعة الحال – أن هدف السائل ليس السؤال نفسه، وأنه لا يمكن أن يكون باحثاً عن حل لمعضلة، فليس ثمة معضلة في السؤال علي أية حال، بقدر ما يكون الهدف هو مجرد أن يسمع صوته وأن يُكتب اسمه علي الشاشة. أقول من النادر أن تجد مفتياً يرد السؤال، القليل جداً هو الذي يفعل ذلك، والكثيرون يبسملون ويحوقلون، ويحاولون أن يجدوا سابقة ذكرت في هذا الكتاب أو ذاك من كتب التراث الصفراء، لكي يبني عليها حجة ويصوغ رأياً”.
==
من هو نصر حامد أبو زيد؟
مولود في 10/7/1943م، طنطا- محافظة الغربية
المؤهلات العلمية
دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960م .
ليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها،كلية الآداب،جامعة القاهرة 1972م، تقدير ممتاز.
ماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976م، بتقدير ممتاز.
دكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1979م، بتقدير مرتبة الشرف الأولى.
التدرج الوظيفي:
فني لاسلكي بالهيئة المصرية العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية 1961 -1972م.
معيد بقسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة 1972م . مدرس مساعد بنفس القسم والكلية 1976 .
مدرس بنفس القسم والكلية 1982 ..
أستاذ مساعد بنفس القسم والكلية 1987 .
أستاذ بنفس القسم والكلية 1995 ..
المنح والجوائز والزيارات العلمية
منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1976-1977م..
منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1978-1980م.
جائزة عبد العزيز الأهواني للعلوم الإنسانية من جامعة القاهرة 1982م.
أستاذ زائر بجامعة أوساكا للغات الأجنبية باليابان 1985 – 1989م
وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية “تونس” 1993م.
أستاذ زائر بجامعة ليدن بهولندا بدءا من أكتوبر 1995م.
جائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان، 1996.
كرسي “كليفرينخا Cleveringa” للدراسات الإنسانية -كرسي في القانون والمسئولية وحرية الرأي والعقيدة- بجامعة ليدن بدءا من سبتمبر 2000م.
ميدالية “حرية العبادة”، مؤسسة “إليانور وتيودور روزفلت”،2002.
كرسي “ابن رشد” لدراسة الإسلام والهيومانيزم”، جامعة الدراسات الهيومانية في أوترخت، هولندا 2002-
المؤلفات
أولا: الكتب
1. الاتجاه العقلي في التفسير ، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، دار التنوير، بيروت، ط3، 1993. صدرت الطبعة الرابعة عن المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، 1996.
2. فلسفة التأويل ، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، دار التنوير، بيروت، ط2، 1993. صدرت الطبعة الثالثة عن المركز الثقافي العربي، 1996.
3. أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا، إشراف مشترك مع سيزا قاسم، دار إلياس العصرية، القاهرة، 1986. ودار عيون، الدار البيضاء، 1987.
4. مفهوم النص ؛ دراسة في علوم القرآن ، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ، ط2، 1994. والمركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط3 ، 1996..
5. إشكاليات القراءة وآليات التأويل ، المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، ط4، 1995.
6. الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية ، ط1 دار سينا بالقاهرة 1992 ، ط2 مكتبة مدبولي بالقاهرة ، 1996.
7. نقد الخطاب الديني ، دار سينا بالقاهرة ، ط2 1994 ، ومكتبة مدبولي بالقاهرة ط3 ، 1995م. (ترجم إلى الألمانية بعنوان : lslam und Politik, kritik des Religiosen Diskurses ترجمة : شريفة مجدي ، وتقديم : نافيد كرماني ، دار نشر ديبا Dipa فرانكفورت 1996م.
8. المرأة في خطاب الأزمة ، دار نصوص بالقاهرة ، 1995.
9. التفكير في زمن التكفير، دار سينا بالقاهرة، ط1 1995، ومكتبة مدبولى بالقاهرة، ط2 1995.
10. الخلافة وسلطة الأمة ، تقديم ودراسة ، دار نهر بالقاهرة ، 1995.
11. القول المفيد في قصة أبو زيد ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، ط1 ، 1996.
12. النص، السلطة، الحقيقة ، المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، ط3 ، 1997.
13. دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط1 1999.
14. Vernieuwing in het islamitisch denken ترجمة هولندية لمختارات: مقالات وفصول من كتابي: “مفهوم النص” و “نقد الخطاب الديني” ، ترجمة: فريد وروبي ليمهاوس ، دار بولاق ، أمستردام 1996م.
15. Critique du discours religieux، نصوص مختارة، ترجمة: محمد شاريت، دار سندباد 1999.
16. Ein Leben mit dem Islam، الترجمة الذاتية، إعداد: نافيد كرماني، دار هردر، 1999.
20. الخطاب والتأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، ط1 2000م.
21-هكذا تكلم ابن عربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، ط1 2002، ط2 المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء 2004.
22-اليسار الإسلامي: إطلالة عامة، معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، جامعة بير زيت 2004
6 يوليو 2010