مرت كل أسرة مصرية بأحداث جسيمة يختلف حول وضعها المراقبون السياسيون وقد تستغرق زمنا طويلا في تحليل أبعادها وتداعياتها ونتائجها…وقد حدثت فيها بالفعل تغيرات كثيرة علي الساحة السياسية وحققت آمالا طالب بها الشعب علي مر عقود طويلة.
إلا أن أصعب الليالي التي عشتها كما عاشها كل مصري أصيل هو منتصف ليل 27 يناير عندما شبت النيران في قلب العاصمة حتي وصلت ألسنتها السماء…تمزق قلبي ألما وانهمرت دموعي علي مبان ومحال وشوارع وسط المدينة التي التحمت معها طويلا والتصقت بوجداني كما لو كانت تحيا داخلي.. أما اليوم الأصعب فكان عشية 28يناير الذي وجدنا فيه أنفسنا فجأة عراة من كل ستر للأمان ودوت أصوات طلقات الرصاص في كل بقعة من أرض الوطن, بل وفي كل شارع من شوارعها في ذات اللحظة وكأنها تلقت إشارة انطلاق لكل المجرمين ليهددوا أمن وطن لم يعرف شعبه علي مدار عقود سوي الأمان والاطمئنان…عرفنا لحظتها قيمة نعم كثيرة ماكنا ندرك قيمتها لأننا اعتبرناها مسلمات في حياتنا.
وكعهد المصريين وقت الأزمات ظهر معدنهم الأصيل وانصهروا جميعهم في بوتقة الوطن الواحد.. الكل أصبح بحق قلبا واحدا ويدا واحدة لدرء خطر لايعرفون مصدره مما زاد الأمر تحديا.
ملحمة حب حقيقية سادت كل أهل مصر ربما لعب فيها الشباب دور البطولة عندما نظموا من أنفسهم فرق حماية شعبية تولت مسئولية الأمن والدفاع عن أهلهم وممتلكاتهم بل وتولوا نظافة الشوارع ومراقبة الأسعار وتنظيم المرور…تعرف الجيران علي بعضهم في دوريات الحماية الليلية…استخدم الشباب ميكروفونات المساجد لتوجيه نداءات الاستغاثة, وكون العديد من الآباء الكهنة والشيوخ ما يشبه لجان الحكماء في الأحياء لدعم الشباب الساهر ورفع معنوياته…احتشدت لجان الشباب لحماية الكنائس ضمن ممتلكاتهم الخاصة…من المسلم؟ومن المسيحي؟ لا أحد يعلم ولا أحد يسأل…فالسؤال لم يصبح له محل من الأعراب.
أما ما نطرحه اليوم في هذا الملف فهو مشاركة النساء والفتيات سواء بالبنطلون الجينز أو الطرحة والجلباب في المظاهرات رافعات شعار الحرية والكرامة الإنسانية رافضات شعارات المزايدة, واعيات لمواجهة العنف والتدمير.
كيف قضت الأسرة المصرية ليلة الرعب؟
وبماذا عبر الأطفال عن هذه الأحداث؟ ثم ما هي الظلال التي ألقتها هذه الأيام الحاسمة في تاريخ مصر علي عقول ووعي ونفسية الصغار, سواء الإيجابية منها أو السلبية؟…هذا هو ما نطرحه في هذا الملف.