نداء بائع البطاطا اخترق أذنيه مع مرور تيار هواء قارس البرودة وخزه فى المساحة ما بين ياقة قميصه ولحيته .. سال لعابه لحلاوة البطاطا ودفئها فى هذه الأجواء الباردة
وسحبته رائحتها فاشترى زر البطاطا الذى شقه البائع سريعاً ولفه بمهارة فائقة فى لفافة كانت ورقة من إحدى روايات نجيب محفوظ، فتح اللفافة وبدأ يلتهم البطاطا اللذيذة الساخنة وفجأة فغر فاه ووسعت حدقة عينيه من الدهشة وهو يقرأ صورة جمالية بديعة رسمها نجيب محفوظ بقلمه العملاق ليصف فيها إحدى شخصياته، وظل يستغفر الله وهو يلتقط بعض فتات البطاطا الذى سقط على لحيته العملاقة ومردداً ما هذا الفسق يلعنكم الله !!
ربما هذا ما حدث مع المهندس عبد المنعم الشحات -المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية والمرشح الخاسر فى انتخابات مجلس الشعب بالأسكندرية- لكى يدلى بدلوه ويقول إن أدب نجيب محفوظ يدعو للرذيلة، لنعود إلى الاشكالية الأزلية مع معارضي الاداب والفنون ومكفريها بحجة الحض على الرذائل واشعال الغرائز وهل يخلو مجتمع ما من الرذائل؟ أو خلق الله جسدا بدون غرائز؟ وقد خلق الله الكون ومخلوقاته وفطرهم على الخير كما فطرهم على الشر.
فعدم القدرة على التفرقة مابين شخص يحض على الرذيلة بشكل مباشر وصريح وبين الأديب أو الفنان التشكيلي أو الممثل الذين ينقلون لنا بأقلامهم وفرشاتهم وشخوصهم صورا واقعية حدثت بالفعل في المجتمعات المحيطة بهم والمنخرطين فيها طابعين في ذاكرتهم الأشخاص والأحداث التي تحولت فيما بعد إلى أعمالا إبداعية واقعية دون إسفاف أو تعمد مقصود للحض على الرذائل لتظل تلك الإشكالية هي المعول الأساسي والقاعدة النمطية لأي مكفر أو معارض لصنف من الفنون والأداب فليس بالضروة وصف بيت للدعارة في عمل أدبي أن يكون هذا تحريض على الرذيلة أو تصوير شخصية لشخص شاذ جنسيا أن يكون كاتب العمل شاذا في حقيقته أو يدعو للشذوذ.
ورأى عبد المنعم الشحات في أدب نجيب محفوظ -والذي نحتفل هذه الأيام بالذكرى المئوية لميلاده- خطير ودون أسس منطقية عقلانية فلا هو متخصص ولا هو متذوق للأدب، ولو تجرأ أحد الأدباء على ابداء رأي معين يتعلق بالدين فسنرى الف صوت وأولهم عبد المنعم الشحات نفسه يعارض تحدث الأديب في شئون الدين ويناشدونه بالتحدث فيما يعلم فقط.
وهو بذلك يريد أن يخلق الأديب –أى أديب طبقاً لرأيه- أن يخلق مجتمعاً من الملائكة يسبحون بفضل الجماعة السلفية لحمايتهم من الرذيلة وغواية الشياطين ولا يكلف خاطره بفهم مقاصد الأديب ورؤيته وفكرته تماماً –دون مقارنة بالطبع- مثلما يفتون ويستنبطون أحكام الدين ظاهرياً دون تعمق وفهم المقاصد منها ويعتمدون على النقل ولا يعولون على العقل!!
وأقول للمهندس عبد المنعم الشحات وأقرانه إن الاسلام حض كل فرد على العلم والشخص المسلم لابد أن يكون مثقفاً واسع الإطلاع واسع الأفق .. ويكون على علم فيما يتحدث ولا يكون مثل بائع البطاطا يلف البطاطا فى قصص نجيب محفوظ ولا يعرف قيمة البطاطا الغذائية ولا قيمة نجيب محفوظ الثقافية!!
—
س.س