كما تعانى زهرة، تشق طريقها وسط صخور الجبل الصلدة، و هى لا تملك إلا براعمها الغضة فى مواجهة قسوة الحجر.. هكذا عانى الريحانى ليشق طريقه فى الوسط المسرحى، فى أوائل القرن العشرين لينبت لنا زهرة من الفن الصادق ما نزال نستنشق عطرها الفواح حتى اليوم.
وفى وقت كان “هاملت و عطيل” وبجماليون وأحدب نوتردام تدوى عباراتهم المأثورة على خشبات المسارح فى جو أسطورى، يكتمل بتصفيق كقصف الرعد ينم بولع الجماهير واعجابهم بالمسرح التراجيدى.. والذى ساعده على النهوض بقوة فى تلك الفترة، حركة الترجمة القوية التى تزعمها الشوام من المقيمين بمصر فى ذلك الوقت. الشوام الذين امتازوا بإجادتهم للغات الأجنبية وفن الترجمة. قدموا للمسرح التراجيدى فى ذلك الوقت روايات مترجمة ترجمة جيدة لأساطير الأدب العالمى، كمسرحيات شكسبير(عطيل وهاملت) وبرنارد شو (بجماليون و سيدتى الجميلة) وفيكتور هيجو (البؤساء و أحدب نوترادم) وموليير (البخيل و مريض الوهم)، وأناتول فرانس (تاييس و الألهة عطاش).
فى تلك الأجواء ظهر “كشكش بيك” بعد صراع دام أكثر من ثمان سنوات. تخرج الريحانى من مدرسة الفرير عام 1908، وعمل موظفا بالبنك الزراعى وزميلا لعميد المسرح “عزيز عيد” – الذى كان يعمل فى نفس البنك. وكانت تلك الزمالة سببا لإنضمام الريحانى لفرقة “عزيز عيد”، حيث أدى أدوارا ثانوية فى روايات كوميديه مثل “ضربة مقرع”، و”ليلة الزفاف”.. لينتقل بعدها إلى فرقة “سليم عطا الله”، براتب قدره أربعة جنيهات شهريا. ثم بعدها بعدة أشهر عمل مع فرقة “الشيخ أحمد الشامى” فى نفس تلك الأدوار الثانوية، التى كان يؤديها سابقا.
و فى سنة 1912 إنضم إلى فرقة الأستاذ “جورج أبيض”، وتسبب حادث مضحك فى تركه للفرقة.. ففى إحدى الليالى كانت الفرقة تمثل رواية صلاح الدين الأيوبى، وكان الريحانى يقوم بدور ملك النمسا، فوضع مكياج الشخصية بصورة تشبه الإمبراطور فرانسوا جوزيف ملك النمسا فى ذلك الوقت، الذى كان ذو لحية طويلة، و عندما ظهر على المسرح ضج الجمهور بالضحك، و سخر منه زملاؤه، فترك الريحانى الفرقة على أثر ذلك.
وأخذت تسير مركب الريحانى تتخبط من فرقة إلى أخرى، ومن جوقة إلى جوقة حتى تستقر على جزيرة مهجورة فى عالم الفن تسمى كازينو “أبيه دى روز”، الذى يزامله به “استفان روستى” فيما يسمى بمسرح “خيال الظل” – حيث يقوم الممثلون بالتمثيل من خلف الستار.
ثم تطورت مسرحيات خيال الظل إلى مسرحيات حية، يدير الجمهور لها ظهره، حتى اضطر الخواجة “روزاتى” صاحب الملهى إلى إغلاق الملهى. و فى تلك الليلة استلقى الريحانى على فراشه مهموما، استعرض أحداث رحلته القاسية فى دنيا الفن، وأخذه الإرهاق إلى مرحلة بين اليقظة والمنام يرى فيها العمدة “كشكش بك” بجلبابه وقفطانه وعمامته الضخمة. و فى الحال قام من نومه و بدأ فى كتابة الشخصية، التى عرضت فى اليوم التالى على مسرح “أبيه دى روز”، فى اسكتش “تعاليلى يا بطة”.. و فيه جسد الريحانى شخصية “كشكش بك” ذلك العمدة الريفى، الذى يأتى إلى القاهرة محملا بالمال فتتصيده حسانها وملاهيها، فتجرده من أمواله ليعود خائبا نادما. وعقب انتهاء التمثيل مباشرة، هرع الريحانى إلى الخارج هاربا من الكازينو، لظنه أن صوت الجماهير هو صيحات الاستهجان، لما ظنه أسخف اسكتش على الإطلاق.
ولكن تلك الصيحات كانت عكس ما ظنه الريحانى، صيحات الاستحسان التى تعلن مولد أشهر شخصية كوميدية فى تاريخ المسرح المصرى حتى الأن.. و هى شخصية “كشكش بك” التى ظلت أكثر من ثلاثون عاما تحصد نجاحا منقطع النظير على خشبات المسارح.
بعد ذلك النجاح الهائل خرج الريحانى على جمهوره، من خلال فرقة “الريحانى” بأكثر من خمسين مسرحية، صارت للأسف أثرا بعد عين، فلا يوجد تسجيل واحد لأى منها. و فى أوج نجاح “كشكش بيك” – ماديا و أدبيا، شعر الريحانى أنه لم يقدم لجمهوره بعد كل ما لديه. وفكر فى عمل نقلة نوعية لمسرحياته، فإنتقل بالمسرحية الغنائية البسيطة التى تقدم فيها بعض الألحان الخفيفة، إلى مرحلة الأوبريت كأوبريت “العشرة الطيبة” – التى قام الاستاذ “محمود تيمور” بتمصيرها عن الأصل الفرنسى “ذو اللحية الزرقاء” ووضع أزجالها “بديع خيرى” ولحنها “سيد درويش”. وكانت تتعرض للصلف التركى، والتعالى على المصريين. مما دعا البهوات والبشوات – الذين كان غالبيتهم من الأتراك فى ذلك الوقت – إلى مهاجمة الرواية بعنف شديد، بإدعاء أنها دسيسة إنجليزية. فما كان من الريحانى إلا أن دعا أحد أعضاء حزب الوفد البارزين – الذين لهم كلمة مسموعة عند الشعب – ليشاهد الروايه ويحكم عليها بنفسه إن كان فيها أى شئ يميل الى مدح الانجليز والدعاية لهم. وبالفعل حضر الرجل العرض، ليكتب عن الرواية فى اليوم التالى مقالا يثنى عليها، و ينفى عنها أى شبهة من التعاطف مع الانجليز.
ورغم نجاح الريحانى الهائل فى المسرح الكوميدى، إلا أن حلم التراجيديا كان ما يزال يراوده، وحنينه إلى ذلك النوع من المسرح الذى أحبه. رغم أن الجمهور لم يحبه فيه ولم يستشعره، فاضطر اضطرار إلى أن يلوى عنان فنه من الدموع إلى الضحكات. ولكنه عندما اطمئن إلى توطيد مكانته فى المسرح الكوميدى، عمد إلى بناء مجده فى المسرح التراجيدى.. ففى عام 1921 قام ببطولة رواية “ريا و سكينة”، والتى تعرض مأساة الأختين القاتلتين اللتان روعتا المجتمع المصرى فى تلك الفترة. وشاركته فى البطولة الفنانة “بديعة مصابنى”، والتى كان قد تعرف عليها أثناء جولته المسرحية فى بلاد الشام.. ونجحت المسرحية نجاحا هائلا فى مصر.
ويقرر الريحانى أن يمضى قدما فى المسرح التراجيدى، و لكن تفشل التجربة بعدما ترك عدد كبير من الممثلين الفرقة بدون سابق انذار، لينهار العرض المكون من ستة مسرحيات تراجيدية، كان سيخرج بها الريحانى على جمهور المسرح فى ذلك الموسم. والذى تكلف أكثر من أربعة الأف جنيه، ليعود الريحانى مرة أخرى إلى المسرح الكوميدى وإلى “كشكش بك” – الذى قدم له طوق النجاة من الإفلاس.
ولم تنتهى رحلة الريحانى عند هذا، فهو يستمر فى عطاءه للفن ما يقرب من عشرين عاما أخرى، فيخرج العديد من المسرحيات الناجحة حتى عام 1949، ليبلغ ما قدمه من عطاء فنى ما يقرب من الثمانين مسرحية.. لم يقدر لجمهوره من شعب مصر من الذين لم يعاصروه أن يروه ولكنهم عشقوه وعشقوا فنه من خلال الشاشة الفضية. وهكذا يبقى كنز الريحانى مدفونا إلى الأبد فى أرض العدم والنسيان، ليبقى عنوانا، مجرد عنوان للريحانى أسطورة المسرح الغائبه.
ونحن نحتفل فى شهر يونيو بمرور 65عاما على رحيل الفنان القدير نجيب الريحانى الذى استطاع من خلال أعماله الكوميدية أن ينتقد سلبيات المجتمع بصورة صارخة.. ورغم مرور كل تلك السنين إلا أنه مازال يعيش فى وجداننا بأعماله وإبداعاته التى لن تموت ولن يمحيها الزمن.. وللدخول إلى أعماق هذا الفنان الجميل ذو الروح الخفيف الظل – نجيب الريحانى الذى أحبه الملايين، كان لنا هذا الحوار مع إبنته السيدة “جينا الريحانى” لنتعرف على الريحانى الفنان والإنسان معاً.
هل ترين أن الدولة كرمت نجيب الريحانى بالصورة التى تليق به؟
بالطبع لا.. فالدولة لم تكرمه بالقدر الذى يليق به وبفنه، فكم أنا حزينه لعدم تكريم إسم والدى في عيد الفن، لا في الثمانينيات من القرن العشرين ولا فى ذلك الاحتفال الأخير.
ما هو فى رايك التكريم اللائق به؟
كم أتمنى تكريم والداى وتحويل فيلا المرحومة “مرجوري الريحاني” لمتحف يضم كل أعماله ومتعلقاته وتراثه الفني من نصوص ومسرحيات وأفلام. بالإضافة لعمل تمثال يتم وضعه بحديقة الخالدين بالأزهر مثل العمالقة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما.. كما يجب تجديد واصلاح الأفلام الستة الذى قام ببطولتهم وترجمتها إلى لغات اجنبية. والبحث عن أربع أفلام ضائعة من أفلامه.. واصدار كتاب سيرة ذاتية عن هذا الفنان الجميل – مترجم إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية، كما يجب أن يطوف العالم أجمع معرض الفنان التشكيلى “حمدى الكيال” – الذى رسم 90 لوحة لنجيب الريحانى من وحى ذكريات الفنان “بديع خيرى” – رفيق مشواره.
هل تسعي لتقديم حياة والدك الفنان نجيب الريحانى في عمل درامي؟
بالفعل لدى نية لتقديم مسلسل عن حياة والدي نظرا لأننى أمتلك معلومات كثيرة عن حياته تصلح لعمل مسلسل كبير، إلا أننى أواجه مشكلة في انتاج العمل، نظرا لأننى ليست لى علاقة بمنتجين يمكن أن يتحمسوا لإنتاج هذا العمل الضخم.
ما هى محاولاتك لإحياء مسرح الريحانى؟
أبحث عن نصوص 80 مسرحية قدمها على خشبة مسرح “الريحانى” في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. وللأسف في مركز التراث المسرحي لا يوجد سوي نصوص 5 مسرحيات هي: “استني بختك” و”حكم قراقوش” و”إلا خمسة” و”أموت في كده” و”الباشكاتب”، كما أننى أسعى لإقامة مشروع قومى لإحياء أعماله المسرحية وذلك بتكوين فرقة مسرحية تقوم بتمثيل النصوص التى كتبها مع رفيق دربه “بديع خيرى”.
اعلنتى عن جائزة بإسم الريحانى لأفضل فنان كوميدى، ما الهدف منها؟ وهل وجدت ممول؟
الهدف منها أن يظل اسم الريحانى على ألسنة الناس وفى دائرة الضوء، كما أن هذه الجائزة ستقلل من الأعمال الكوميدية الهابطة التى تنتشر فى السينما المصرية. لكنني لم أجد ممول بعد.
ماذا تقولين عن فيلم “نجيب الريحانى .. فى ستين ألف سلامة” الذى تم عرضه مؤخرا بمكتبة الاسكندرية؟
هذا الفيلم التسجيلى يعرض الجانب الخفى من حياة نجيب الريحانى وهو علاقته بوالدتى الألمانية الفرنسية “لوسيه دي فرناي” وحياتى معه الذى لم تستمر إلا ثلاث سنوات، وقد اعتمد هذا الفيلم على الكثير من الوثائق والصور والمذكرات النادرة للريحانى والتى احتفظ بها فى منزلى.
وكيف تم التعارف بين والدتك لوسى وبين الفنان نجيب الريحانى؟
والدتى كانت راقصة فرنسية حضرت إلى مصر عام 1917 لكى تشترك فى مسرحية الريحانى “كشكش بيه”، وكانت لم تبلغ عامها السابع عشر بعد. ومع مرور الأيام تعلقت أمي بوالدي وعاشت معه ثلاث سنوات إلى أن عرفت بخيانته لها فقررت السفر إلى فرنسا. وبعد حوالى 16 عاما حضر الريحانى إلى فرنسا لتصوير فيلم “ياقوت فى باريس” وهناك قابل والدتى بالصدفة، وقررا الإرتباط وجئت أنا إلى الدنيا عام 1937، ولكن والدي لم يستطيع الحياه معنا إلا شهرين فى السنة فكان يحضر فيهم إلى فرنسا.
لماذا اختفيت لمدة 70 عاما عن دائرة الضوء؟ وأين كنت خلال تلك السنوات؟
أنا كنت متزوجة رجل مصري صعيدي منعني عن الإفصاح خلال تلك السنوات الطويلة بأننى إبنة الفنان نجيب الريحانى، وذلك حتى لا تسلط على دائرة الضوء. وأنا ارتضيت هذا بحيث لم يصبح فى حياتى غير زوجي وأولادي، ولكن بعد وفاته قررت الإفصاح عن شخصيتى.
أوصفي لنا لحظة لقاءك بوالدك لأول مرة؟
التقيت بوالدى لأول مرة وأنا عندى 9 سنوات، وكان اللقاء فاتر للغاية لأن والدتي فاجأتنى بأن هذا الرجل العجوز الغير وسيم هو والدي.. لذلك لم أشعر بمشاعر الفرح أو البهجة عند لقائي به لأول مرة، ولكن بمرور الأيام احسست بحبه لي وبمحاولة تعويضه لي عن سنوات غيابه عني، وذلك عن طريق الخروج والفسح والهدايا الجميلة، وهذا جعلنى احبه حبا شديدا إلى الدرجة التى جعلتنى اتعلق بملابسه يوم سفره حتى لا يتركنى ويرحل.
هل تتذكرين موقف كان الريحانى فيه قاسى معك؟
الموقف الوحيد الذى اتذكره أننى فى يوم من الأيام خرجت دون أن أخبر احد، وظل والدي يبحث عنى لمدة نصف يوم حتى كاد أن يجن، واخيرا وجدني فى منزلنا القديم وعندما رأنى غضب غضبا شديدا، ثم ما لبث أن ضمنى إلى حضنه وقبلني.
هل حبك لوالدك هو الذى دفعك للحياة والزواج فى مصر؟
بالفعل أنا طول عمري، كنت أريد أن أعيش فى مصر لأن يوجد بها قبر والدي.. وقد سنحت الفرصة عندما قررت الشركة الألمانية التى أعمل بها أن ترسلنى إلى مصر – كمترجمة فى المعرض الصناعى الألماني المقام فى مصر، وهنا تعرفت على زوجي المحاسب الذى احببته كثيرا وعشت معه طيلة عمري.
الجميع يعرف نجيب الريحانى الفنان، فمن هو الإنسان؟
يتمتع والدي بخفة دم شديدة سواء كان هذا أمام الكاميرا أو خلفها، كما أنه انسان طيب القلب جدا – لم يرفع صوته فى وجهي فى يوم من الأيام وعندما كنت أخالف أوامره كان يناقشنى لكى يقنعنى بخطأى. و لكن للأسف عشت معه ثلاث سنوات فقط وأقول لمن يريد أن يرى شخصية والدي الحقيقية بدون أي رتوش، أن يشاهد فيلم “لعبة الست” الذى قام بتمثيله مع الفنانة “تحية كاريوكا”.
لماذا لم تسلكي طريق الفن مثل والدك؟
أنا خريجة معهد تمثيل فى ألمانيا وكنت أتمنى أن أصبح ممثلة ولكن أمي رفضت هذا بشدة ثم بعد هذا تزوجت وحالت ظروفي دون تحقيق حلمي.
ما هى أكثر الأفلام التى تحبى رؤيتها للفنان نجيب الريحانى؟ ولماذا؟
بالطبع احب أن اشاهد فيلم “لعبة الست” لأنى – كما قلت سابقا – أن والدي فى هذا الفيلم يظهر بشخصيته الحقيقية.. كما احب أن اشاهد فيلم “ياقوت فى فرنسا” لأنه يظهر فيه أيضا بشخصيته الحقيقة، كما أنه يصور جزء من المشاكل التى حدثت بينه وبين والدتي، إلا أن هذا الفيلم غير متاح للعرض وقد قمت بشراء نسخته من إبنة المخرج.
هل يوجد عمل من أعمال الريحانى يعد سيرة ذاتية له؟
ان مسرحية “حكاية كل يوم” تتشابه احداثها بصورة كبيرة مع أحداث حياة والدي لذلك تعد بمثابة سيرة ذاتية له.
ان مقتنيات الفنان نجيب الريحانى تعد ثروة فنية كبيرة، فأين هى الأن؟
فى الحقيقة جميع الأشياء الخاصة بوالدي تم بيعها بعد وفاته من قبل ابن عمى فى مزاد علنى، وذلك لتسديد الضرائب المستحقة على والدي. أما متعلقاته التى كانت عند والدتي فقد فقدت أثناء الحرب، ولم أملك من مقتنايته إلا الكرسي الذى كان يجلس عليه لوضع المكياج أثناء مسرحياته.
تعددت الأقوال حول وفاة الريحانى، فما هى حقيقة وفاته؟
والدى أصيب بحمى التيفود، وبعد فترة من العلاج والراحة تحسن، ولكن تم احضار أقراص بنسلين له من أمريكا، وكانت تلك أول مرة يدخل فيها هذا الدواء مصر، وعند وصول الدواء إلى المستشفى كان الأطباء فى فترة راحة، فقررت الممرضة من نفسها اعطاءه قرصين من الدواء، فحدثت له حساسية من الجرعة الزائدة ومات، رحمة الله عليه..
هل كان يشعر الفنان نجيب الريحانى بقرب رحيله عن عالمنا لهذا كتب كلمات رثاء لنفسه قبل وفاته بإسبوعين؟
بالفعل كتب والدي كلمات مؤثرة جدا فى رثاء نفسه قبل وفاته بإسبوعين، فنراه يقول: “مات نجيب.. مات الرجل الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء.. هذا إن كان للسماء طوب.. مات نجيب الذي لا يعجبه العجب.. ولا الصيام في رجب.. مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق.. ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح.. مات الريحاني.. في ستين سلامة..”
والحقيقة أن المدقق فى هذا الرثاء سيجد أنه يحمل قدر كبير من السخرية اللاذعة التى اتصفت بها أعماله إلى الدرجة التى جعلته يلقب بلقب “الضاحك الباكى” فقد كان يجسد بصدق المثل القائل “إن شر البلية ما يضحك”..
الحركة المسرحية في مصر
على الرغم من أن المسرح والفنون المسرحية في مصر ضاربة في القدم بدءا من مصر القديمة ومرورا بالعصور الرومانية اليونانية، إلا أنها شهدت تدهور ملحوظ بعد الغزو العربي لمصر في القرن السابع.. وهذا ليس بغريب، خاصة أن الإسلام ينظر بإرتياب لمثل هذه الفنون (مثل الفن التشكيلي، النحت والمسرح) معتبرها “تشخيص” .
ومع دخول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابارت إلى مصر عام 1798 شهد الفن المسرحي حركة إحياء إبان تولي محمد علي حكم مصر عام 1805 ويعتبر مؤسس مصر الحديثة. وجاء بعده الخديوي إسماعيل، الذي حكم مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأسس دار الأوبرا المصرية، وإستقدم فرقاً فرنسية لتقديم عروض مسرحية في مصر..ولكن كان على الحركة المسرحية المصرية الإنتظار حتى القرن العشرين قبل أن تشهد إنطلاقة للأمام.
وبدأت هذه الحركة مع قدوم فنانين من الشام الذين وجدوا ملاذهم في مصر ووجدوا أرضا خصبة للثقافة والمسرح. أمثلة هؤلاء جاء جورج أبيض وعزيز عيد، وقتها أنشأوا فرقاً مسرحية وقاموا بتقديم أعمال مسرحية عالمية باللغة العربية.. وقتها تم تمصير المسرح القومي على يد الممثل الكوميدي العظيم نجيب الريحاني في العشرينات من القرن العشرين، كذلك على يد ممثل التراجيديا العظيم يوسف وهبي في الثلاثينات من نفس القرن …وكون وهبي فرقته المسرحية بأسم شركة رمسيس المسرحية، وأصبح واحدا من أعظم الممثلين في مصر.
واليوم تشهد مصر حركة مسرحية مزدهرة لتغطي جميع مجالات النشاط المسرحي التي تجذب الجمهور، وتعكس حيوية وديناميكية الحياة الثقافية في البلاد.. كل هذا يؤكد على الجهود الهائلة التي بذلها الرواد الأوائل في هذا المجال وكان نجيب الريحاني أروع مثالا لذلك.