يعد الفن القبطي وريث عدة فنون, فهو نتاج الفن الفرعوني في مراحله المتأخرة متأثرا بالفنين اليوناني والروماني, ودمج معها مفرداته المسيحية إلي جانب تأثيرات الفنون الأخري التي نشأت في ربوع الشرق الأدني القديم مثل الفن الساساني, وتناول الفن القبطي جميع نواحي حياة الأقباط, فهو فن ديني وشعبي ودنيوي يعبر عن البيئة المصرية مع احتفاظه بشخصية فنية قوية وطابع خاص واضح, وظل محتفظا بمقوماته رغم انتشار الحضارات المختلفة.
بدأ الفن القبطي يظهر في نهاية القرن الثالث الميلادي وشهد مميزات واضحة في القرن الرابع الميلادي, حيث كان يسود في القرون الثلاثة الأولي للميلاد الفن الإغريقي الروماني, واعتمد الفنان القبطي في أعماله علي الأساطير الإغريقية الرومانية دون أن يأخذها بالمفهوم الوثني, حيث أضاف إليها الرموز والشعائر المسيحية إلي جانب القصص الدينية المسيحية.
الجدير بالذكر أن ملامح الفن القبطي تباينت في مراحله المتتالية, حيث تظهر في مراحل الفن القبطي الأولي تأثيرات الفنون الهلينيستية والرومانية والبيزنطية التي كانت سائدة في أنحاء الإمبراطورية الرومانية ولكن الفنان المصري الأصيل استطاع في القرن السادس أن يبتعد عن هذا التأثير الأجنبي, ونجح في أن يكون لنفسه طابعا محليا خاصا نابعا من الروح الشعبية القبطية, حيث ظهرت الوجوه والعيون مستديرة ومحددة بإطار غامق, والأشكال نفسها محددة بخطوط واضحة وغامضة, وفي منتصف القرن السادس كانت معالجة الجسم تمر بتغيير كبير في التشكيل الذي يميل إلي الاختفاء, وفي ملامح الوجه الذي أصابها بعض التحوير, كذلك يتميز الفن القبطي بالبعد عن اللون الأصفر لأنه كان رمزا للشعر في مصر القديمة ولذلك كانوا يصورون به الشيطان والأعداء.
الرموز المسيحية في الفن القبطي
تميز الفنان القبطي في زخارفه ببعض الرموز المسيحية فمثلا تحولت علامة عنخ رمز الديانة القديمة في أوائل عصر المسيحية إلي صليب ذو عروة, ثم تحول إلي صليب النصر, وبدأ استعمال الصليب بكل خوف وحذر من الرومان والوثنيين وهذا هو السبب في استعمالهم الصليب ذو العروة ثم رمز بعد ذلك للمسيح بالصليب داخل العروة, وهذا الصليب من أهم وأبرز مميزات الموضوعات القبطية في القرنين السادس والسابع الميلاديين, واهتمام الفنان القبطي بتنفيذ علامة الصليب علي الأقمشة والفسيفساء لأن هذه العلامة تمثل في نظره رمز انهزام الوثنية.
أما القصص الريفية والتي تخص الأنبياء والقديسين فيظهر فيها الأسلوب التصويري التعبيري المتأثر بالمدرسة التصويرية الشرقية, حيث نجد رسوم شخصيات تمثل رعاة بقطعانهم وعلي جانبهم أشجار كما نجد تحت الخط الذي يمثل الأرض مركبا تسبح, ولكي يكسب الفنان وحدة متجانسة رسم عناقيد من العنب مدلاة من الغصون ومنثورة في أنحاء المنظر, وقد وقفت العصافير عليها لكي تأكل منها ويرمز إلي العنب هنا بالخمر المقدس, ومن العلامات التي أكثر من استعمالها الفنان القبطي هالة التقديس التي أخذها عن الفن الساساني المعاصر والمصري القديم, فقد رسمها ليس فقط حول رؤوس القديسين والأبطال بل كذلك حول رؤوس المحاربين البسطاء والنساء النائحات والأموات ورؤوس الحيوانات المقدسة, كذلك استعار الفن القبطي من الفن السكندري موضوعات قديمة مثل موضوع صيد فرس البحر والأقزام ومن المناظر التي تقابلها كثيرا من القصص القبطي منظر يمثل حورس جالسا ويحمل بين يديه الحيوانات التي اقتنصها, ومن الرموز التي رسمها الفنان القبطي أيضا عين الله وهي مأخوذة عن الفن المصري القديم وهي رمز للحياة في مثلث, وكذلك يشير الحبل الغير منتهي في بعض الرسوم إلي الحياة الأبدية, كما رمز السمك للمسيح والمسيحية, ورمز الدولفين مخلص الغرقي من الغرق بالمسيح مخلص البشر من غرق الخطية.
وتعد أيقونة السيدة العذراء والمسيح الطفل نموذج رائع من إبداعات الفن القبطي واستخدامه للرموز فيها وتذكر الموسوعة القبطية أن بداية تحديد رسم شكل السيدة العذراء بدأ في مصر في القرون الأولي في الإسكندرية, وفي هذه الأيقونة نجد أن السيدة العذراء تحمل الطفل يسوع علي يدها, ممسكا بإحدي يديه رسالة إما مطوية أو مفتوحة, وينتعل في قدميه بصندل أحد فردتيه مفكوكا ومعلق بقدمه والآخر مربوطا بقدمه الأخري, ونجد في أعلي الأيقونة علي اليمين واليسار ملاكين ممسكين بأشياء في أيديهم, وأما عن ملابس السيدة العذراء نجدها دائما تلبس الأزرق, الأحمر, الأبيض, فاللون الأزرق يرمز إلي الحق السماوي, واللون الأحمر القرمزي فهو لون معروف بأنه اللون الملكي لا يرتدية إلا الملوك والعذراء بالطبع تلقبها الكنيسة بأنها الملكة, أما اللون الأبيض فهو رمز الطهارة.
كما نجد علي العذراء مريم إما نجمتين أو ثلاث نجوم منها واحدة علي الكتف الأيمن, والثانية علي الرأس فوق الجبهة بقليل, والثالثة علي الكتف الأيسر, وهذا يعني أن العذراء مريم بتول قبل وأثناء وبعد ولادتها للطفل يسوع, كما يضاف في بعض الأيقونات أحيانا عددا من النجوم الصغيرة جدا علي الثوب الأزرق لأنها سماء ثانية والسماء الثانية بالطبع مزينة بالنجوم أي كمال الطهارة. أما بالنسبة للون ملابس الطفل يسوع فإن اللون الأبيض يرمز للطهارة, واللون الأصفر يرمز إلي النقاوة أي أنه بلا خطية كالذهب المصفي ليس به شوائب, كما أنه لون النصرة والقيامة أما اللون الأحمر فتتعدد درجاته اللونية, فاللون الأحمر القرمزي هو اللون الملكي فيرمز للمسيح ملك الملوك, واللون الأحمر القاني فيرمز إلي العذراء بالدم المسال عنا علي الصليب علامة خلاصنا, ويعد اللون البنفسجي اللون الذي يرتدية السيد المسيح لأن الإمبراطور في عصره كان يرتدي فقط هذا اللون فهو قاصر علي الأباطرة والملوك فقط.
ويلاحظ أن الطفل يسوع يرتدي في إحدي قدميه صندلا مفكوكا ويكاد أن يسقط منه,وهذا الصندل هو رمز الفكاك من الطقس اليهودي القديم بعد مجيئه, أما الصندل الآخر بالقدم الأخري للسيد المسيح فيكون مربوطا حيث يرمز إلي أن المسيح هو الذي فدانا وقدم نفسه فداء عنا وأنه يحمينا في هذا العالم, واستخدم الفنان الهالات الصفراء لكل من السيد المسيح والسيدة العذراء والملائكة ولجميع القديسين حول رأسهم, ولكن هالة السيد المسيح تكون أكبرهم حجما فهي تبدأ من الكتف من المنكبين الذي يحمل عليهما الخروف الضال والذي حمل عليه أيضا خشبة الصليب ليتمم الخلاص, وأحيانا نجد في بعض الأيقونات أن هالة السيد المسيح علي محيطها من الخارج ثقوب صغيرة تلفها كلها, دليل الآلام والجراحات التي كانت وقت الصلب كما نجد دائما أن في هالة السيد المسيح الصليب مرسوما داخلها ورأسه في مركز الصليب وحول الرأس نقرأ هذين الحرفين الألفا والأوميجا أي البداية والنهاية, كما نجد في أعلي الصورة ملاكين أحدهما يمسك صليبا والثاني يمسك الحربة والقصبة الطويلة التي فوقها الأسفنجة والتي وضع عليها الخل حينما عطش السيد المسيح وطلب أن يشرب فرفعوها له علي الصليب, فهذه هي الأدوات التي استخدمت ضمن عملية الصلب.
المصادر:
* القمص يوساب السرياني, الفن القبطي ودوره الرائد بين فنون العالم المسيحي
* الدكتور سعاد ماهر, الفن القبطي