تسود حالة من القلق والتوجس الأوساط الرسمية السورية بعد أن فشلت جميع التسويات بشأن المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري, وفي ضوء إعلان الأمين العام للأمم المتحدة ##بان كي مون## أن الأول من مارس المقبل هو موعد بدء أعمال المحكمة.
مصدر دبلوماسي أوربي في الأمم المتحدة قال أن جميع محاولات إيجاد تسويات بشأن محكمة الحريري قد فشلت, مشيرا إلي أن المحكمة أصبحت واقعا, وعلي الأطراف المعنية تدبر شئونها في كيفية التعاطي معه.
وأضاف المصدر أن الفريق الإسرائيلي ومن معه فشلوا أيضا في خفض السقف الذي يريده المجتمع الدولي من المحكمة, مشيرا إلي أن الفريق الإسرائيلي الذي يتألف من ##شلومو بن عامي## وزير الخارجية السابق ومنسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان السابق ##أوري لوبراني## والسفير الإسرائيلي السابق في واشنطن, إضافة إلي ##مارتن أنديك## من الإدارة الأمريكية وإمارة قطر, وحتي ليبيا, فشلوا مجتمعين في التوصل إلي تسوية تقايض عمل المحكمة ككل, أو بالحد الأدني خفض سقف الملاحقات في صفوف النظام السوري في مقابل دفع عملية السلام بين إسرائيل وسورية وتحويلها إلي مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة.
وأشار المصدر إلي أن وفدا ليبيا سعي إلي إنجاز تسوية مع دمشق علي غرار تسوية لوكيربي إلا أن محاولته باءت أيضا بالفشل, وأن موفدا ليبيا نشط علي خط دمشق نيويورك دون أن يستطيع التوصل إلي نتائج عملية.
وعزا المصدر أسباب القلق السوري إلي التغير الذي طرأ علي السياسة الأمريكية التي تتجه أكثر وأكثر نحو التعاطي المباشر في شئون المنطقة بدلا من الاعتماد علي الذراع الإسرائيلية كما كان يحصل في السابق, مشيرا إلي أن هذا الأمر أيضا هو مصدر قلق سوري بالغ, بعد أن لعبت إسرائيل دورا محوريا في الحفاظ علي النظام السوري الذي لا يناصبها إلا العداء اللفظي, كما أن تل أبيب شكلت ضمانا للنظام السوري ومارست الضغوط الشتي علي واشنطن من أجل عدم تغييره أو فرض مزيد من الضغوط عليه.
وفي ضوء توقيع الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد, أصبحت واشنطن تتعاطي مع منطقة الشرق الأوسط من خلال أجندة أولوياتها هي والتي يبدو أن سورية ليست من ضمنها حاليا, بينما ترغب القيادة السورية أن تسوق نفسها كدولة تتعرض للإرهاب وتعمل علي مكافحته.
ويشير المصدر إلي أن أسباب القلق السورية متعددة بعد أن استنفد الذين يسوقون ضرورة عدم الاقتراب من النظام في دمشق والحفاظ عليه جميع الأساليب مع الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة وتم استبعاد أي إمكانية لإجراء أي تسوية من أي نوع كان علي محكمة الحريري.
وأضاف المصدر أن المملكة العربية السعودية بدورها اتفقت علي نقل الملف اللبناني من يد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل إلي رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان, في إطار العمل علي احتواء التداعيات التي ستنتج عن بدء عمل المحكمة وصدور لائحة الاتهام. وأن الموضوع السوري أصبح حاليا في عهدة الأمير بندر , مشيرا إلي أن الاتفاق السعودي علي نقل الملفات يشترط عدم الدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب مع النظام في دمشق, خصوصا أن الأمير بندر لا يرضي بثمن سوري بخس, ليس أقل من رأس آصف شوكت, من أجل الموافقة علي الإبقاء علي النظام الحالي في دمشق مع تسجيل ضرورة إعطاء السنة دورا رئيسيا في حكم سورية علي حساب التهميش التاريخي الذي مارسه نظام البعث, إضافة إلي إنهاء الأحلام السورية بشأن ضم لبنان أو جعله محمية سورية.
ويضيف المصدر أن المملكة العربية تثق بقدرتها علي التعاطي مع موضوع ##حزب الله## الذي عليه أن يتحول إلي حزب سياسي حسب تعبيره.
المصدر حذر من احتمال عدم قبول حزب الله بالتحول إلي حزب سياسي والإصرار علي لعب دور إقليمي وخوض غمار تجربة جديدة عسكرية مع إسرائيل.
وقال إن رفض الحزب يعني دخوله مع سورية في المغامرة الكبري, وأن التحرش بإسرائيل سوف يدخل لبنان في حرب تأتي علي مكونات الدولة اللبنانية وتتيح لسورية, من خلال حجم وقساوة الحرب, أن تبرر لنفسها الاستسلام للإسرائيلي الذي يصر علي الإبقاء علي الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه.
المصدر الأوربي القريب من سورية رجح في حديثه لـ##الشفاف## عدم قبول سورية وحزب الله بالنتائج التي سيسفر عنها بدء العمل بالمحكمة الدولية خصوصا أن سورية لن يعود لديها أي شيء لتخسره, وبالتالي فإن حزب الله سيرفض هو الآخر بإيعاز سوري وستشتعل عندها جبهة الجنوب اللبناني مرجحا أن يكون بدء تحرش الحزب الله بإسرائيل مطلع العام المقبل. وأضاف أن إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي وجه أكثر من رسالة تحذير إلي الحكومة اللبنانية وأن في نيته إذا ما تحرش حزب الله بإسرائيل أن يقصف قصر بعبدا الرئاسي اللبناني ومقر الحكومة اللبنانية بما يقوض مقومات الدولة اللبنانية. ويضيف أنه مع انطلاق أول رصاصة ستنأي سورية بنفسها علي جري العادة وتهرع إلي المفاوضات المباشرة مع إسرائيل دون قيد أو شرط علي حساب لبنان ومكونات دولته.
[email protected]
* نقلا عن شفاف الشرق الأوسط