الشركة بين أعضاء الجسد الواحد, الكنيسة, هي أمر طبيعي وبديهي, إذ كيف يمكن أن نتصور أن هناك عزلة أو انقسامات بين أعضاء الجسد الإنساني مثلا؟.
هذا هو الحال في جسد المسيح, الكنيسة, فالرب يسوع هو رأس الكنيسة, والقديسون في السماء أعضاء انتصرت, ووصلت إلي مشارف العالم الآخر وفردوس النعيم, والمؤمنون علي الأرض هم بقية هذا الجسد المقدس. لهذا قال الرسول بولس: ##هكذا نحن الكثيرين: جسد واحد, في المسيح وأعضاء بعضا لبعض, كل واحد للآخر## (رو12: 5).
وهكذا عاش الآباء الرسل حياة الشركة فعلا لا قولا, وهذه بعض الأمثلة:
1- بالتناول: ##كانوا يواظبون علي.. الشركة.. وجميع الذين آمنوا كانوا معا, وكان عندهم كل شئ مشتركا, والأملاك كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع, كما يكون لكل واحد احتياج## (أع2: 42-44), ولاشك أن هذا المجتمع المثالي هو قمة الحب والكمال المسيحي, وإن كان تطبيق ذلك حرفيا تعترضه صعوبات كثيرة في المستوي الروحي للمؤمن, وفي النظم والقوانين المختلفة, وفي التنفيذ الفعلي.. إلا أن روح هذا المجتمع يمكن أن يعيشها, حينما يحس حتي باحتياج الفقير, كعضوين في جسد واحد.
2- بخدمة المحتاجين: وقد سجل معلمنا يعقوب الرسول هذا التعليم في رسالته, حين قال: ##إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي, فقال لهما أحدكم: أمضيا بسلام, استدفئا واشبعا, ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد, فما المنفعة؟## (يع 2: 15, 16), وهذا نفس ما كرره معلمنا يوحنا: ##أما من كان له معيشة العالم (أي أنه كان ميسور الحال), ونظر أخاه محتاجا وأغلق أحشاءه عنه, فكيف تثبت محبة الله فيه؟## (1يو 3: 17). ثم أوصانا قائلا: ##يا أولادي لا نحب بالكلام, ولا باللسان, بل بالعمل والحق## (1يو 3: 18).
3- بعلاقات المحبة: ولم تقتصر حياة الشركة عند الرسل علي الاهتمام بالفقراء والمحتاجين بل إنها انسحبت علي علاقات المؤمنين ببعضهم, كمحبة إنسانية, ولقاء يومي وجداني مقدس. وهذا ما نلمسه بوضوح من عبارة ##وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت (قبل إنشاء كنائس), كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب## (أع2: 46).
ولاحظ أيها الأخ الحبيب كلمتي الابتهاج والبساطة, فهما تعبيران عن قمة الإحساس بالفرح, والبساطة في علاقات المحبة النقية بين أعضاء الأسرة الواحدة, بل الجسد الواحد.
كذلك امتدت حياة الشركة لتلمس ##الشركة في الخدمة##, فالرسل أبدا ما كانوا فرديين بل عاشوا إحساس الجماعة المتحدة بالروح, في كل مراحل الخدمة, وظروفها المتغيرة.. وكمجرد أمثلة:
* الروح القدس حل عليهم وهم في صورة جماعة تصي معا بنفس واحدة.
* كانوا يحسون بآلام بعضهم البعض, فكانت الكنيسة (الجماعة) تصلي من أجل بطرس مثلا حين كان في السجن ##كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون## (أع 12: 12).
* وحينما اختار الروح برنابا وشاول, كانت الجماعة كلها تصلي وتصوم, ثم صامت وصلت ##ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما## (أع13: 3), وخرجا معا كاثنين إلي الخدمة.
* وفي رحلة تالية خرج بولس وسيلا وبرنابا مع مرقس.
* وبعد 14 سنة أخذ بولس ##يمين الشركة## من الرسل, ليتفرغ لخدمة الأمم, وبطرس لخدمة اليهود (غل 2: 1- 10).
* وكان الرسل يذكرون الفقراء في الكنائس, خصوصا حينما كانت تحدث مجاعات (انظر غل2: 10, 1كو 8, 9, 2كو9).
* وفوق الكل عاش الرسل شركة الجسد والدم, حين قال معلمنا بولس: ##كأس البركة التي نباركها, أليس هي شركة دم المسيح, الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح, فإننا نحن الكثيرين خبز واحد, جسد واحد, لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد## (1كو10: 15- 17).
تطبيقات عملية:
يمكن أن نحيا الشركة إذن:
1- بالتناول: قمة الشركة والاتحاد معا في الرب.
2- بخدمة المحتاجين: كأعضاء في نفس الجسد.
3- بعلاقات المحبة: زيارة المريض المتألم.
4- بنشاطات المحبة: كحفلات الأغابي والرحلات والمعارض, ومجموعات العمل والخدمة وزيارة المسنين والمعوقين والمرضي بالمستشفيات والمنازل.. إلخ.
5- بالروح الجماعية في الخدمة: بالتخلي عن الفردية والأنانية والعزلة. فليعطنا الرب أن نحيا الشركة ونستمتع بشذاها العطر, وفاعليتها المباركة, في حياتنا وبيوتنا, وكنائسنا!!