نسعي بكل ما نملك من جهد أن نقضي علي العشوائيات ونطور هذه الأحياء ونعيد إليها التنسيق حتي يستطيع سكانها أن يجدوا المكان المناسب واللائق ليعيشوا فيه حياتهم وينتقلون إلي بيوت جديدة, ومساكن لائقة وكل هذا جميل ومطلوب ونتمني أن نقضي تماما علي تلك المناطق العشوائية.
أما أن ننقل العشوائية والمناظر التي تؤذي العين إلي أماكن جديدة فهذا ما نرفضه,ونسعي إلي محاربته.هناك جهاز معني بالتنسيق الحضاري.وإعادة الوعي بالجمال والتنسيق والتوافق.ولكن يبدوا أن عيوننا قد اعتادت علي القبح والمناظر المؤذية والفوضي,وننقل ذلك إلي الجديد الذي نبنيه. ففي كثير من الشوارع يتم إنشاء عمارات جديدة بعد أن نشط العائدون من بلاد عربية في استثمار ما عادوا به من أموال في مجال البناء والمعمار.ففي شارع مساحته لا تزيد علي خمسة أمتار تم بناء عمارات بارتفاع اثني عشر دورا غير الأرضي المخصص للمحال المختلفة, ورغم أن هناك قرارات تتعلق باتساع الشارع وارتفاع العمارات فلا شئ يطبق من هذه القرارات.أمامنا عمارة من هذه العمارات نوافذها عبارة عن تشكيلة من الألوان ينطبق عليها سمك,لبن,تمر هندي.العمارة كل دور مكون من أربع شقق.كل نافذة في تلك العمارة بلون مختلف. بعضها مدهون باللون البني الغامق وبعضها باللون الفاتح جدا. وتحتها مباشرة النافذة مدهونة باللون الأخضر أو اللون الأزرق.وهذه التشكيلة ذاتها موجودة في لون المحال, وقد اتملأ الشارع بأكثر من 8عمارات.ارتفاعات كل عمارة مختلفة عن المجاورة لها أو التي أمامها.وتشكيلة الألوان ذاتها في نوافذها.حتي الأرصفة تختلف في ارتفاعات الرصيف وفي نوعية ولون البلاط المنشأ به الرصيف.وعندما ينظر المشاهد إلي هذا الكرنفال العجيب يشعر عبر التنافر والتناقص والاختلاف, فكل واحد يفعل ما يريد ولاتهم أعين المارة التي تري هذا الاختلاف والتناقص. حتي بعد أن تم تسكين الشقق في هذه العمارات,أعاد السكان طلاء نوافذهم بالألوان المحببة لهم وغيروا الألوان كما يريدون.حقيقة العمارات جديدة, ولكنها منفرة.أين التنسيق الحضاري ودوره الذي نحتاج أن نلمسه في هذا المجال.حتي يتحقق هذا الدور ونشعر بالتناسق والإنسجام بين تلك المباني الجديدة وترتاح العين له.
لقد كانت البيوت فيما مضي تهتم بهذا التناسق.وكانت ربة البيت تعتني بكل ما يرح العين ويسعدها مهما كانت درجة الثراء أو الفقر. زهور قليلة في النافذة أو الشرفة.ستائر متشابهة تطل علي الشارع. قطعة صغيرة مشغولة بالكنفاة تعطي شكلا جماليا يإثر القلوب. حتي الصور التي تقتنيها الأسرة كان هناك اهتمام بتنسيقها علي جدران الحوائط.وكانت الزوجة تسعد إذا استطاعت أن تحقق لمسة من الجمال والتنسيق في بيتها يستريح إليها الزوج والأولاد والضيوف الذين يترددون عليها, ويثنون علي ذوقها وقدرتها علي بعث الجمال مهما كان الأثاث متواضعا.
إن نقص هذا التنسيق الجمالي الحضاري يحول تلك المباني الجديدة إلي شكل عشوائي يفسد كل شئ ويحرمنا من الإحساس بالجمال والتناسق.