عندما كان باراك أوباما مرشحا للرئاسة, ساعدته مجموعة تدعي ##متي 25## علي الفوز في الانتخابات. من خلال الإعلانات والحملات الترويجية, أقنعت هذه المجموعة الكثير من الإنجيليين المعتدلين أن أوباما يمثلهم. فهو رجل عائلة ومسيحي يسعي إلي جعل العالم مثاليا مع أنه يعرف أنه لا يمكن بلوغ الكمال الدنيوي. مستوحيا أفكاره من نيبور ولنكولن وكينج, صور أوباما أمريكا علي أنها مكان حيث يهتم الناس أحدهم بالآخر لأن هذا هو الأمر الصائب.
في الفصل 25 من إنجيل متي, يعد يسوع تلامذته بأنهم سيكافأون في العالم الآخر لأنهم أطعموا الجياع وساعدوا المرضي قائلا: ##إن كل ما صنعتموه إلي واحد من إخوتي هؤلاء, إلي واحد من الأصاغر, فإلي قد صنعتموه##.
هؤلاء المؤمنون المعتدلون هم إذن من بين الذين يشعرون بخيبة أمل ملموسة من أداء الرئيس. هذا محتم إلي حد ما, وهو أشبه بما يشعر به المرء عندما يلاحظ الفرق بين فترة المغازلة والزواج. لكن جزءا من خيبة الأمل هذه تعزي إلي إحباط مبرر من أن أوباما لا يبدو اليوم قادرا علي القيام بالأمر الذي يبرع فيه, وهو التعبير عن القيم الأمريكية باعتبارها تجسيدا للضمير والمجتمع. الخطاب الذي ألقاه عن حال الأمة الأسبوع الماضي لم يغير هذا الانطباع, فقد كان متفلسفا أكثر منه ملهما. يقول رجال الدين المعتدلون إن نظام العناية الصحية كان سيصبح أفضل لو صيغت المسألة منذ البداية علي أنها مسألة عدالة اجتماعية, وإن حالة الاقتصاد تعكس أيضا أزمة قيم, وفشل البنوك والحكومة في احترام تكافلنا. وتحذر مجموعة متي 25 من أن ذهنية ##هذه ليست مشكلتي## هي بالتحديد الذهنية التي يجب تفاديها. فقد كان أوباما يقول خلال الحملة الانتخابية: ##أنا الوصي علي أخي, أنا الوصي علي أختي##.
اتصلت بجيم واليس, القائد الإنجيلي التقدمي الذي يحمل كتابه الجديد عنوان Rediscovering Values (إعادة اكتشاف القيم), فيما كان يغادر إلي دافوس. كان واليس مقربا من الرئيس, ويقدم له المشورة منذ البداية حول ما إذا كان يجب أن يترشح للرئاسة, ويتواصل معه عبر البريد الإلكتروني خلال أزمة القس جيريمايا رايت. قال لي واليس: ##نحن في حاجة إلي قائد لا يطالب فقط بالتغيير التدريجي بل بسياسات جذرية تحولية. يمكن للرئيس أن يقوم بذلك. وأعتقد أنه لا يزال قادرا علي ذلك, لكن الشعب الأمريكي لا يشعر أن هذا ممكن##.
ثمة رجال دين آخرون أكثر صراحة. كان أوبيري هندريكس, مؤلف كتاب The Politics of Jesus(سياسات يسوع), يشارك في مؤتمرات هاتفية دورية عدة كانت تقيمها الإدارة مع كبار رجال الدين لكنه توقف عن ذلك أخيرا, بسبب إحباطه وتعبه, حسبما يقول. ##هل يصغي إلي القادة الدينيين؟ بصراحة, لا أعرف. فتأثيرهم ظاهري ليس إلا##. ويضيف إن البيت الأبيض ##ينظر بتنازل وتعجرف## إلي رجال الدين السود بصورة خاصة. ##الكثير من القساوسة يشعرون بذلك##.
تقول مصادر مطلعة إن ##مكتب الشراكات الدينية والاجتماعية## وهي لجنة استشارية تعني بالقيم أنشأها الرئيس العام الماضي وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة صوري ليس إلا, ولا تأثير له. أعضاؤه, وهم 24 قائدا دينيا من خلفيات وتقاليد مختلفة, يعجزون عن التوصل إلي إجماع حول أي شيء ولا يسعهم إلا اعتماد مواقف واهنة ويشكك البعض في أن تحظي توصياتهم السياسية ـ فيما يتعلق بالفقر العالمي والأبوة والحوار بين الأديان التي سيصدرونها هذا الشهر بأي اهتمام داخل الجناح الغربي للبيت الأبيض.
لكن لا بد للمرء من أن يقدر واشنطن لأن التفاؤل هناك سائد بشكل دائم شأنه شأن السخرية. ريتشارد سيزيك, أحد الأعضاء السابقين في مجموعات الضغط العاملة لمصلحة الجمعية الوطنية الإنجيلية, خرج من عزلته أخيرا بعدما طرد من وظيفته لأنه قال في مقابلة مع تيري جروس بثتها الإذاعة الوطنية إنه صوت لأوباما في الانتخابات الأولية وإنه يؤيد الزواج المدني. الآن, بالتعاون مع ديفيد جاشي, وهو عالم لاهوت إنجيلي كتب مقالات ضد التعذيب, أسس سيزيك الشراكة الإنجيلية الجديدة للمصلحة العامة, التي تهدف إلي إعادة تحديد الأجندة المسيحية. التقي سيزيك أوباما للمرة الأولي في اجتماع له مع القادة الإنجيليين في يونية عام .2008 يقول: ##أثار إعجابي إلي حد كبير, لكن ذلك الرجل, الشخص الذي سمعته يعبر عن قيمه, لا أظن أنه نجح في تصوير نفسه كما يجب##.
في الوقت نفسه, تنشر المجموعة الاستشارية التقدمية ##ثيرد واي## (الطريق الثالث) كتيبا مخصصا للقساوسة المسيحيين بعنوان ##تعالوا نفكر معا##, وهو دليل لمناقشة النزاعات الثقافية مثل مسألتي حقوق المثليين جنسيا والإجهاض في الكنيسة. جويل هانتر, وهو قس معتدل آخر شغل منصب مستشار لأوباما, هو الداعم اللاهوتي للمشروع. الاعتقاد السائد هو أن الناس أقل انقساما من السياسيين والخبراء وإن توفرت الأدوات الصحيحة, يجب أن يتمكنوا من التوصل إلي قواسم مشتركة.
لكن السيناتور الجمهوري السابق جون دنفورث, وهو أحد أشد منتقدي أوباما, يعتقد أن من واجب الرئيس التقريب بين وجهات النظر فيما يتعلق بالقيم. يقول دانفورث الذي أنشأ أخيرا مركزا يعني بالشئون الدينية والسياسية في جامعة واشنطن: ##إنه القائد والشخص الذي يجب أن يكون قادرا علي إيجاد القواسم المشتركة والتعبير عنها##. أعتقد أن الفصل 25 من إنجيل متي هو نقطة بداية جيدة.