رئيس مكتب الإعلام والعلاقات العامة
الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية
إن قيامة يسوع ليست ظاهرة طبيعية تشاهد بالبصر, كما أن يسوع القائم من الموت لم يدخل في سياق التاريخ علي غرار ألعازر. ولا يمكن أن نتصور القيامة سلسلة من المعجزات يستطيع جميع الناس أن يتحققوا منها, فيتحتم عليهم أن يسلموا بها.
بدأت أحداث الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح علي الأرض, بدخوله الانتصاري المشهور إلي أورشليم, حيث استقبلته جموع الشعب بفرح عظيم, وهي تحمل سعف النخيل وأغصان الزيتون. وتعالت صرخاتهم: أوصنا لابن داود, مبارك الآتي باسم الرب, أوصنا في الأعالي (مت 21: 9). ولاشك في أن هتافهم كان مرتبطا بهتاف الملائكة لحظة ميلاد المسيح المجد لله في الأعالي, وعلي الأرض السلام, وبالناس المسرة (لو 2: 12).
ثم دخل إلي الهيكل, حيث احتشد من حوله جمهور من الكتبة والفريسيين ليجربوه, وهناك ذكرهم بأنهم هم قتلة الأنبياء (مت 23: 30), ووصفهم بأنهم الحيات أولاد الأفاعي (مت 23: 33), وفي النهاية قال:
يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها, كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا, هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتي تقولوا مبارك الآتي باسم الرب (مت 23: 37-39).
وبعد ذلك, ذهب السيد إلي بستان جثسيماني للصلاة, وهناك ألقي القبض عليه, ثم أخذوه إلي المحاكمة, ومنها إلي الجلجثة عبر طريق الآلام, ليرفعوه علي خشبة الصليب, بين اثنين من المجرمين, فيسلم الروح, وينزلوه, ويوضع بعد ذلك في قبر جديد قريب من موضع الصلب.
هكذا كانت علاقة السيد المسيح واليهود. استسلم لهم بإرادته حتي يتم المكتوب. لم يحارب الذين حاربوه وأهانوه, ثم صلبوه, بل أحبهم, وطلب لهم المغفرة وهو معلق علي خشبة الصليب يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لوقا 23: 34). تلك العبارة التي تعني عمق الحب وكامل الغفران, الصفح عمن أساء إلينا, مهما كانت الإساءة.
لقد كان السلام هو أسلوب السيد المسيح, فكان أكثر فاعلية في نفوس الذين التفوا من حوله وآمنوا به, وكان هذا الأسلوب أيضا مثار اندهاش الكثيرين الذين عايشوه علي الأرض, وكانوا يعرفون أنه يملك من السلطان ما يستطيع أن يدافع به عن نفسه, لكنه كان حريصا عليهم, حريصا علي أن يعلمهم الخير, وأنه يحرص علي سلامة الآخرين, لا سلامة نفسه.
جاء السيد المسيح إلي العالم ملكا متوجا للسلام, لم يشجع الحرب, ولم يقبل الفرقة أو الخصام, لم يشهر السلاح, كي يدافع عن نفسه, لم يطلب لنفسه شيئا, بل كان يريد أن يخدم البشرية, ويسعد الناس, كي يستمتعوا بالخير الذي أعطاهم إياه الله في الحياة.
كان انتصار السيد المسيح علي الموت, وقيامته من بين الأموات, تعني انتصارا علي قوي الشر في العالم, إعلانا علي انتصار الحب علي الكراهية, والسلام علي الخصام, انتصار الإنسانية علي الوحشية.
لم تكن القيامة مجرد حدث عابر, سجله التاريخ علي صفحاته منذ أكثر من ألفي عام مضت من الزمان, إنها ليست فعلا ماضيا حدث في الماضي وانتهي, إنما هي حدث مستمر في الماضي والحاضر والمستقبل, حدث متجدد في حياة كل إنسان يعطيه دائما القوة والنصرة والغلبة.
والقيامة حدث يتكرر في حياتنا كل يوم, فالإنسان الشرير حينما يقرر أن يبتعد عن شره, وأن يتمسك بإيمانه الحقيقي بالله.. فإن هذا يعني ميلادا جديدا, وقيامة له.