العاصمة الإيطالية روما كانت خلال الأيام القليلة الماضية محط أنظار العالم أجمع, حيث احتضنت أكبر قمة دولية للأمن الغذائي العالمي. العالم بأسره… حكومات ومؤسسات وشعوب تابع عن كثب أخبار القمة والقضايا الملحة التي طرحت عليها, والتي ترتبط كلها بعناصر مشتركة تصب جميعها لتحقيق هدف واحد لا ثاني له ألا وهو القضاء علي الجوع في الأرض وتحرير البشر, خاصة الدول والمناطق الفقيرة المهددة بخطر الجوع نهائيا بحلول عام .2025 قمة روما – والتي كانت بكل المقاييس حافلة بالسخونة والمناقشات الصريحة – أكدت أن العالم يسابق الزمن, وأن الجميع متحدون في مواجهة المجاعة التي اتسعت رقعتها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية, وباتت تهدد اليوم أكثر من 1.02 مليار شخص, أي نحو سدس سكان الأرض, وطني تابعت قمة الأمن الغذائي العالمي بروما وتفتح في هذا العدد ملفا عامرا بالأرقام والبيانات حول خطر الجوع الذي يهدد البشرية, آملين جميعا أن تتسارع جهود الدعم والمساندة المالية والفنية التي قررت الدول الغنية المتقدمة أن تقدمها لإنقاذ البشرية من المجاعة.
أكثر من 25 مليون طفل سيعانون من الجوع منتصف هذا القرن بسبب التغيرات المناخية التي ستؤدي بدورها لحدوث نقص في الغذاء وارتفاع جنوني في أسعار المحاصيل الرئيسية كالقمح والأرز والذرة طبقا لما ذكرته دراسة حديثة اشترك فيها كل من البنك الدولي مع البنك الآسيوي للتنمية. الدراسة حافلة بالمفاجآت غير السارة إذ تبين صراحة أن جميع مناطق العالم بلا استثناء ستتأثر سلبا من جراء التغيرات المناخية في حالة استمرار الاحتباس الحراري غير المحسوب خاصة في المناطق الواقعة جنوب آسيا, وكذلك في جنوب الصحراء بأفريقيا.
في عام 2050 وطبقا لدراسة البنك الدولي وكذلك البنك الآسيوي للتنمية سيحصل الأطفال علي سعرات حرارية أقل مما حصل عليه الأطفال عام 2000, وهو ما يمثل ضربة موجعة لكافة الجهود الدولية المبذولة في مجال محاربة سوء التغذية بين أطفال العالم. التغيرات المناخية وما يصاحبها من احتباس حراري ستكون إذن التحدي الأكبر الذي يجب علي البشرية مواجهته, وهو ما أكدت عليه قمة روما للأمن الغذائي العالمي… ويبقي السؤال الأهم: هل ستنجح تلك الجهود؟!… وهل ستتنازل القوي الكبري عن بعض من مصالحها الاقتصادية ومكاسبها المالية من أجل إنقاذ البشرية بتعاونها ومساندتها لتلك الجهود؟.
جيرالد نيلسون أحد الخبراء الذين شاركوا في وضع دراسة كل من البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية أشار في تصريحات له بثتها وكالات الأنباء العالمية إلي أن ارتفاع أسعار الغذاء خلال العام الماضي 2008 كان يمثل لنا قرعا لأجراس الخطر بأننا سنستقبل أعدادا إضافية تبلغ 50% من سكان العالم بحلول 2050, مضيفا بقوله بأن الإيفاء بالمطالب الغذائية للزيادة السكانية سيكون تحديا هائلا حتي دون وجود التغيرات المناخية. نيلسون دعا مع زملائه واضعي الدراسة إلي حتمية توجيه نحو 7 مليارات دولار للأبحاث العلمية حول الحبوب, إضافة إلي الاستثمار في الري والبنية الأساسية الزراعية لمساعدة المزارعين علي التكيف مع التغيرات المناخية.
دراسة البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية تحوي في جنباتها كل ما هو مخيف ومفزع للبشرية في حال لو تقاعست الجهود وانفرط عقد التعاون بين الدول لمحاربة الجوع ومواجهة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري إذ تذكر الدراسة بكل وضوح أنه دون تمويل كبير وطموح ومدعوم بتقنيات جديدة يمكن أن ينخفض إنتاج القمح بأكثر من 30% في الدول النامية لتشتعل أسعار الغذاء بصورة قد تقترب من المأساة, حيث من الممكن أن ترتفع أسعار القمح منتصف القرن الحالي في ظل استمرار التغيرات المناخية دون علاج ما بين 170% و194%, كذلك من الممكن أن ترتفع أسعار الأرز إلي 121%!!.