أطفال الشوارع النائمون تحت الكباري أو علي الأرصفة.. أو المستغلون إشارات المرور ليبيعوا الفل والمناديل.. أو المتسربون من التعليم.. والبنات اللائي يتعرضن لمأساة الختان.. ومعانات ذوي الاحتياجات الخاصة من رفض المجتمع أو جهل الأهل.. كلها مشاهد في شارعنا المصري لم تمح ملامحها.. ولكننا نستطيع أن نقول إنها أصبحت صورة باهتة نسبيا عن ذي قبل.. طبعا ليس كله تمام.. ولكن هناك جهودا مخلصة لمحاولة القضاء علي مشاكل من يوصفون من الأطفال بأنهم في خطر, وأهم ما يميز هذه الجهود أنها تطبق أسلوب التعاون والتشارك مع جهات معنية كثيرة.
منذ 4سنوات ماضية بدأ تنفيذ برنامج أطفال في خطر بمشاركة من المجتمع المدني والأجهزة الحكومية المعنية وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم والصحة والتضامن الاجتماعي بدعم من الاتحاد الأوربي, ووضع البرنامج قضايا تمس الأطفال المهمشين مع التركيز علي خمس فئات منهم هم: الفتيات خارج المنظومة التعليمية, والمعرضات للختان, أطفال الشوارع, الأطفال العاملون, والأطفال ذوو الإعاقة.
ولأن المجلس القومي للطفولة والأمومة هو المسئول عن هذا البرنامج فليس غريبا أن يتبع أسلوبه الفعال الذي يتركز علي التنمية من القاعدة, بمعني التعرف علي الاحتياجات الفعلية للأطفال المهمشين في النجوع والقري والمناطق النائية والعشوائيات من الأطفال أنفسهم ومن الجمعيات الأهلية العاملة معهم, مع تبني المنظور الحقوقي للأطفال المهمشين وليس منطق المعونة أو العطف.
في الاحتفال بختام هذا البرنامج الذي نظمته وزارة الأسرة والسكان مع الاتحاد الأوربي أكدت الوزيرة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان أن البرنامج حقق المستهدف بل وفاق الأهداف الموضوعة في بعض الجوانب وربما عجز عن تحقيق الأهداف بشكل كامل في جوانب أخري, ولكن الإنجاز الكبير كان في الصيغة التي تبناها كأسلوب عمل ولتجربة يمكن الاحتذاء بها ونقل خبراتها وتعميمها علي مستوي الجمهورية.
ثمارناضجة
أشارت الوزيرة إلي ثلاث نتائج مهمة للبرنامج وتتمثل في مجال الإعاقة حيث تم توفير معامل تقنية للكشف المبكر عن حالات الإعاقة بتحليل الدم خلال الأسبوع الأول من الميلاد مما يتيح الفرصة للتدخل المبكر, كما أعد لأول مرة دليل متكامل للمتابعة والتقييم يتيح متابعة مبادرة التعليم المجتمعي (مدارس الفتيات – مدارس المجتمع – مدارس الفصل الواحد) ليقيس الجودة وعدالة إتاحة هذه الفصول, بالإضافة إلي استحداث نمط جديد للتعاون بين الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص الصناعي بتوقيع بروتوكولات تعاون مع ثلاث غرف صناعية تم من خلالها سحب الأطفال من العمالة الخطرة وتوفير فرص تدريب وتوظيف آمن لهم لدي الشركات الصناعية لمتابعة لهذه الغرف.
120يورو لمدارس الفتيات
أشار د.كلاوس إيبرمان سفير الاتحاد الأوربي إلي التطورات المهمة التي طرأت أثناء تنفيذ البرنامج وتنعكس علي مستقبل الأطفال, وهي صدور قانون الطفل والذي يعد مثالا ونموذجا يحتذي به في المشاركة المجتمعية للمنظمات الحكومية وغير الحكومية من أجل التنمية وإحداث التغيير خاصة فيما يتعلق بتجريم ختان الإناث ورفع سن زواج الفتيات ورفع سن تجريم الأطفال معبرا عن ضرورة الالتزام بتنفيذ قانون الطفل.
كما أعلن إيبرمان عن استعداد الاتحاد الأوربي لتقديم الدعم للنظام التعليمي القائم علي المجتمع حيث سيتم قريبا تخصيص 120يورو لتحقيق هذا الهدف, وأشار بما حققته مبادرة تعليم البنات والتي تعتبر نموذجا مهما لنجاح البرنامج الذي ساهم من خلاله الاتحاد الأوربي في بناء 191مدرسة صديقة للفتيات في 7محافظات, كما أشاد بالتقدم الذي أحرزته الجمعيات الأهلية لدمج مفهوم حقوق الطفل ضمن الأنشطة المختلفة بدلا من المنهج الخيري بما أثمر دمج الأطفال المهمشين داخل المجتمع.
شارك في المؤتمر العديد من الأطفال الذين استفادوا من البرنامج وتحدثوا عن تجاربهم وقصص حياتهم من واقع ظروف حياتهم المختلفة.
أصحاب القضية
قال حسام حلمي – 17سنة- ذو إعاقة ذهنية إنه تعب كثيرا من تعيير الناس وسوء معاملته, وأوضحت أخته أنها كانت ترفض خروجه من المنزل بسبب التعيير والأذي النفسي, ولكن بعداشتراكهم في برنامج من طفل إلي طفل عرفت حقوق أخيها المعاق وسمعت موضوعات كثيرة عن ضروة تغيير نظرة المجتمع لهم.
وتحدثت كثيرات من الأطفال عن المدارس الصديقة للفتيات منهن هبة حمدان – 11 سنة- من أطفيح-حلوان التي عرفت بالمدرسة من جارتها وذهبت ووجدت كل شئ بالمجان, وأيضا مني أحمد – 10سنين- دخلت المدرسة الصديقة مع ابنة عمها وأحبت المدرسات جدا والأنشطة التي يتعلمون بها.. وتحدث الطفل سامح فيصل – 9سنوات- عن تجربته في العمل في ورش المدابغ مع أخيه وتعرضهما للضرب والإهانة وقد ساعدهما هذا البرنامج من خلال جمعية أهلية بالمنطقة علي إعادتهما للتعليم وتقديم مصروفاتهما لوالدتهما شهريا.
وفي خلط بين براءة الطفولة وظلال من قسوة الدنيا تحدث الطفل أحمد محمد عن تركه لللمنزل بسبب خلافات والديه المستمرة واختياره الشارع بديلا عن البيت, وكيف أن الجمعية الأهلية المشاركة في برنامج حماية الأطفال من الخطر قدمت له الملابس والمأوي ومحو الأمية.
تقييم وتوصيات
ولأن محور التقييم أصبح لازما لقياس مدي نجاح أو إخفاق أي برنامج أكدت السيدة فاليري إميلن مديرة فريق التقييم أن التقييم تم من قبل جهة مستقلة عن البرنامج, وأسفر عن أن البرنامج حقق نجاحا في الجمع بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية مرتكزا علي المنهج الحقوقي في تناول قضايا الأطفال في خطر, ومما يحسب له أن القائمين عليه اهتموا قبل الانتهاء من البرنامج في النظر في مستقبله باستمرار التعاون مع شبكات الشراكة التي أنشأها البرنامج وتشكيل منتدي للجمعيات الأهلية المشاركة لتبادل الخبرات.
أوصي التقييم بأهمية الاستعراض العميق للحملات الإعلامية المناهضة لختان البنات والرسائل الأساسية التي يجب أن تركز عليها.
[email protected]