هو أحد أبرز القيادات الصحفية التي كان لها دور كبير في تشكيل الوعي الوطني والإنساني والاجتماعي وصنع الرأي العام,والمساهمة الفعالة في إحداث حركة التنوير والتحديث وخدمة العديد من القضايا في المجتمع,وذلك من خلال الموضوعات التي تضمنتها مقالاته ومؤلفاته وكتبه التي أثري بها سلامة موسي المكتبة المصرية علي مدي خمسين عاما عمل خلالها بمجال الكتابة والتأليف والصحافة.
ولد سلامة موسي في 4يناير عام 1887 في كفر سليمان العفي بجوار الزقازيق التابعة لمديرية الشرقية بالوجه البحري,لأسرة من أعيان المحافظة تلقب ”بالعفي” ترجع جذورها لقرية البياضية في مديرية أسيوط بصعيد مصر.كان والده يحتل مكانة اجتماعية مرموقة بمديرية الشرقية,وكان يمتلك ما يزيد علي مائة فدان,إلي جانب الوظيفة التي كان يشغلها ”كرئيس تحريرات” المحافظة (هي مهنة تشبه سكرتير عام المحافظة حاليا),توفي والده قبل أن يبلغ عامين من عمره تاركا لأسرته تركه ضخمة ساعدتهم علي العيش في حياة ميسورة,فتولت أمه تربية أبنائها وتعليمهم,ولم تكن في القرية التي يعيش فيها سلامة أية مدارس,لذلك تلقي مراحل تعليمه الأولي في الكتاتيب التي كانت منتشرة في ذلك الحين بمعظم القري المصرية,وكانت مهمتها الأساسية تعليم التلاميذ الصلوات والأدعية الدينية فقط سواء المسيحية أو الإسلامية دون أن تهتم بتعليم القراءة أو الكتابة,فظل سلامة يتنقل ما بين كتاب مسيحي وآخر إسلامي حتي تمكن من حفظ بعض الصلوات المسيحية,وعدد من سور القرآن الكريم,إلا أنه كان يجهل تماما القراءة والكتابة,ومنذ عام 1898 بدأت الجمعية الخيرية القبطية تنشر في مناطق متفرقة بمديرية الزقازيق العديد من المدارس التي كانت قاصرة علي المرحلتين الابتدائية والإعدادية أما مرحلة التعليم الثانوي فكانت في ذلك الوقت قاصرة علي ثلاث مدارس فقط علي مستوي الجمهورية بصفة عامة.واحدة منها في الإسكندرية,واثنتان في القاهرة.لذا التحق سلامة بعد أن أتم الحادية عشرة من عمره بمدرسة ”الأميرية”,وحصل علي الشهادة الابتدائية عام 1903,ثم الإعدادية بعد هذا انتقل إلي القاهرة لاستكمال تعليمه الثانوي فالتحق بمدرسة ”التوفيقية الثانوية”,ثم انتقل إلي المدرسة ”الخديوية”,وكان أرثه عن أبيه يدر عليه دخلا شهريا ثابتا يتراوح ما بين 25, 30جنيها,مما كان يوفر له حياة كريمة لذا لم يكن بحاجة إلي العمل.حيث كان ينفق من هذا المبلغ طوال فترة إقامته في القاهرة ودراسته بها,وشراء الكتب والصحف والمراجع,وكذلك أسفاره المتعددة بعد هذا إلي العديد من دول العالم الخارجية (أقباط في ذاكرة الصحافة المصرية-رامي عطا صديق)
*تأثره بالأفكار الغربية:
يعتبر عام 1908 بداية لانفتاح سلامة موسي علي القيم والعادات والثقافات الأوربية,الأمر الذي أثر كثيرا في تشكيل وعيه وفكره,فبعد أن أتم التاسعة عشر من عمره قرر السفر إلي فرنسا بسبب مشاكل عائلية وأسرية,وقضي هناك عاما كاملا تعلم خلاله اللغة الفرنسية وأتقنها,واطلع علي أحدث ما توصلت إليه علوم المصريات,وتعرف أيضا علي الفكر والفلسفة الفرنسية من خلال قراءته لمؤلفات الكثير من الاشتراكيين وتأثره بأفكارهم مثل فولتير وكارل ماركس وغيرهم.ركزت هذه الفترة في حياة سلامة موسي علي الانتماء للغرب وقطع أي صلة تربط مصر بالشرق,وتضمن نقدا للفكر الديني والإيمان بالغيب,وهو ما تضمنه أول مؤلفاته ”مقدمة السوبرمان” الصادر عام 1910 الذي تضمن فصلا كاملا تحت عنوان ”نشوء فكرة الله”,متأثرا بأفكار الكاتب الإنجليزي ”جرانت ألين” وأفكار الفيلسوف نيتشه,وتأثر ببعض الأفكار العنصرية التي كانت سائدة في بعض الأوساط الفرنسية في تلك الفترة حيث دعا إلي أن يتزوج المصريون من غربيات لتحسين نسلهم.
ثم قرر السفر إلي لندن لدراسة الحقوق وقضي بها أربع سنوات تعلم خلالها اللغة الإنجليزية لكنه أهمل دراسته وانصرف إلي القراءة وانضم كعضو إلي جمعيتين إنجليزيتين هما ”الجمعية الفابية” وكانت تعني بالمجال السياسي والأدبي والتقي فيها بالمفكر المسرحي الأيرلندي ”جورج برنارد شو”,والثانية هي ”جمعية العقليين” وكان تركيزها الأساسي في المجال العلمي والفلسفي.حيث تأثر بتشارلز داروين خاصة بنظريته حول النشوء والارتقاء,وبعد أن عاد إلي مصر حاول نشر هذه الأفكار والمبادي بين فئات المجتمع المصري وطبقاته الاجتماعية عامة.هكذا تشعب النشاط العلمي والفكري والثقافي لسلامة موسي,متأثرا بعددا من كبار العلماء والأدباء الغربيين مثل ”سيجموند فرويد”,”هنري إبسن”,”دستوفسكي”,إلي جانب المفكرين المصريين مثل الشيخ محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وأحمد لطفي السيد وفرح أنطون,ويعقوب صروف وأمين المعلوف ومحمود عزمي وأحمد شوقي وعثمان صبري وجرجي زيدان وحافظ إبراهيم وشبلي شميل ومحمود عزمي وعبد الرحمن البرقوقي وغيرهم.
*اتجاهاته السياسية:
بعد اطلاعه علي هذه الثقافات وعشقه لمطالعة الصحف والمجلات بجميع اللغات الأجنبية واهتمامه بمجال الكتابة والتأليف تفجرت البذرة الأولي لدي سلامة موسي في مجال العمل الصحفي منذ عام 1909 حيث نشر أول مقال صحفي في مجلة ”المقتطف”,تحت عنوان”نيتشه وابن الإنسان” وصاغها بأسلوب أدبي رفيع.(بصفة عامة يمكن القول إن الاتجاه السياسي كان الأكثر إلحاحا في مشواره الصحفي الطويل,وحتي في جميع مؤلفاته وإصداراته سواء التي نشرت أثناء حياته أو طبعت له بعد وفاته,وتمثلت أهم القضايا التي تبناها وكافح من أجل دعمها في المجتمع المصري في نشر الوعي الديني والثقافي والاقتصادي ومكافحة الفقر والجهل والمرض والإيمان بالغيبيات والنهوض بالمرأة الريفية بصفة خاصة والدعوة إلي التعليم وضبط النسل,ووجه جهوده لخدمة قضايا التنوير والعدل والحرية والمساواة والديموقراطية,ومقاومة الفساد والاستعمار في كافة صوره,وآمن سلامة موسي بالاشتراكية والتعاون بين أفراد المجتمع متأثرا بآراء كارل ماركس,وأن الشعب هو أساس كل شئ,ودعا كذلك إلي قيادة المظاهرات والثورات الشعبية من أجل إحداث التغيير والإصلاح الجذري,رافضا الاتجاه إلي العنف في سبيل نشر هذه الأفكار السياسية وهو ما تضمنه كتابه ”الاشتراكية” الذي نشر عام 1913,وأسس سلامة موسي عام 1921 بالاشتراك والتعاون مع كل من محمود حسني العرابي,ومحمد عبد الله عنان والدكتور علي العناني الحزب الاشتراكي الذي لم يستمر طويلا,وتسببت هذه الآراء في إثارة العديد من المشاكل بينه وبين السلطات التي ظلت تلاحقه منذ صدور أول مقال له,فتم اعتقاله أثناء فترة وزارة إسماعيل صدقي عام 1946 بتهمة دعوته لنشر مبادئ الشيوعية الجمهورية,وتحريض الأفراد علي إثارة الثورة ضد النظام الملكي القائم.لذلك كان من أشد المؤيدين لثورة 23يوليو1952,وساند إعلان مبدأ الجمهورية وسقوط العرش وخلع الملك فاروق عنه.وهي الفكرة التي سبق وأن أكدها ودعا إليها في بداية الخمسينيات من القرن العشرين في إحدي مقالاته,وكانت بعنوان ”من أحمس إلي جمال عبد الناصر”,وفي مجلة ”مسامرات الجيب” نشر أيضا عدة مقالات في نفس الفترة يدعو فيها إلي تأميم قناة السويس الذي تم بعد ذلك بنحو ست سنوات.
*أهم مؤلفاته:
ترك سلامة موسي ثروة علمية وثقافية ضخمة من الكتب والمؤلفات التي طبع الكثير منها أكثر من مرة وأشهرها: ”مقدمة السوبرمان” 1910,”ونشوء فكرة الله” 1912,”الاشتراكية” 1913,”ترجمة الجريمة والعقاب لدستوفيسكي” 1913,”أشهر الخطب ومشاهير الخطباء” 1924,”أشهر قصص الحب التاريخية” 1925,”أحلام الفلاسفة” 1926,”مختارات سلامة موسي” 1926,”حرية الفكر وأبطالها في التاريخ” 1927,”العقل الباطن ومكنونات النفس”1927,”تاريخ الفنون وأشهر الصور” 1927,”اليوم والغد” 1928,”نظرية التطور وأصل الإنسان” 1928,”قصص مختلفة” 1930,”في الحياة والأدب” 1930,”ضبط التناسل ومنع الحمل” 1930,”جيوبنا وجيوب الأجانب” 1931,”غاندي والحركة الهندية” 1934,”السيكولوجية في حياتنا اليومية” 1934,”النهضة الأوربية” 1934,”مصر وأصل الحضارة” 1935,”الدنيا بعد 30عاما”,”التجديد في الأدب الإنجليزي الحديث”,”الشخصية الناجحة”,”كيف نسوس حياتنا بعد الخمسين”,”حرية العقل في مصر”,”البلاغة العصرية واللغة العربية”,”التثقيف الذاتي”,”عقلي وعقلك”,”فن الحياة”,”تربية سلامة موسي”,”طريق المجد للشباب”,”محاولات سيكولوجية”,هؤلاء علموني,كتاب الثورات,الأدب للشعب,المرأة ليست لعبة للرجل,برنارد شو,أحاديث إلي الشباب,مشاكل الطريق للشباب,مقالات ممنوعة,انتصارات إنسان,الإنسان قمة التطور,افتحوا لها الباب,الصحافة حرفة ورسالة,زوجي تزوج,معجم الأفكار,إلي جانب العديد من الصحف والمجلات التي أصدرها وفتح صفحاتها للكتاب الشباب آنذاك منهم نجيب محفوظ ويوسف السباعي ويحيي حقي وحسين مؤنس,مثل صحيفة ”اليومية” 1950بالتعاون مع صديقه وديع صليب وهي جريدة سياسية,مجلات ”المستقبل 1914 وهي مجلة فكرية ثقافية,”المجلة الجديدة” 1929,وهي مجلة ثقافية تنازل عن ترخيصها سنة 1924 إلي جماعة الفن والحرية,”المصري” 1930وهي أشبه بمجلة عامة منوعة,”المجلة الجديدة الاسبوعية” 1934 وهي ثقافية,وأثناء حياته التي بلغت 71عاما تعرف علي كثيرين من الأدباء والعلماء في عصره مثل عثمان صبري,الآنسة مي,طه حسين,أمين المعلوف,جرجي زيدان,عبد الرحمن البرقوقي,أحمد شوقي,حافظ إبراهيم,شلبي شميل,محمود عزمي وآخرين,وعمل في صحف عديدة أهمها ”اللواء”,”المحروسة”,كل شئ,الجامعة,البلاغ,مصر,النداء,الإنذار,الوفد المصري,مجلة الشئون الاجتماعية,صوت الأمة,الاثنين,المسائية,الكاتب المصري,أخبار اليوم,الهلال.