“حين أعود إلى السنين الماضية، أحس بالرضا، إن لم يكن السرور، بأننى عشت حياة حافلة بالأفكار العميقة، والإقتحامات الذهنية، والشهوات العليا.. وأنى قد احترفت العلم والأدب والفلسفة، وألفت الكتب، وصرت عضواً مقلقاً للمجتمع المصرى، مثل ذبابة سقراط.. أنبه الغافلين، وأثير الراكدين، وأقيم الراكعين الخاضعين.”
هكذا يقدم لنا الكاتب الكبير وأحد مفكرينا القلائل الأستاذ سلامة موسى نفسه فى أحد كتبه التى بلغت سبعة وأربعين كتابا فى شئ أنواع المعرفة.
من عجب أن تأتى الذكرى السادسة والخمسين لرحيله دون أن يذكره أحد، فقد عاش 1887- 1958 مظلوما ومات كذلك ومازال، مع أن الرجل عاش مصريا وطنيا مفكرا واهبا كل قدراته وماله وموهبته من أجل رسالته التى كانت تنادى باستقلال مصر عن تركيا وانجلترا، دخول عصر الصناعة وصناعة الآلة فى مصر، القضاء على الجهل والفقر والمرض، الاهتمام بالتعليم والشباب وعدم الفصل بين الجنسين، فصل الدين عن الدولة، تعليم المرأة وخروجها للعمل فى المجتمع، القضاء على الغيبيات والخزعبلات والاتجاه للعلم والتنوير والانفتاح على العالم حتى يصبح الإنسان المصرى عالميا، الاهتمام باللغة العربية .
ولد سلامة فى مدينة الزقازيق بالشرقية فى أسرة تنعم برغد العيش، إذ كان أبوه رئيس شئون مديرية الشرقية بالاضافة الى مائة فدان يملكها، توفى والده وعمرطفله سنتين فعرف الوحدة من صغره، لكنه إستفاد بها فى القراءة والاضطلاع. فى سنة 1903 حصل على الشهادة الابتدائية فترك الزقازيق الى القاهرة للدراسة الثانوية، فى القاهرة أخذ يعب من الثقافة ويشبع فهمه من القراءة فى الأدب العربى والأجنبى قرأ لفولتير، وروسو، وموباسان، ونيشة وفرح أنطون وأحمد لطفى السيد ويعقوب صروف وغيرهم.
التحق سلامة بمدرسة التوفيقية الثانوية ثم مدرسة الخديوية لكنه لم يستفد من دراسته وشعر أن الاستعمار والحكومة لا تشجع التلاميذ على الدراسة حتى ينتشر الجهل، ومع ذلك إهتم طفلنا بشراء الكتب والمجلات والاستفادة من وجوده فى العاصمة، كان التثقيف الذاتى هو ملجأه للمعرفة والثقافة، لم تكن لديه مشكلة مادية، فقد ترك له أباه مرتباً شهرياً من الميراث يعادل 25 وأكثر مما جعله لايفكرفى العمل بل كان أمله فى المعرفة، وأن يأكل المعرفة أكلا، على حد قوله. ولما لم يجد فائدة فى دراسته الثانوية قرر أن يسافر إلى أوروبا العالم الجديد حتى يتعلم حقا، وبخاصة أن المال موجود، وفعلا سافر سلامة أولا الى فرنسا سنة 1907 فى باريس أصيب سلامة بصدمة حضارية لم يكن يتوقعها، فقد قرأ كثيرا عن باريس وأدبائها ومفكريها، لكن هناك فرق بين أن تقرأ عن مكان وتقوم بزيارته، هذا ما شعر به سلامة الشاب المصرى الذى يسافر لأول مرة إلى أوروبا، ودفعته الصدمة والفرحة إلى أن يتعلم اللغة الفرنسية ليقرأ الصحف ويذهب إلى دور السينما والمسرح ويعيش فى قلب المجتمع الفرنسى، ولشد ما أعجبته المرأة الفرنسية المتعلمة المتحررة السافرة المحترمة فى ذات الوقت شعر بحزن شديد على وضع المرأة المصرية. عاد سلامة الى مصر ومكث شهرين فيها ثم سافر الى لندن بعد ذلك، ومرة ثانية يغوص فى المجتمع الانجليزى وساعده على ذلك إتقانه للغة الانجليزية.عاش شابنا فى لندن أربع سنوات لا هم له إلا قراءة صحف الصباح والذهاب الى الندوات والمتاحف والتحق بالجمعية الغابية، التى كانت تنشر الفكر الاشتراكى بين الناس بالتدريج، وصادق الأديب برنارد شو وقرأ كل مؤلفاته واستمرت الصداقة بينما حوالى أربعين عاما، وجمع بينهما عشق الفكر والأدب واحترام الانسان والبعد عن الغيبيات، كذلك فان كل منهما لم يستكمل دراسته الجامعية واعتمد على التثقيف الذاتى، كذلك أعجب سلامة بمبدأ النباتين وحاول أن يكون كذلك لكنه لم يستطع بعد أن تدهورت صحته وضعف.
عرف سلامة أيضا طريقه الى جمعية العقليين وشغف بقراءة مؤلفاتهم المبسطة التى تنادى بتعظيم العقل فى حياتنا.
كان سلامة كثير التأمل فى حياة الناس وعاداتهم وتقاليدهم، كذلك كان يتأمل حياته ويبحث عن مستقبله الذى لم يحدده لعد وهو يعيش فى لندن، وفى ليلة هادئة سأل نفسه:
ماذا أنا فاعل فى هذه الدنيا؟ ووجد الاجابة تفرض نفسها عليه: أريد أن أعرف كل شئ، أن أكل المعرفة أكلا، أن أعود الى بلدى مصر وأكافح الانجليز حتى يتركوا وطننا، أكافح هذا الشرق المتعفن الذى تغل فيه ديدان التقاليد والجهل والمرض، أريد لبلادى الحرية والديمقراطية والعلم والمدنية والمرأة المتعلمة الجديدة التى تتساوى مع الرجل فى كل شئ.
هكذا حدد سلامة هدفه وعمله وهو فى لندن، ثم عاد الى مصر سنة 1911 ليبدأ كفاحه ونضاله ورسالته من أجل مصر.
كانت وسيلته الأولى فى كفاحه هى الكتابة فى الصحف واصدار الكتب، فكتب فى المقنطف والهلال واللواء والبلاغ وجريدة الأخبار وأصدر سنة 1914 مجلة المستقبل وبعد إلغائها أصدرالمجلة الجديدة 1929 التى كانت طليعة المجلات التنويرية فى مصر، وإستكتب سلامة فيها: طه حسين،إبراهيم ناجى، ذكى نجيب محمود، زكى مبارك وغيرهم من كبار الكتاب. فى مجال نشر الكتب أصدر سلامة أربعين كتابا فى حياته منها: تربية سلامة موسى، مقدمة السوبر مان، أحلام الفلاسفة، أسرار النفس، مصر أصل الحضارة..الخ.
بالاضافة الى كتاباته اشترك سلامة فى مظاهرات الشباب وسجن وهو فى الستين من عمره، وأسس الجمعيات الوطنية مثل جمعية المصرى للمصرى1931، وساهم فى تأسيس الحزب الاشتراكى- وليش الشيوعى- كما نادى بتأميم قناة السويس 1950، وإقامة الجمهورية، وكان المسيحى الوحيد الذى نادى باقامة إحتفالية على مرور ألف عام على تأسيس الجامع الأزهر، واكتشف موهبة نجيب محفوظ ويحيى حقى وغيرهما.
عندما قامت ثورة يوليو 1952 إنخفض ضغط الدم المرتفع عنده ووزع الشربات على أهل البيت والحى، فقد وجد فيها تحقيقا لأهدافه ورسالته فى البداية.
سلامة موسى أسطورة مصرية ومفكر تفخر به مصر لكن أحدا لا يذكره فى نفس الوقت الذى يقول عنه المستشرق الفرنسى (بيير تييه): ان المصرى الذى لم يقرأ سلامة موسى يعتور ثقافته ووطنيته كثير من النقصان.
هكذا يقدم لنا الكاتب الكبير وأحد مفكرينا القلائل الأستاذ سلامة موسى نفسه فى أحد كتبه التى بلغت سبعة وأربعين كتابا فى شئ أنواع المعرفة.
من عجب أن تأتى الذكرى السادسة والخمسين لرحيله دون أن يذكره أحد، فقد عاش 1887- 1958 مظلوما ومات كذلك ومازال، مع أن الرجل عاش مصريا وطنيا مفكرا واهبا كل قدراته وماله وموهبته من أجل رسالته التى كانت تنادى باستقلال مصر عن تركيا وانجلترا، دخول عصر الصناعة وصناعة الآلة فى مصر، القضاء على الجهل والفقر والمرض، الاهتمام بالتعليم والشباب وعدم الفصل بين الجنسين، فصل الدين عن الدولة، تعليم المرأة وخروجها للعمل فى المجتمع، القضاء على الغيبيات والخزعبلات والاتجاه للعلم والتنوير والانفتاح على العالم حتى يصبح الإنسان المصرى عالميا، الاهتمام باللغة العربية .
ولد سلامة فى مدينة الزقازيق بالشرقية فى أسرة تنعم برغد العيش، إذ كان أبوه رئيس شئون مديرية الشرقية بالاضافة الى مائة فدان يملكها، توفى والده وعمرطفله سنتين فعرف الوحدة من صغره، لكنه إستفاد بها فى القراءة والاضطلاع. فى سنة 1903 حصل على الشهادة الابتدائية فترك الزقازيق الى القاهرة للدراسة الثانوية، فى القاهرة أخذ يعب من الثقافة ويشبع فهمه من القراءة فى الأدب العربى والأجنبى قرأ لفولتير، وروسو، وموباسان، ونيشة وفرح أنطون وأحمد لطفى السيد ويعقوب صروف وغيرهم.
التحق سلامة بمدرسة التوفيقية الثانوية ثم مدرسة الخديوية لكنه لم يستفد من دراسته وشعر أن الاستعمار والحكومة لا تشجع التلاميذ على الدراسة حتى ينتشر الجهل، ومع ذلك إهتم طفلنا بشراء الكتب والمجلات والاستفادة من وجوده فى العاصمة، كان التثقيف الذاتى هو ملجأه للمعرفة والثقافة، لم تكن لديه مشكلة مادية، فقد ترك له أباه مرتباً شهرياً من الميراث يعادل 25 وأكثر مما جعله لايفكرفى العمل بل كان أمله فى المعرفة، وأن يأكل المعرفة أكلا، على حد قوله. ولما لم يجد فائدة فى دراسته الثانوية قرر أن يسافر إلى أوروبا العالم الجديد حتى يتعلم حقا، وبخاصة أن المال موجود، وفعلا سافر سلامة أولا الى فرنسا سنة 1907 فى باريس أصيب سلامة بصدمة حضارية لم يكن يتوقعها، فقد قرأ كثيرا عن باريس وأدبائها ومفكريها، لكن هناك فرق بين أن تقرأ عن مكان وتقوم بزيارته، هذا ما شعر به سلامة الشاب المصرى الذى يسافر لأول مرة إلى أوروبا، ودفعته الصدمة والفرحة إلى أن يتعلم اللغة الفرنسية ليقرأ الصحف ويذهب إلى دور السينما والمسرح ويعيش فى قلب المجتمع الفرنسى، ولشد ما أعجبته المرأة الفرنسية المتعلمة المتحررة السافرة المحترمة فى ذات الوقت شعر بحزن شديد على وضع المرأة المصرية. عاد سلامة الى مصر ومكث شهرين فيها ثم سافر الى لندن بعد ذلك، ومرة ثانية يغوص فى المجتمع الانجليزى وساعده على ذلك إتقانه للغة الانجليزية.عاش شابنا فى لندن أربع سنوات لا هم له إلا قراءة صحف الصباح والذهاب الى الندوات والمتاحف والتحق بالجمعية الغابية، التى كانت تنشر الفكر الاشتراكى بين الناس بالتدريج، وصادق الأديب برنارد شو وقرأ كل مؤلفاته واستمرت الصداقة بينما حوالى أربعين عاما، وجمع بينهما عشق الفكر والأدب واحترام الانسان والبعد عن الغيبيات، كذلك فان كل منهما لم يستكمل دراسته الجامعية واعتمد على التثقيف الذاتى، كذلك أعجب سلامة بمبدأ النباتين وحاول أن يكون كذلك لكنه لم يستطع بعد أن تدهورت صحته وضعف.
عرف سلامة أيضا طريقه الى جمعية العقليين وشغف بقراءة مؤلفاتهم المبسطة التى تنادى بتعظيم العقل فى حياتنا.
كان سلامة كثير التأمل فى حياة الناس وعاداتهم وتقاليدهم، كذلك كان يتأمل حياته ويبحث عن مستقبله الذى لم يحدده لعد وهو يعيش فى لندن، وفى ليلة هادئة سأل نفسه:
ماذا أنا فاعل فى هذه الدنيا؟ ووجد الاجابة تفرض نفسها عليه: أريد أن أعرف كل شئ، أن أكل المعرفة أكلا، أن أعود الى بلدى مصر وأكافح الانجليز حتى يتركوا وطننا، أكافح هذا الشرق المتعفن الذى تغل فيه ديدان التقاليد والجهل والمرض، أريد لبلادى الحرية والديمقراطية والعلم والمدنية والمرأة المتعلمة الجديدة التى تتساوى مع الرجل فى كل شئ.
هكذا حدد سلامة هدفه وعمله وهو فى لندن، ثم عاد الى مصر سنة 1911 ليبدأ كفاحه ونضاله ورسالته من أجل مصر.
كانت وسيلته الأولى فى كفاحه هى الكتابة فى الصحف واصدار الكتب، فكتب فى المقنطف والهلال واللواء والبلاغ وجريدة الأخبار وأصدر سنة 1914 مجلة المستقبل وبعد إلغائها أصدرالمجلة الجديدة 1929 التى كانت طليعة المجلات التنويرية فى مصر، وإستكتب سلامة فيها: طه حسين،إبراهيم ناجى، ذكى نجيب محمود، زكى مبارك وغيرهم من كبار الكتاب. فى مجال نشر الكتب أصدر سلامة أربعين كتابا فى حياته منها: تربية سلامة موسى، مقدمة السوبر مان، أحلام الفلاسفة، أسرار النفس، مصر أصل الحضارة..الخ.
بالاضافة الى كتاباته اشترك سلامة فى مظاهرات الشباب وسجن وهو فى الستين من عمره، وأسس الجمعيات الوطنية مثل جمعية المصرى للمصرى1931، وساهم فى تأسيس الحزب الاشتراكى- وليش الشيوعى- كما نادى بتأميم قناة السويس 1950، وإقامة الجمهورية، وكان المسيحى الوحيد الذى نادى باقامة إحتفالية على مرور ألف عام على تأسيس الجامع الأزهر، واكتشف موهبة نجيب محفوظ ويحيى حقى وغيرهما.
عندما قامت ثورة يوليو 1952 إنخفض ضغط الدم المرتفع عنده ووزع الشربات على أهل البيت والحى، فقد وجد فيها تحقيقا لأهدافه ورسالته فى البداية.
سلامة موسى أسطورة مصرية ومفكر تفخر به مصر لكن أحدا لا يذكره فى نفس الوقت الذى يقول عنه المستشرق الفرنسى (بيير تييه): ان المصرى الذى لم يقرأ سلامة موسى يعتور ثقافته ووطنيته كثير من النقصان.