عندما أتكلم عن الغضب القبطي الذي انفجر في أعقاب جريمة الإسكندرية الإرهابية أقول إنني أتفهم مبرراته التي لا أقصرها علي الجريمة وحدها وآثارها الدامية البشعة,بل أعرف أنها تمتد إلي ما قبل الجريمة عبر ماض طويل من التمييز والتهميش والتفرقة….لكن في ذات الوقت أرفض تماما قبول أو تبرير الغضب الصارخ الزاعق المنفلت المدمر, فلا توجد ذريعة أيا كانت تسمح بالغضب الغوغائي الخارج علي القانون…ويجب أن يدرك الأقباط الغاضبون أنهم ليسوا وحدهم بل مصر أثبتت أنها حزينة باكية غاضبة مثلهم وذلك انعكاس رائع لانصهار الهم القبطي في الوعاء الوطني, ومن الأهمية بمكان ألا يفقدوا هذا التكاتف وتلك المؤازرة.
الأيام القليلة الماضية حملت لنا أمثلة عظيمة للوفاق والإجماع الوطني أمام كارثة الإسكندرية وبشاعتها…الجميع يتحدثون عن المبادرات الدافئة المعزية المشجعة من إخوتنا المسلمين للمشاركة في استنكار الجريمة…الجار, الصديق, الزميل, حتي الغريب الذي لا يعرفونه, لم يترددوا في التعبير عن بالغ حزنهم وجزعهم إزاء ما حدث وأنه يمثل وصمة عار يجب أن تتصدي لها مصر كلها….لم يخل الأمر من إخوة وأخوات يعتذرون عما حدث لمجرد إدراكهم أنهم مسلمون وتصورهم أن الجاني مسلم أيضا…لكن كان علينا دوما أن نؤكد أن المؤازرة عزيزة علي قلوبنا بينما الاعتذار لا محل له فكلنا تحت مظلة هذا الوطن مصابون وعلينا إخراجه من أزمته وإنقاذه من الذين يبغون به شرا.
كثير من الكتابات وصلتني تحمل مشاعر متباينة, بعضها ينفس عن الغضب بلا تحتفظ وبعضها نجح في تلمس سبيل الغضب النبيل الذي يدرك الواقع وفي نفس الوقت يستثمر الغضب في تمهيد طريق الإصلاح والتغيير…وكان من أروع ما وصلني هذا النثر الذي نظمه عقل وقلب صديقة عزيزة هي السيدة ليلي فرج التي أصرت أن أشير إليها علي أنهابنت مصرية لكني شعرت أنني مدين لها ولمصر بنشر اسمها تحية لها لأنها وسط وطأة المحنة والألم والدموع استطاعت أن تتسلح بالغضب النبيل…إنها دعوة لكل شبابنا لكبح جماح الغضب الهادر…تقول ليلي فرج في سطورها التي أعطتها عنوانأعطوا مكانا للغضب…ولا تنتقموا لأنفسكم:
لو انتقمنا نبقي انهزمنا
ولو سكتنا دي مش حلول
طب ربي قوللي وكون دليلي
إيه العمل؟…إيه الأصول؟
نسكت؟.. مش بالضرورة قوة
ممكن يكون ضعف وخمول
نقتل؟…أبدا دي مش حلول
ده إنت طول الزمن تقول
اغفر وسامح وحب وابذل
وبرضه لازم تلاقي حلول
وكون في حبك قوي وإيجابي
وارفع صوتك واصرخ وقول
الحق واجب يرجع لصاحبه
والظلم باحلم إنه يزول
ياما قالولنا نغفر…نسامح
من غير حتي ما يدوا الحلول
ياما علمونا نقبل ونسكت
وحرموا علينا نصرخ…نثور
أنا مش هاكسر ولاهادمر
أنا بس نفسي أصرخ وأقول
إني اتجرحت وجرحي غائر
ولازم أرفض من غير فتور
لكن مش هاغامر…هاكون مسامح
واتبع طريقك ربي الغفور
انت فاهمنا وفاحص قلوبنا
وعارف غضبنا مش راح يطول
انت يا ربي ها تهدي نفسي
عشان أطلب حقوقي بالأصول
يارب ارحم…يارب عزي
يارب أرشد…واشفي العقول