ونحن نحتفل باليوبيل الذهبي لجريدة ”وطني” يتصادف أن أعرض اليوم لمشكلة عمرها خمسة وعشرون عاما ولا تزال تستعصي علي العلاج:إنها مشكلة دير العذراء بجبل أسيوط التي تبدأ وقائعها عام 1983 -أي مر عليها من الزمن ربع قرن- ولم يتم حسمها بعد…وقد تناولت تفاصيل المشكلة عدة مرات بأمل أن يتحرك المسئولون دون جدوي,وها أنا أعود بمناسبة اليوبيل الفضي للمشكلة لأعرضها متسائلا:ألا يكفي خمسة وعشرون عاما من المعاناة أم هناك المزيد؟!!
دير العذراء بجبل أسيوط من الأماكن السياحية العالمية ودرة نفيسة علي خريطة السياحة الدينية لأنه مقام علي الموقع الذي باركته العائلة المقدسة -العذراء مريم والقديس يوسف النجار والطفل يسوع-وأقامت فيه ردحا من الزمن منذ ألفي عام لدي مجيئها إلي مصر,والدير يحتضن المغارة المقدسة التي أقامت فيها العائلة المقدسة.
بالإضافة إلي القيمة التاريخية العظيمة للدير فإن منشآته العديدة التي تصطف فوق الجبل في تناسق معماري ملفت تفصلها عن الطريق الرئيسي أسيوط -الغنايم قطعة أرض فضاء محصورة بين الطريقين الفرعيين المتفرعين من الطريق الرئيسي والموصلين للدير,وتعتبر قطعة الأرض الفضاء هذه بمثابة الحرم البصري الذي يبرز معالم الدير والذي لا يختلف المخططون علي حتمية تركه خاليا من المباني لعدم تشويه منظر الدير بمبان متداخله معه وحتي تقوم هذه الأرض الفضاء بدور التحضير النفسي والبصري للمقبلين علي الدير من الطريق الرئيسي,فيمكن زراعتها وتنسيقها لأداء هذا الدور,لكن أبدا لا يمكن إقامة مبان عليها بأي حال من الأحوال…فماذا حدث في هذا الخصوص؟
**بتاريخ 8/8/1983 اجتمعت لجنة مشكلة من مدير منطقة آثار مصر الوسطي وكبير مفتشي آثار أسيوط ومفتش المنطقة ورئيس الأملاك وقررت بعد بحث الأمر ترك قطعة الأرض المذكورة حرما لدير العذراء حفاظا علي واجهته وإبرازا لها بما يتفق مع ما لمباني الدير من قيمة جمالية وتاريخية…وعادت اللجنة للاجتماع عدة مرات أبرزها في تاريخ 24/7/1984 وفي تاريخ 19/5/1993,وأكدت قرارها السابق.
وأرجو ملاحظة مضي عشرة أعوام منذ اجتمعت اللجنة أولا حتي آخر اجتماع لها لمجرد اتخاذ قرار والتأكيد عليه,الأمر الذي يحمل شبهة تجميد القرار ومحاولات التسويف بشأنه.
**بتاريخ14/6/1997 أرسلت منطقة الآثار كتابا إلي مديرية الأملاك بأسيوط توصي فيه بعدم التصرف في الأرض وتركها حرما حفاظا علي بانوراما الدير,وفي ذات الأسبوع أرسلت المنطقة كتابا مماثلا إلي محافظ أسيوط توصي فيه بالحفاظ علي الأرض خالية دون مبان تحجب رؤية الدير وتسئ إلي مكانته السياحية والتاريخية.,ويبدو أن كل تلك المكاتبات لم تنجح في الحد من شهية بعض الجهات في التهام الجهات وإقامة مبان عليها,الأمر الذي دعا في 29/6/1998 إلي اجتماع لجنة مكونة من مدير عام آثار مصر الوسطي ومدير الآثار والأملاك لتقرير إقامة سور حول الأرض علي نفقة الدير لمنع الزحف العمراني عليها وعملا علي حمايتها بيئيا من تحولها إلي مجمع للأنقاض والقمامة.وبعد ثلاثة أشهر وبتاريخ 29/9/1998 صدرت موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية علي إقامة السور.
**ولأن بناء السور لا يتأتي بناء علي موافقات لجان الآثار وحدها -فقرارات لجان الآثار لا تعدو أن تكون توصيات يلزم تحويلها إلي تراخيص هندسية وموافقات أمنية طالما في الأمر دير- تعطل تنفيذ السور وتحطمت جميع الجهود التي حاولت إنجازه قبل مضي القرن العشرين (أي في خلال 17عاما من بدء إثارة القضية) وأصبح الأمل أن يتم تنفيذه في القرن الواحد والعشرين (!!)…وإزاء ذلك صدرت تعليمات وزير الثقافة بتشكيل لجنة -أخري!!!- من مندوبي جميع الجهات المعنية لمعاينة الأرض -مرة أخري!!!- ولحسن الحظ…بتاريخ 25/10/2001 قررت اللجنة الموافقة علي ما قررته جميع اللجان السابقة!!!
**كل ذلك لم يستطع زحزحة السلطات المحلية والأمنية لإعطاء الموافقات اللازمة لبناء السور واستمرت محاولات الطامعين فيها للاستيلاء عليها وبنائها وكان ”شر البلية ما يضحك” عندما بدأت دورة الخطابات تتكرر وكأن شيئا لم يكن,وعادت منطقة آثار أسيوط لترسل في 20/2/2005 خطابا إلي مديرية الأملاك بأسيوط لتأكيد توصيتها السابق إصدارها في14/6/1997 بعدم التصرف في الأرض لأنها مخصصة حرما حفاظا علي بانوراما الدير….كذلك عادت اللجنة المكونة من مدير عام منطقة آثار مصر الوسطي ومدير عام منطقة آثار أسيوط ومدير منطقة آثار المنيا الجنوبية ومندوب الأملاك ومفتشي الآثار للاجتماع بتاريخ 21/11/2005 وقررت تأييد قرار بناء السور للحفاظ علي المكان الديني والأثري والسياحي…وآخر حلقات هذا المسلسل الهزلي كانت بتاريخ 19/3/2006 عندما ورد لمطرانية أسيوط خطاب من منطقة آثار أسيوط يفيد موافقة المجلس الأعلي للآثار علي بناء السور…لكن حتي تاريخه وبعد ربع قرن من الزمان ما زال القائمون علي الدير والمطرانية يجأرون بالشكوي من أن طلباتهم العديدة المقدمة إلي المسئولين بمحافظة أسيوط لترخيص بناء السور لا تستجاب.
***أعرفتم لماذا يصر البعض علي أن دولة المؤسسات لا تتحرك إلا بتوجيهات رئيس الجمهورية؟!!!.