أحد مدربي الفريق القومي لكرة القدم قال يوما إنه يعجز عن فهم طبيعة لاعبي الكرة المصريين أعضاء الفريق القومي, فهم يتدربون بمنتهي الإخلاص والعزيمة ويتفهمون جيدا الخطط التكتيكية وينفذونها بشكل طيب في الملعب ويعرفون تماما كل المراكز الأصلية والتبادلية التي يشغلونها…ثم يجئ الدور علي تنفيذ ذلك علي البساط الأخضر في المباريات الدولية التي تجمعهم بفرق أخري أجنبية, وبالفعل يبدأون المباراة بقدر ملحوظ من الالتزام بالخطة والتكتيك والمراكز….لكن إذا قدر أن يصاب مرماهم بهدف مبكر يحرزه الفريق الخصم تعتريهم حالة غريبة جدا من الإرتباك ويفقدون السيطرة علي الموقف ويندفعون بلا عقل علي الكرة محاولين تعويض الهدف فيفشلون في ذلك لأنهم يعودون كمن يلعب الكرة الشراب في الساحات الشعبية والأزقة!!!
تذكرت ذلك وأنا أتابع وقائع وتداعيات جمعة الإرادة الشعبية وتوحيد الصف التي دعت إليها سائر الفصائل الجمعة قبل الماضي في ميدان التحرير وباقي ميادين عواصم محافظات مصر, فقد سبقت الوقفة الموعودة تصريحات عديدة تنبئ بالتنسيق بين كل الصفوف حول نبذ الاختلاف وإعلاء المواقف والسياسات المتفق عليها ونبذ العنف من أجل توحيد كل القوي الشعبية خلف مطالب محددة لثورة 25يناير تسمح بالمضي إلي الأمان وتعويض الفاقد من الوقت والجهد الذي خسرته الثورة في الأسابيع الماضية.
أما ماحدث علي أرض الواقع فكان ما تناقلته وسائل الإعلام منذ الصباح الباكر عن الحشود المنظمة التي تحركت في مجموعات من كل حدب وصوب متجهة إلي ميدان التحرير- ومثلها في عدة مدن أخري- منها السائرون علي الأقدام يتظاهرون ويرددون الهتافات, ومنها من استقلوا الحافلات المرتبة خصيصا لنقلهم إلي غايتهم…وبثت وسائل الإعلام والفضائيات مشاهد مقلقة لتلك الحشود حيث كانت تردد هتافات دينية إسلامية وترفع أعلاما لا علاقة لها بالعلم المصري في مشاهد استفزازية تحريضية أثارت هواجس لدي الكثيرين أن ذلك اليوم قد يفرز انقسامات وصراعات بين الفصائل التي دعت إليه علي عكس المأمول.
ما أن وصلت هذه الحشود إلي ميدان التحرير حتي اندفعت لفرض سيطرتها الصوتية علي الميدان- وأقول سيطرتها الصوتية لأنها للأسف لا تعلو أن تكون ظاهرة صوتية زاعقة استبدلت بالحكمة والعقل والبرامج السياسية الصراخ والتهديد والوعيد وإرهاب الناس- وحتي عندما أرادت فصائل شباب الثورة ودعاة الدولة المدنية احتواء الموقف بترديد هتافات وطنية للتهدئة, كانت الحشود الوافدة علي الميدان تصر علي تحويل دفة الأمور نحو الهتافات الإسلامية والدينية ضاربة عرض الحائط بكل ما سبق الاتفاق عليه, وخروجا عن السياق الرئيسي لمطالب الثورة والثوار.
لم يكن أمام قوي شباب الثورة والائتلافات الحزبية المدنية إلا الانسحاب من الوقفة حقنا للدماء وتفاديا للاشتباك, وهكذا انفرد الإسلاميون-بزعامة السلفيين- بالساحة واحتلوا منصات الخطب المنصوبة في الميدان ليوجهوا منها هتافاتهم وأدبياتهم وسياساتهم التي أثبتت أنهم عادوا يلعبونالكرة الشراب ونسوا كل المبادئ والأسس التي اتفقوا عليها مع باقي الفصائل من شركائهم في الوطن!!
لست فزعا مما حدث, بل كما قلت للزملاء ولمن اتصلوا بي يتملكهم الغضب والخوف علي مصر, إن هذا العبث بمقدرات الوطن واللجوء إلي الإرهاب الصوتي لاغتصاب الإرادة الشعبية لحساب فصيل محدد دون الباقين ليس بجديد علي التيارات الإسلامية والسلفية, بل إنني أشعر بشئ من الارتباح لانفجار تلك المهاترات في هذه المرحلة وقبل حلول وقت الحسم عندما تفتح صناديق الانتخاب, لأن في ذلك تحذيرا واضحا لكل المصريين الطيبين الشرفاء ليحسموا أمرهم فيمن يثقون فيه وفيمن يستودعونه أمانة قيادة هذا الوطن في المرحلة القادمة…فمن يتلون ويخادع ثم يظهر نواياه لاختطاف الوطن لحساب أجندات خاصة, ومن يوهم شركاءه في الوطن أنه حريص علي التنسيق معهم للصالح العام ثم لا يتورع أن يطعنهم في ظهورهم عندما تحين الساعة لا يستحق أن يجلس علي المائدة الوطنية.
أولئك الذين اختطفواجمعة الإرادة الشعبية وتوحيد الصف كشفوا عن وجوههم القبيحة لأنهم صادروا الإرادة الشعبية ونجحوا بامتياز في تمزيق الصف!! وأعادونا جميعا إلي حيث كنا نقف بعيدا عنهم تفصلنا مساحة متسعة من التوجس وعدم الثقة…وكم كان موقفهم يدعو للرثاء عند ظهور زعمائهم ومتحدثيهم علي الفضائيات لتفسير ما جري من تياراتهم في تلك الجمعة البائسة, فقد عمدوا إلي تزييف الواقع وتبرئة أنفسهم وفصائلهم مما حدث مدعين عدم قدرتهم علي السيطرة علي الجموع التي ساقوها وحشدوها هم أنفسهم(!!!)…يريدون خداعنا بأنهم يستطيعون حشد الحشود وتنظيمها وتوجيهها إلي الميدان سواء سيرا علي الأقدام أو بواسطة الحافلات لكنهم في الوقت نفسه ليسوا مسئولين عما رفعته تلك الحشود من لافتات وأعلام وعما رددت من هتافات(!!!)…كا ذلك العبث بالرغم من أنه يدعو للغيثان إلا أنني كنت سعيدا به أكرر لكل من حولي: رب ضارة نافعة, هذا هو جرس الإنذار الموجه لكل مصري وطني يحب مصر ويخشي عليها من أن يخدع ويعطي صوته لهؤلاء.
الحمد لله أنجمعة الإرادة الشعبية وتوحيد الصف أظهرت لنا من يستطيع أن يحمل أمانة قيادة هذا الوطن, ومن لا يستطيع المشاركة ويصر علي لعبالكرة الشراب.