5 مليارات دولار نصيب مصر من عمليات غسل الأموال
برغم الجهود الدولية لمكافحتها لاتزال الأموال القذرة تمثل مصدر رعب وفزع لكافة الحكومات حيث يعتبرها خبراء المال والاقتصاد بمثابة تهديد صريح لاقتصادات الدول إلي جانب ما تسببه من خسائر جسيمة للدخل القومي. ويشير تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي إلي التنامي الملحوظ في عمليات غسل الأموال علي المستوي العالمي حيث يقدر حجم الأموال التي يتم غسلها سنويا بنحو 300 مليار دولار عبر 67 دولة وذلك مقارنة بعام 2001 الذي بلغ فيه حجم الأموال التي تم غسلها بنحو 37 مليار دولار, وهو ما يبين صراحة قدرة هذه الأموال علي التسلل والنفاذ بعيدا عن أية رقابة أو محاكمة.
أمام هذه الظاهرة الخطيرة كان لابد من تضافر الجهود الدولية من حيث تغليظ العقوبات وتعديل التشريعات وتشديد الرقابة وإنشاء وحدات لمكافحة غسل الأموال علي مستوي كل دولة, وكانت مصر من الدول السباقة في الانضمام لهذا التكتل العالمي وأشدها حرصا علي تطبيق المعايير الدولية في مجال مكافحة الأموال القذرة وعمليات غسلها.
وفي إطار الجهود المصرية نظمت غرفة التجارة الكندية بالقاهرة برئاسة د. فايز عزالدين ندوة موسعة لبحث الدور المصري الفعال في مجال مكافحة الأموال القذرة لبث الطمأنينة في نفوس المستثمرين وحماية المناخ الاستثماري في مصر من أي هزات أو شوائب قد تلعق به وتسيء إليه.
أكد د. فؤاد جمال رئيس البرنامج القومي للإصلاح التشريعي بمركز معلومات مجلس الوزراء أن اتساع شبكة الإنترنت بصورة كبيرة فتح آفاقا أكثر لغسل الأموال حول العالم, حيث أدي هذا الأمر إلي إنشاء مجموعة من المتخصصين في غسل الأموال علي الإنترنت.
وأضاف د. فؤاد أن ظاهرة غسل الأموال ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من عام 1920 وحتي عام 1930, ومع التطور التكنولوجي بدأت هذه الظاهرة في التوسع عالميا, وهو أمر خطير جدا لتأثيرها السلبي علي عمليات التنمية الاقتصادية, لافتا الانتباه إلي أنه كلما زادت العولمة الاقتصادية والتكنولوجية تطورا تصاعدت مواجهة الأنشطة الإجرامية تعقيدا وهو ما يحض علي ضرورة تكثيف وتطوير التعاون الدولي في هذا المضمار.
المستشار سري صيام نائب رئيس هيئة الرقابة علي المؤسسات المالية غير المصرفية ورئيس وحدة مكافحة غسل الأموال أوضح أن مصر تتسم بميزة تشريعية تجعلها في المركز الثاني بعد رومانيا من حيث تولي شخصية قضائية رئاسة الوحدة. وإن وحدة مكافحة عمليات غسل الأموال نجحت في استرداد أموال طائلة من سويسرا, إلي جانب تجميدها لتحويلات مالية تقدر بملايين الجنيهات كانت مقبلة من هولندة وسعت للتسلل ودخول مصر, بالإضافة لنحو 13 مليون يورو قيمة شيكات مزورة تم تحويلها لمصر من إيطاليا, مشيرا إلي أن مصر تطبق في جهودها المعايير الدولية المتفق عليها وما يصدر عن مجموعة العمل الدولي ولجنة بازل للمراقبة المصرفية بالنسبة للبنوك.
وأكد د. سمير الشاهد المدير التنفيذي لوحدة غسل الأموال ووكيل محافظ البنك المركزي أن هناك نظاما عالميا لتقييم مدي سلامة نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لدي كل دولة من خلال قياس مدي التزام الدولة بالتوصيات الأربعين في مجال المكافحة.
وأوضح الشاهد أن تقييم طرف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يتم كل خمس سنوات, وفي هذا الإطار فإن مصر تعد بكل المعايير عضو مؤسس في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
واستطرد د. سمير الشاهد أن التقييم يتم حاليا باستخدام منهجية موحدة تلتزم بها أية جهة تقوم بعملية التقييم, وبموجبها يتم الحكم علي مدي التزام هذه الدول خاصة فيما يتعلق بالتوصيات الأربعين, ويتم تحديد درجات التزام الدولة بكل توصية تتراوح بين ملتزم إلي حد كبير وملتزم جزئيا أو غير ملتزم.
وأشار الشاهد إلي أنه في أكتوبر من عام 2008 تم تقييم نظم مكافحة الأموال وتمويل الإرهاب المطبقة في مصر من قبل البنك الدولي. حيث قام فريق من البنك بزيارة مصر لهذا الغرض, ووجد هذا الفريق أن مصر تطبق التوصيات والمعايير المطلوبة بشيء من الحزم والصراحة إلي جانب متابعاتها المستمرة آخر تطورات هذه الظاهرة عالميا. ولقد وجد فريق البنك الدولي أن القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية تفوق بكثير هذه المعايير فعلي سبيل المثال – يقول الشاهد – إن وحدة مكافحة غسل الأموال في مصر تعمل باستقلالية تامة عن الدول, فلا أحد يتدخل في شئونها بالإضافة إلي رفع التقارير الصادرة عن الوحدة مباشرة إلي الرئيس حسني مبارك.
حذر الشاهد من حجم الأموال القذرة في العالم ووصفه بأنه خطير ويقدر بحو 300 مليار دولار سنويا, يبلغ نصيب مصر منها نحو 5 مليارات دولار مما يعني أن العولمة التي تسود العالم هيأت تربة خصبة لتهريب وتسلل الأموال القذرة من خلال دول عديدة, وهو ما يستلزم سد كافة الثغرات التي تنفذ منها هذه الأموال, خاصة البورصات حيث تتم عمليات تداول ضخة عن طريق وسطاء وشركات سمسرة.
وأكد د. فايز عزالدين رئيس غرفة التجارة الكندية في مصر أن الاقتصاد القائم علي أموال مصادرها غير شرعية لا يمكن أن يحقق تنمية حقيقية, وذلك لأن التنمية تحتاج إلي استثمارات طويلة الأجل بينما الأموال القذرة لا تعرف الصبر وتسعي للدخول في استثمارات قصيرة الأجل من المراهنات والمضاربات لأن من شأنها أن تحقق عائد سريع لضمان الخروج السريع من السوق.
وأشاد عزالدين بما شهدته القوائم المالية للشركات المصرية من تحسن ملحوظ فيما يتعلق بالالتزام بالتوقيت المحدد وجودة الإفصاح, ولكنه انتقد عدم ممارسات الإفصاح غير المالي التي تعاني قصورا شديدا ولا يقوم سوي عدد قليل من الشركات بالإفصاح عن هياكل الملكية والإدارة أو سياسات الأجور والمكافآت أو عوامل المخاطر المتوقعة مستقبلا من خلال التقارير السنوية للشركة وموقعها علي شبكة المعلومات الدولية.
ونوه د. فايز عزالدين في ختام كلمته بأهمية استكمال الحكومة لهيكل الإصلاحات الضريبية نظرا لكون التهرب الضريبي يبقي الضرائب المباشرة وغير المباشرة خارج الخطة الاقتصادية الوطنية, حيث تخسر الدخل القومي سنويا نحو 100 مليون دولار من الممولين المتهربين.