إن هذا العالم المتألم والمضطرب الذي ابتعد عن الله فقد قيمة الفرح الحقيقي والسلام الداخلي والخارجي في أشد الحاجة إلي روح فرنسيس قديس الفرح…قديس الإنجيل المعاش.هي هذه الألفية الثالثة يدعونا فرنسيس إلي العودة إلي الإنجيل…إلي فرح التطويبات…إلي المسيح فرحنا وسعادتنا الحقيقية.آمن فرنسيس بحب الله غير المتناهي له ولكل إنسان…هذا الحب الذي تجلي في مخلوقاته الجميلة خاصة في الإنسان صورة الله صورة حبه وفرحه.آمن بسر خلاصه بسر قيامته ومجده مصدر الفرح الكامل…فمارس التجرد والفقر والتجرد الكامل من حب المال والشهوة والعظمة…من الخوف والقلق…اقتداء وحبا بيسوع الذي ملك عقله وقلبه وكل ذاته…فصار نبعا فياضا لفرح بلا حدود…فرح أولاد الله!آمن فرنسيس أن هذا الفرح هبة من الله وثمرة حبه(غلا5:22) فطالما التمسه بحرارة من خلال كلمة الله(إر15:16)وفي صلاته بالدموع (مز5:8)طالما مارسه في خدمة الفقراء والمنبوذين(مز42:40)كما كتب عنه الشيلانو وبونافنتورا وغيرهم…فرح فرنسيس اسمه يسوع الذي غمره بحبه وصار بدوره عاشقا له.فلا شئ يستطيع انتزاعه منه.بل أنه بدافع رغبته الشديدة في التشبه به…هو الذي أهين وتألم من أجلنا…كان فرحه يتضاعف ويصل إلي ذروة الكمال بقدر ما كان يتقبل الإهانة والتحقير…يتقبل الألم والقسوة والحرمان!وما أروع قصة الفرح الأسمي في حواره الشهير مع الأخ ليون حيث أكد له ولإنسان اليوم أنه لا النجاح الباهر في العمل وفي الرسالة ولا حتي القدرة في عمل المعجزات كافية لتولد الفرح الكامل الذي يتحقق فقط عندما يتقبل الأخ التعب والجوع…الغضب والإهانة والضرب ونكران الجميل…في استسلام كامل لمشيئة الرب…برضي وشكر وفرح…لإنه أتاح له التشبه بيسوع المتألم الأكبر في ما واجهه من آلام الصلب ومن نكران تلاميذه وأحبائه##إني أفرح الآن في آلامي لأجلكم وأكمل ما نقص من شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة(1كو) لقد أنشد فرنسيس عندما ألقي به اللصوص في حفرة مليئة بالثلج ويوم تخلي عن كل شئ في سبيل اتباع المسيح…وكان هذا أمام والده والأسقف وشعب أسيزي…وظل ينشد في كل مراحل حياته…لإن مهمته الأساسية كانت ممارسة الفرح والسعادة في ذاته وإشاعتها من حوله.وقد ترسخ فرح فرنسيس واكتمل بقبلته للأبرص…فهي حررته من كل مخاوفه وأوهامه السابقة…وكانت انطلاقه حاسمة للتوبة ولاتباع المسيح…تلك القبلة فتحت له طريق الأخوة الشاملة وتأمله والاقتداء بالمسيح في خدمة المرذولين مصدر للفرح الكامل.أنشد فرنسيس بعمق الفرح للشمس والقمر بعد أن أصابه العمي وأصبح عاجزا عن رؤية أشعتهما,أنشد لوهج النار بعد أن فقد القدرة علي تأمل لهيبها أنشد لجمال الكائنات بعد أن أصبح شبه مقعد لا يستطيع التمتع بذلك الجمال…أنشد بكل حب وحنان من أجل كل الذين يغفرون للناس حبا لله الذي يغفر دائما وأبدا…أنشد أخيرا للموت…لإنه هو أيضا أخ محبوب ومنقذ من آلام هذا الدهر….أخ يقوده إلي حبيبه يسوع…بين أحضان الآب السماوي وجمع المخلصين الأبرار.وبعد أن اغتسلت عيناه من كل شهوة وتطهر قلبه من كل رغبة في الامتلاك,بدأ يلقي نظرة جديدة بريئة علي المخلوقات والأشخاص والأحداث…لإنه من خلالها يري حضور أب حنون يطلع شمسه وحبه علي الأخيار والأشرار دون تمييز فرح فرنسيس فرح من يري العالم بعيون غير عيون البشر فيكتشف في عمق داخله القيمة الإلهية التي تملؤه,يراه عالما غسله دم المخلص ويقوده بنعمته وبحكمته وقدرته نحو تجديده المستمر…نحو أرض جديدة وسماء جديدة…ينشد في فرح وهو في دهشة وغبطة…كان فرح فرنسيس فرحا بطوليا كان نصرا يحرزه باستمرار بفضل جهاد مرير وطويل.كان وليد آلام مبرحة وظلمات داخلية كثيفة وقلق عميق علي مصير رهبنته وأخوته الرهبان.كل هذا واجهه فرنسيس بتسليمه الكامل لمشيئة الرب فغمر نفسه السلام والفرح الحقيقي.إن فرح فرنسيس تعبير عن إيمانه برحمة الله التي تتجاوز كل خطايانا…فقد بكي فرنسيس كثيرا وبمرارة علي خطاياه وخطايا الناس….ولكنه كان يظل فرحا لإيمانه برحمة الله اللاحدودية تلك الرحمة التي تدعو إلي الرأفة بجميع الخاطئين ومحبتهم علي مثال يسوع المسيح…فرح فرنسيس فرح مشع ومضئ لمن حوله…فكان يجوب العالم بابتسامته المشرقة,ويشدو ويرنم بتحرره العميق وسعادته الداخلية…وحنينه إلي الملكوت,لأنه مقتنع بحب الله وخلاصه.فرح فرنسيس نابع من حب عميق يتقبل كل السلبيات البشرية وضعفها…ويرجو راكعا وخاشعا دائما وأبدا انتصار حب الله علي عصيان الإنسان وقساوة قلبه.فالفرح الدافق هو طابع فرنسيس…طابع تلاميذه…طابع كل مسيحي يؤمن بحب الله وبخلاصه…وقد بلغ فرح فرنسيس كماله عندما أراد أن يشارك حبيبه يسوع في آلامه علي الصليب.فتصاعدت في أعماقه تلك الصيحة الملتهبة:أسالك اللهم أن تسيطر بقوة حبك الحارقة العذبة علي نفسي وتنتزعها من كل ما هو تحت السماء كي أموت حبا بك مثلما تنازلت أنت ومت حبا بحبيأخي وصديقي.تفتقر البشرية في هذه الألفية الثالثة إلي من يلطف أحزانها وآلامها وما هو فرنسيس يدعوها اليوم إلي أن ترتفع وتتخطي شقاؤها وآلامها وترنو إلي السماء وتنشد برجاء وفرح المسيح الذي قام…تنشد بالعودة إلي الإنجيل المعاش.دعوة فرنسيس مغلفة بهالة من السحر والجاذبية…لإنها مشبعة بالفرح والرقة ونابعة من ثقته في الإنسان,صورة الله ومن إيمان مطلق في محبة الله ورحمته.دعوة فرنسيس تصلح لكل زمان ومكان لأنه رجل المستقبل أمامه نكتشف نقصنا الفادح وعجزنا المريع,ولكن شعورنا أمامه خال من كل مرارة لأن رسالته غاية في العذوبة,وتجعل الردئ يشعر أنه مدعو ليكون طيبا والطيب أنه يدعو ليكون كاملا والكامل أنه مدعو ليكون قديسا…قديسا فرحا مثله…لأن الله غمره بحبه غير المتناهي.