في الحادي عشر من سبتمبر يبدأ عامنا القبطي الجديد للشهداء الأطهار,وهو اليوم الأول من شهر توت نسبة إلي العلامة الفلكي الأول,الذي وضع التقويم المصري القديم الذي انفرد به القبط فترة طويلة من الزمن,قبل أي تقويم آخر عرفه العالم بعد ذلك شرقا وغربا,وتقديرا من المصريين القدماء لهذا العلامة,رفعوه إلي مصاف الآلهة وصار(تحوت)أو(توت)هو إله القلم,وإله الحكمة والمعرفة,وخلدوا اسمه علي أول شهور السنة المصرية أو القبطية.
كانت نشأة التقويم المصري القبطي في عام4241 قبل الميلاد أي في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد,عندما رصد المصريون القدماء نجم الشعري اليمانية المسمي باليونانيةSEIRIOS وكان يسميه المصريون(سبدتSPDT) وهو ألمع نجم في السماء بين كوكبة أو مجموعة نجوم الكلب الجبار أو الأكبرCANIS MAJORIS ويبعد حوالي8 ونصف سنة ضوئية عن الأرض,وشروقه الاحتراقيHELIACAL RISING علي الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس,وهو يوم وصول فيضان النيل إلي العاصمة(منف) يعين أعلي درجات الحر,حتي عد عند اليونان والرومان رمزا للحر,وقد حسبوا الفترة بين ظهوره مرتين,وقسموها لثلاثة فصول كبيرة هي:
(1)الفيضان-(آخت),(2)البذر(برت)أي بذر الحب أو الزراعة,(3)الحصاد(شمو)ثم إلي اثني عشر شهرا,كل شهر منها ثلاثون يوما,وأضافوا المدة الباقية وهي5أيام وربع وجعلوها شهرا سموه بالشهر الصغير (أو النسئ) فصارت السنة القبطية365 يوما في السنوات البسيطة,و366 يوما في السنة الكبيسة.
وقد احترم الفلاح المصري هذا التقويم نظرا لمطابقته المواسم الزراعية ولا يزال يتبعه إلي اليوم.
وبموجب هذا التقويم المصري يبلغ طول السنة 365 يوما+6ساعات.وبهذا يفترق طول السنة الشمسية(وهو 365يوما+5ساعات+48دقيقة+46ثانية) عن السنة المصرية بمقدار11دقيقة+14ثانية.وهذا الفرق يتجمع فيصل إلي يوم كامل في كل128سنة.
ومما هو جدير بالملاحظة أن المصري القديم مع أنه عرف الشمس وعهدها كإله باعتبارها أصل النور والحرارة,وكانت تسمي(رع)وإليها تنسب أسماء الملوك باعتبار الملك(ابن رع)…من ذلك أسماء الملوك:خفرع,منقرع(من كاو رع),ورعمسيس(ابن رع)…مع ذلك لم يتخذ المصريون القدماء الشمس أساسا للتقويم,وإنما اتخذوا نجم الشعري اليمانية (سبدت),ذلك لأن السنة الشمسية لا توصل إلي الثبات الذي تتميز به السنة النجمية القائمة علي أساس رصد الشروق الاحتراقي لنجم(سبدت)أو الشعري اليمانية.
وبموجب التقويم الشرقي اصطلح المصريون علي تحديد عيد الميلاد في التاسع والعشرين من شهر كيهك-الشهر الرابع-وأصله بالمصرية القديمة كاحركاو-الروح الأولي فوق الأرواح.
وفي أواخر القرن الثالث للميلاد ثار اضطهاد الإمبراطور الروماني ديوقليديانوس(284-313)م علي المسيحيين,ووضع الإمبراطور تخطيطا محكما لاستئصال المسيحية يقوم علي أربع نقاط:(1) قتل الأساقفة والكهنة (2) هدم الكنائس (3) إحراق الكتب المقدسة(4) طرد المسيحيين من الوظائف الحكومية وإباحة دمهم.
وقد نال قبط مصر من هذا الاضطهاد أعنفه,لأن(ديوقليديانوس) كان يري أن رأس الحية كامن في مصر,ولذلك جاء بنفسه إليها وأقسم بآلهته الوثنية أنه لن يكف عن ذبح المسيحيين بيده حتي يصل الدم المراق من المسيحيين إلي ركبة الحصان.
وشرع الإمبراطور يقتل بسيفه المسيحيين وهو ممتط صهوة جواده,وحدث عند غروب الشمس أن كبا الجواد فوقع علي الأرض,فبلغت الدماء المسفوكة علي الأرض ركبتي الجواد,وكان الإمبراطور قد كل وتعب من ذبح المسيحيين,وترك السيف في يده آثارا وجروحا فاعتبر نفسه أنه قد وفي بنذوره للآلهه,فكف عن ذبح المسيحيين.وقد أحصي عدد القتلي من المسيحيين فقيل إنه بلغ في يوم واحد840.000شهيدا.
ونظرا لفداحة ما تحمله المسيحيون في مصر في عهد هذا الإمبراطور فقد رأوار أن تبدأ في تاريخهم حلقة جديدة فأرخوا لسنة284 ميلادية وهي السنة التي اعتلي فيها الإمبراطور ديوقليديانوس عرش الإمبراطورية,ففي29 من أغسطس من تلك السنة بدأوا أول توت لسنة1قبطية ولذلك فإن التاريخ القبطي ينقص عن التاريخ الميلادي بمقدار284 سنة وصار التاريخ القبطي اتبداء من هذا التاريخ يسمي تاريخ الشهداء الأطهار.
إن الاستشهاد من أجل الإيمان كان ومازال مجد شعبنا وإكليل فخار لكنيستنا حتي عرفت في كل العصور بأنها كنيسة الشهداء.وصار تاريخها يعرف بتاريخ الشهداء وقد قال بعض المؤرخين إن عدد الشهداء الذين استشهدوا في مصر فاق عدد الشهداء من المسيحيين في كل العالم.وقد جري المثل الشهير:إن تحويل جبل من موضعه أسهل من تحويل قبطي عن معتقده.وقيل أيضا إن كل شبر من تربة مصر قد روي بدماء الشهداء.
فأقباط مصر هم نسل الشهداء الذين قبلوا الموت عن رضي,ذودا عن إيمانهم وعقيدتهم وكنيستهم,ولم يقبلوا أن يتزحزحوا عن إيمانهم يمنة أو يسرة,وبقيت كنيستنا في عقيدتها وطقوسها وتقاليدها علي قول بعض المؤرخين الأجانب صورة فريدة للمسيحية الأولي,وكأنها تحفة أثرية تتحدث عن الإيمان الرسولي في أقدم صورة له.
لذلك كان علينا أن نحافظ علي ذلك التراث المجيد,وأن تحفظ وديعة الإيمان بالروح القدس الساكن فينا علي ما يقول مار بولس الرسول,وأن نتمسك بإيماننا وعقائدنا وتراثنا وتقاليدنا,وأن لا نتزحزح عن مسلما تنا القديمة,وأن نبقي عليها ثابتين إلي النفس الأخير.فقد قال مخلصناوإنما تمسكوا بما عندكم إلي أن أجئ(الرؤيا2:25).
وعلي الذين من شعبنا وأبنائنا قد غادروا بلادهم إلي بلد بعيد أن لا ينسوا محبتهم الأولي لله ولكنيستهم,ولبلدهم مصر وأن يتحصنوا ضد كل روح غريب,روح الخطيئة والشر,وأن يسلكوا كما يحق للمسيح بكل تقوي ووقار,وأن يصلوا من أجل سلام كنيستهم وبلادهم ونصرتها علي كل الأعداء الخفيين والظاهرين,ومن أجل انتشار ملكوت المسيح,واذكروا أننا نعاني محنة كبيرة باستيلاء إسرائيل علي الأراضي المقدسة وبتخطيطها العنيد لهدم المعابد ودور العبادة ولبناء هيكلهم علي أنقاضها الأمر الذي يقود حتما إلي حرب ضروس.فصلوا ليدفع الرب البلاء,ويهيئ لنا الخلاص بشفاعة السيدة الطاهرة مريم التي تجلت علي وفي قباب كنيستها بالزيتون منذ الثاني من أبريل لسنة1968 وإلي اليوم,حزينة علي ما يجري الآن في البلاد المقدسة,وتبدو راكعة مصلية لتدفع بصلواتها الشر الذي يريده أعداء السلام,وبصلوات القديس مرقس الرسول الذي احتفلنا في الرابع والعشرين من يونية سنة1968برجوع رفاته من فينيسيا (البندقية)وروما بركة لشعبنا وبلادنا.