النقاش حول العلمانية,ورديفها,توأمها..العولمة في الفكر العربي ينحرف نحو ربط الظاهرة بالدين,أو بالخطر علي الهويةأي هوية؟وطمسها وإلغاء خصوصية المثقف العربي والثقافة العربية,دون أن يقدم أي تفسير واضح وعقلاني حول هذه التبريرات وهو منهج ليس جديدا علي المجتمعات العربية والإسلامية وما يثير الإستهجان ,ليس الربط بحد ذاته ,إنما الفهم الخاطيء بأن كل عملية تنطوي علي أحداث نقلة نوعية في حياة المواطن العربي ورفاهيته واقتصاديات المجتمعات العربية ورقيتها العلمي والتكنولوجي ترفض عضوائيا وبانغلاق حتي لو كان جوهرها يتماثل مع التجارب الإنسانية لمختلف الشعوب.
الدفاع عن رفض العولمة والعلمانية ينطلق من أن الغرب يحاول التذرع بها في مسعاه للسيطرة علي العالم وفرض النظام العالمي الجديد أو فرض طروحات ثقافة العولمة ورديفها العلمانية بالقوة.
هل طرح المعارضون معني ثقافة العولمة وتأثيرها علي الاقتصاد والرقي العلمي والحضاري؟!
هل قارنوا بين واقع الإنسان في الأنظمة التي تعتبر جزءا من العولمة والإنسان العربي في مجتمعاتنا؟!هل سأل الرافضون أنفسهم:لماذا نحن نركض للحصول علي منجزات العولمة في الوقت الذي نذم فيه العولمة,بأدوات أنتجتها ولم نعد قادرين علي الحياة والنشاط بدونها؟!
بعض المتثاقفين يتذرعون بالسلوك الاجتماعي في رفض العولمة هل سلوكنا الاجتماعي أكثر رقيا من سلوك العلمانيين أو مروجي العولمة؟
ما مميزات سلوكنا الاجتماعي؟
إذا بدأت في إعطاء نماذجمنورةلسلوكنا الاجتماعي,سألتهم بأني عدوة لشعبي وثقافتي ونفسي!!عشرات أنواع من الزواج,من زواج المسيار إلي زواج المتعة إلي زواج الفرندإلي زواج السياحة,والقائمة طويلة,هل اضطهاد المرأة واعتبارها ضلعا قاصرا ,ومجرد بضاعة يملكها رجلها وإخضاعها لمحرم لاتحرك لها بدونه,هو سلوك اجتماعي يجب حمايته من العولمة؟
هل حرمان شعوبنا العربية من حقوقها الديموقراطية وإبقاء نسب كبيرة من الأجيال الناشئة خارج المدارس ,وغياب الفصل بين السلطات واستشراء الفساد ,هو سلوك اجتماعي ننافس به فكر العولمة؟هل استمرار الحديث عن العلاج بالحجامة وبول الإبل وحبة البركة,هو سلوك اجتماعي وعلمي نتفوق علي دول العولمة,حيث يعالجون بالهندسة الوراثية ويقرأون الخريطة الجينية؟مازلنا حتي هذه اللحظة غير متفقين علي تحديد بدايات الشهور الهجرية فلكيا بينما هم يهبطون علي سطح القمر ويرتادون المريخ ويراقبون دبة النملة من خلال أقمارهم الصناعية.
وإذا عجزوا عن محاورتك يلجأون للحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن ,التي سبق وأن تناولتها في السابق ويجيئني الحوار الذي خاضته الكاتبة والمفكرة الإسلامية المصرية الجريئة الدكتورة بنت الشاطيء ضد الدكتور الراحل مصطفي محمود علي صفحات الأهرام في وقتهسنوات السبعينياتحيث شبهت دعاة الإعجاز العلمي بالحواة وأنهم نصابون متاجرون بمشاعر المسلمين المتعطشين لأي تفوق أو انتصار علمي في عصر هم فيه في مؤخرة العالم لا أتجاهل أن اليسار وقوي ثورية مختلفة ترفض العولمة من وجهة نظر فكرية وهي لاتلتقي مع وجهة النظر الدينية الإسلامية بل وبين المعسكرين خطان متوازيان لايلتقيانإلا بإذنه تعاليكما جاء في كتاب سعودي لتدريس الهندسة,ومع ذلك ربما نتفهم معارضة اليسار الثوري في أوربا للعولمة ونجد مسارات للحوار والتلاقي فهم لايرفضون العلم ولايدعون أن كتبهم المقدسة تشمل العلوم ,كما كان حال الكنيسة في العصور الوسطي حتي الإمام محمد عبده حذر من هذه الهرطقة بقوله:إن في القرآن كل مايلزم أمور الدين وليس الدنيا والسؤال التلقائي: حتي متي نبقي في أسر هذا التوجس واضعين الدين حجر عثرة في طريق تغيير واقعنا المتردي من حضيض إلي حضيض أكثر قسوة؟لن أدخل في نقاش حول صحة أو خطأ استعمال الدين كحاجز يمنع دخول العرب إلي التاريخ الحديث هناك الكثير من الطروحات التي تري المحفزات الحقيقية في الدين نحو طلب العلم والرقي. في البحث عن دوافع نشوء العولمة لابد أن نلاحظ أن تطور الوعي البشري في القرون الأخيرة,أعطي البشرية أدوات وقدرات علمية تكنولوجية ومساحات آخذة بالاتساع والتطور من الاتصالات,ونهضة اقتصادية بنسب مرتفعة جدا سنويا الأمر الذي أتاح للمرة الأولي تحقيق رفاهية كانت حلما بشريا في السابق بالطبع ظلت الشعوب العربية محافظة عليسلوكياتها الاجتماعيةوتعاني من الجهل المنتشر والمتزايد ,والفقر المدقع والبطالة المدمرة والأنظمة القمعية,وغياب نظام عربي ديموقراطي واستمرار الحكم بقوانين طواريء أو بنزوات أجهزة السلطة التي باتت تتميز في معظم الوطن العربي بكونها سلطات قبلية عائلية دينية واستبدادية.
لا أريد أن يفهم كلامي أن الرفاهية أضحت حالة اجتماعية عامة في الغرب إنما شملت أوساطا اجتماعية أكثر اتساعا وبازدياد دائم.ومقابلها نجد واقعا صعبا تعاني منه الفئات العاملة والفقيرة.
البعض يدعي أن الاستعمار هو سبب تخلف الشعوب ويتجاهلون أن الاستعمار كان من نصيب الدول المتخلفة ولم تستعمر أي دولة أو شعب متقدم اقتصاديا ونحن نحافظ علي موروثاتنا حتي لاتتناقض معسلوكياتنا الاجتماعية.رغم كل السلبيات التي رافقت هذه النهضة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية فقد بدأت تطرح مفاهيم الحرية والمساواة لكل سكان كوكبنا الأرضي العولمة أعطت قوة هائلة للأفراد والمنظمات وأصحاب الرساميل,وللسياسين التابعين لهم وأضحت السياسة مرتبطة تماما برأس المال.وما يعنيه ذلك من قدرة المتمولين علي تحويل السيء إلي جيد والعكس صحيح وعمليا دمغت الفكرة الإنسانية للعولمة بظواهر فاسدة وتحريف في توجيهها إلي مضامين استغلالية وقمعية في الداخل والخارج.
ولكن هل يمكن النظر إلي العولمة والحكم عليها ,حسب انعكاساتها وما تمثله هذه الإنعكاسات علي سائر كوكبنا؟
العولمة التي انطلقت من ازدياد الوعي الإنساني لاقيمة لها بدون استمرار تطور هذا الوعي,واستمرار انعكاسة علي النهضة العلمية والاقتصادية. إن الرقي في مستوي الحياة,ومستوي الخدمات هو الانعكاس الطبيعي لازدياد الوعي ونشوء ما يسمي بدول الرفاه الاجتماعي في أوربا هو نتيجة حتمية لاستحالة الاستمرار بالنهج الذي أعقب العولمةعصر الرأسمالية الأول وانتشار الاستعمار.
هذا لايعني أن الجميع يتمتع بنفس القدر من الرفاهية ولكن تطور الوعي يطور آليات تضع بيد المجتمع المدني قوة رقابية علي حقوق الإنسان وحقوق المواطن وتأميناته المختلفة الاجتماعية والصحية والخدماتية وحرياته الديموقراطية والثقافية والدينية والإثنية.
الإنسان لم يعد هو نفسه ذلك الإنسان عديم المعرفة التعليم ازداد نظرا لضروات تفرضها النهضة والتطور التقني والعلمي والاقتصادي والحاجة إلي علماء ومهندسين وتقنيين وإداريين ومبرمجين وموظفين..إلخ.إن النضال ضد ازدياد الفجوات في الدخل بين الأغنياء وسائر الفئات الاجتماعية لم يعد نضالا طبقيا فقط,بل هو نضال من أجل إنقاد المجتمع المدني من الفساد وما يشكله من خطورة تزايد الفجوات في الدخل ومستوي الحياة علي الواقع الاجتماعي والسياسي ,وهذا مازال صحيحا حتي اليوم وهو في صميم الفكر الذي يطرحة معارضي العولمة.
إن العولمة التي نريدها هي عولمة عادلة,تتمتع بثمارها الإنسانية كلها..وليس عددا ضئيلا من الأقوياء.