يعتبر البرفوسور ثيؤدور ليفيت الأستاذ بكلية إدراة الأعمال بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية بمثابة الأب الروحي لتعبير العولمة
لقد قام ليفيت بنشر دراسة في عام 1983 من القرن الماضي في حول موضوع بدا جديدا في ذاك الزمان وهو (عولمة الأسواق) .وربما لم يكن يتوقع الباحث الأمريكي بأن التعبير (العولمة ) سيصير تعبيرا كونيا يعرفه القاصي والداني من عم مصطفي جارنا البقال في الصعيد الي صالونات باريس وأحياء نيويورك ومطاعم بكين ومونديال جنوب افريقيا وبورصة وول ستريت. ربما يكون ليفيت قد عاصر انتشار التعبير وصيرورته أساسا للاقتصاد السياسي في عولمة الاسواق العالمية والمحلية في الألفية الثالثة حتي أنك لا تستطيع التفريق بين البائع للسلع الصينية علي أرصفة شوارع شبرا وفي أفخم محلات نيويورك وحي الشانزلزيه الراقي بباريس . ولكن ربما من المؤكد أيضا انه لم يري ما نتج وينتج وسينتج عن هذه العولمة في الاقتصاد من عولمة في الرعب الاقتصادي والخوف من بكرة!. وها هي أوربا بعد ان كادت تشكل قوة اقتصادية وسوقا ضخمة تضارع الاسواق الامريكية وتتحدي العملاق الصيني ويسيل لها لعاب الدب الروسي- ها هي نقول- تواجه انهيارت في الأسواق وتصدعات في الاقتصاد وافلاسا في المؤسسات في كثير من دولها من اليونان الي البرتغال مرورا باسبانيا وايرلندا. يتوقع الباحثون في شئون الاقتصاد السياسي والسياسات المالية في اسواق اوروبا الكبري ان تتأزم الامور المالية في ايطاليا وبلجيكا وفرنسا والمانيا .ربما يفسر ذلك تشدد المستشارة الالمانية ميريكل ومعارضتها السرعة في مساعدة البلاد التي ينهار اقتصادها وإصرارها علي أن تتحمل هذه الدول مسئوليتها وعلي أغنيائها أن يخرجوا المال (من تحت البلاطة) في بنوك سويسرا.لقد ذهب بعض الباحثين في شئون المال والاقتصاد في صحف أوربية ذات شأن في عالم المال والبورصات الي التخوف من الانهيار التام لليورو ولقد خصصت مجلة (الايكونوميست) عددا خاصا حول هذه القضية. وهناك أصوات في بلاد كثيرة في اوربا ومنها أحزاب سياسية تنادي بالخروج من دائرة اليورور والعودة الي العملة المحلية ,ولقد قام الفنان اليوناني الكبر ميكيس ثيؤدوراكيس بتكوين حزب من المثقفين والمستقلين للاحتجاج علي تدخل البنك الدولي والترويكا الاوربية في السيادة الوطنية لليونان. ولقد قرأنا مؤخرا ان الولايات المتحدة الامريكية معنية بشكل كبير بالأزمة الاوربية وأنها تبحث في البنك الدولي مساعدة الاسواق الاوربية لان انهيار اليورو سيشكل خطرا قوميا علي الاقتصاد الامريكي ذاته ورعبا كونيا بدأت تظهر أعراضه. أصبح الانسان الاوربي العادي يشرب مع قهوة الصباح جرعات مرة من الرعب والخوف ويذهب الي الأسواق للفرجة ويعود فارغا بخفي حنين والي جانب أن العشرات من المحلات والشركات قد أغلقت أبوابها وسرحت الكثيرين من موظفيها . وبدأ الكثيرون من الناس وخاصة من رجال المال والاعمال وربات البيوت والشباب في التردد علي العيادات النفسية وظهرت حالات انتحار ليس فقط في بلاد الغرب بل في الشرق القاصي والداني. ويبدي الباحثون في الطب النفسي قلقا من ظهور نوعا من (الهيستيريا ) الكونية والكلمة من اصل يوناني وهي تعني (العوز وافتقاد الضرورات) ومن ثم أخذت الكلمة طريقها الي الطب النفسي.
والسؤال ما علاقة هذا كله بالمهاجرين ؟. أول مهاجر في دين التوحيد هو ابراهيم . هاجر ابراهيم هجرة أمر الله بها في التوراة (أنطلق من أرضك وقبيلتك وبيت أبيك الي الارض التي أريك ) تك 12 :10 .هذه الطاعة لله من بعد دعوة نزلت عليه اذ راعه (أصابه الرعب) ان يتخذ قومه اصناما ألهة كما يقول القرأن في سورة الانعام (أني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض ). فحسب الروايتين نري الهجرة انسلاخا عن الضلالة السائدة والاصنام- ومنها المال- وارتماء في الحق واتخاذ الحق وطنا .يتفق المهاجرون جميعا علي ان منا من هاجر من بلادنا انسلاخا من ضلالة الجهل فسعينا في الارض نطلب علما لنمحو الذنوب بالتعليم كما تقول كتب الكنيسة ومنا من غادر هربا من ضلالة الفقر طلبا للمال لكي يساهم في رفع العناء عن كاهله وكاهل عائلته وبالتالي عن كاهل بلاده اذ استطاع الي ذلك سبيلا.ولقد ساهم المهاجرون-وهذا حق – مساهمة فعالة في تنمية اقتصاد البلاد التي هاجروا اليها كالمغاربة في فرنسا والهنود في انجلترا والعرب في اليونان والاسبان في امريكا . المهاجر بحكم الثقافة التي خرج منها _ثقافة الأقليات-حذر ومتوجس ويخشي الاندماج – الذي تنفق عليه بلاد اوربا مبالغ طائلة-ويؤدي عمله ويقبض راتبه ويعود أدراجه الي منزله حيث يعيش بقية يومه عن طريق الستالايت مع أشواق وأشجان والحان وأطعمة بلاده وأخبارها ونادرا ما يتابع أخبار بلاد المهجر من مصادرها. المهاجر يشعر انه منفيا مرتين فهو يبحث عن وجوده ولا يطيق الاحاديث ولا يتعاطي الثقافة والمال في نظره هو أصل الوجود . ولذلك فهو يشعر -خاصة اذا كان قد بدأ يقارن بين مجتمعات المهجر ومجتمعات بلاده سياسيا واقتصاديا وعلميا ويصاب بالصدمة الحضارية المعتادة – يشعر انه منفي في محيط من الحريات لا ممنوعات فيها-وهو الذي تربي علي الممنوعات في بلاده- ولهذا فهو منفي من جماعته في عالم المال لا ينتظرون منه الا فك ضيقتهم ورفع العناء عنهم. وأحيانا اذا كان المهاجر صاحب رأي يصير منفيا من جماعته وهم لا يرونه موجودا الا ماليا وهو لا يملك الا الفكر وقد أنفق معيشته علي العلم وأمن به و لانه مع العلم يسائلهم في كل حين ويرفض عداواتهم لأنفسهم وللجماعات الاخري .المهاجر صاحب المال مطلوب والمهاجر صاحب الرأي مرفوض لأن الثاني ليس من السلك وليس من النظام ولأنه يؤمن بالقلوب وليس بالجيوب هو يؤمن أنهم أي الكثيرين من أهله- علي ضلال علمي وثقافي عميم ولن تستقيم امورهم الا بتغيير أذهانهم. وهم يرون أنه قد تغير في بلاد برة وأصبح واعظا وناقدا وبخيلا . يتفنن الجميع في الاتيان باحتاجاتهم المالية ومصائبهم -سواء كان الاحتياج فعليا او احتيالا -عند اول زيارة للوطن للقريب المهاجر ولا يعنيهم افكاره الجديدة وحديثه عن كرامة الشعوب وثقافتها وديموقراطية الانتخابات التي رآها وانه في السنوات القليلة التي عاشها هناك في بلاده بره تغير فيها رئيس البلاد مرتين ورئيس الوزارة مرات والناس هي التي تختار ممثليها. هذا اذا افترضنا ان المهاجر لا يوجد عنده خلفيات عرقية او دينية تجعله يكفر كل شئ في هذه البلاد ما عدا حقه في جمع الاموال والتهرب من الضرائب وغسيل الاموال والصرف علي التطرف والمتطرفين من كل حدب وصوب.الحقيقة هي أن الانشغال بقضايا الثقافة والحقوق والمقارنات لا تأتي بمجرد خروج المهاجر فلم نري عربيا هاجر خصيصا لكي يدافع عن قضايا العرب الا اذا كان لاجئا سياسيا وهذا أمر نادر في دنيا العرب ولا نري مسلما جاء للغرب للدعوة للاسلام بل هاجروا جميعا ليرتبوا حياتهم ويستقروا ماديا وربما ليسددوا ديون رحلة تهريبهم بالمراكب كما يفعل الجيل الجديد من المهاجرين. وصارت علاقتهم ببلادهم علاقة ردود افعال مادية أو ثقافية أو حتي سياسية وفي كل هذا تسود ثقافة الانبهار والفرجة وجمع المال.الدليل علي عشوائية الهجرة والهجرة العشوائية هوندرة وجود منتدي مصري أو عربي واحد يجمع اهل الرأي والمشورة والمال ليتدبروا امر البلاد والعباد بشكل علمي واقتصادي قائم علي الدراسات كما يرون في البلادالتي يعيشون فيهاويصدق علينا ما يتندر به اليونانيون (أنه اذا اجتمع خمس يونانيون فأنهم يقومون بتأسيس سبعة أحزاب).ومن هنا يأتي النزيف المالي الذي يصيب المهاجر والبلاد التي يعيش فيها فالمهاجر-ما عدا القلة – لا يعرف من بلاد المهجر سوي الفلوس والبوليس(Le Fric et Le Flic ) علي حد قول باحث مغربي قام باعداد رسالة دكتوراة دولة في جامعة باريس حول موضوع الهجرة ما لها وما عليها ويتفنن في جمع المال لكي يؤسس بيتا له في بلاده يظل مغلقا بلا استثمار سليم في بلاد تعصف بها أزمات السكن ويشتري حتة أرض للزمن.هذا أذا لم نتكلم عن الهجرة العشوائية وما يصاحبه من مآسي ورشاوي وأفساد لضمائر الموظفين علي الحدود والتي كلفت بلد فقيرمثل اليونان اثنا عشر مليار يوروا حسب الدراسات الاقتصادية لا يعرف احد مصيرها لا أنها أموال هاربة ومهربة ومتهربة ولهذا بدأت بعض الاصوات في أثينا بتحميل بعض المهاجرين بعض من أسباب الأزمة الأقتصادية!.السبب بسيط وهو خوف المهاجر من بكرة وعدم احساسه بالانتماء لهذه البلاد التي استقبلته لسبب او لاخر وبالتالي فهو لاجئ لجمع المال .هناك من المهاجرين وهم كثرة من لا يقرأ جريدة في البلاد التي يعيش فيها لان الجريدة مكلفة مالا وتفكيرا !
فكما كان للمهاجرين دور في ضخ الصحة والعافية في اقتصاد بلاد المهجر بتعبهم وعملهم صار لهم دور في النزيف المالي الذي تعاني منه البلاد ومع ذلك تسمعهم يتذمرون قائلين (البلد وحشة ما فيهاش فلوس) وينسي او يتناسي ان البلد كانت حلوة وأن الفلوس التي اختزنها في بلاده هي فلوس بلاد المهجر الوحشة! المشكلة ان المال الذي سافر أو هرب(بضم الهاء)الي بلاد المهاجرين قلما يساهم في بنيان البنية التحتية لاقتصاد العائلة او البلد بل يصرفه الاهل والاحباء في بذخ وقتي بدون عائد استثماري ولا نعتقد أنه يمر علي المؤسسات المالية للدول من بنوك وخلافه ليضخ العافية في الاستثمارات بل هو مال سائل وسايب .لهذا نري الكثرة ممن يسمونهم -الدول المانحة _ولا مانح غير الله- قد قررت ان لا تعطي أمولا سائلة وسائبة لرؤساء الدول النامية وقادة ميليشياتها بل تنشي مشاريعا لفقراء هذه البلاد تتم بعد دراسات جدوي متعمقة . الهجرة كما أرادها الله هي بركة للأرض وسفر في الله مالك الأرض وما عليها. مرة سأل احد الصحفيين راهبة عاشت في عزلتها سنين عديدة لم تر وجه انسان (لماذا انت جالسة هنا ؟ ماذا تفعلين ؟ أجابت انا لست جالسة أنا مسافرة !) الهجرة هي سفر في وجوه وحضارات وثقافات . الهجرة ليست فقط أن لا نعرف من البلاد التي هاجرنا اليها غير المال ولغة الحقوق بل الثقافة ولغة الواجبات ومتع الحياة الراقية. أن الأنتماء المالي والروحي لبلاد المهجر سيعود بالعافية علي بلادنا الاصلية . هذا ما تؤكده الأزمة الحالية . أمانة المهاجر لخير البلاد التي اوته وتأويه سيؤدي الي تغيير في اسلوب الحياة وانماط التفكير . لم نشهد مؤسسة مهاجرة أوجماعة او أفرادا يقولون قولا مريحا او يقومون بمبادرة في ما يعترض القارة الأوربية من أزمات.أن تقوم جماعة مهاجرة بزيارة لرئيس وزراء بلدا مثل اليونان او البرتغال او اسبانيا ويقدموا له شيكا (بتعريفة) كرمزلحزنهم علي الأحوال ستقابل هذه المبادرة بالعرفان وترفع الشكوك عن الأجانب ونواياهم المالية !.ان الهيستيريا المالية التي تضرب المجتمعات الاوربية تحتاج الي صلابة المهاجر المعنوية وسخائه المادي .لا يمكن أن يخدم أحد سيدين بلاد المهجر وبلاد الموطن .ان قرار المهاجرين بالانتماء سيجعلهم محل احترام كبير في مجتمعات المهجر وستصير كلماتهم أفعالا وهنا فقط سيكونون مؤثرين في مسار الاحداث في بلادهم الأم وفي بلاد المهاجر وفي قرارتها السياسية ولنا في اليهود-مهما كان رأينا السياسي فيهم – هنا خير قدوة !. أن المال الهارب من بلاد المهجر قد أدي الي حدوث خلل كبير في التركيبة الاجتماعية للمدن والقري المصرية والعربية فبيت يأكل لانه له من هاجر وبيت يجوع لأن ليس له احد يذكره وشاب يلبس أحلي الثياب لان له من هاجر وأخر يتعري لانه ليس له ناهيك عن امور الزواج وكيف وصلنا الي أن قيمة المهر وذهب العروسة يتحدد بنوعية بلاد المهجر وقيمة عملتها في السوق السوداء المحلية وعند تجار العملة مما أدي الي انتشار ثقافة (معاك قرش تساوي قرش) . هذا الانقلاب المالي والاقتصادي _بدون وجود مؤسسات تستخدمه لخير الجميع- سبب احباطا اجتماعيا وشروخا كبيرة في المجتمع الواحد والقرية الواحدة بل والعائلة الواحدة .هذا اذ لم نتكلم عن احتمال ذهاب الاموال لتمويل جماعات وافكار لا تريد خيرا للبلاد ولا للعباد لا في الوطن ولا في المهجر. هنا يصير المهاجر ثقلا وخطرا علي بلاده الاصلية بل وملفا أمنيا ولا يسجل أسمه بفخر الا علي قوائم الانتظار في المطارات و في قائم الانتظار لا يوجد فارق بين مفكر يحب البلاد وأرهابي يدبر لخرابها علي راس العباد!بل ويصير ازعاجا لبلاده الانية بلا برنامج في بلاد يبرمج فيها لكل شئ وتعمل العقل في كل صغيرة وكبيرة وهنا يتغرب المهاجر مرتين . يصير المهاجر ليس فعلا بل رد فعل لكل خبر طائش بلا تحقيق وأسير لكل حادثة لا أساس لها ويتلقف أي اشاعة سارحة بدون توثيق في بلاد المهاجر التي لم تصل الي ما وصلت اليه الا بالبحث والتوثيق وحق المواطن في معرفة كل شئ وتفضيل المصلحة العامة علي الخاصة والمستقبل علي الماضي والحاضر .
كتب الاستاذ الشيخ مصطفي لطفي المنفلوطي القاضي الشرعي وسليل الازهر ورجل الدين المثقف البعيد النظرات العميق العبرات ! في العشرينيات من القرن الماضي (ولد عام 1876وتوفي 1924 وعاصر مصر في عافيتها الوطنية والقومية والثقافية والسياسية أيام الثورة السعدية وباشواتها الحقيقيين) يصف بواقعية شديدة حال المصري والعربي -منذ قرن من الزمان تقريبا -ويحذرهم من الهجرة الفاشلة سواء كانت الهجرة فعلية او نفسية ويقدم خارطة الطريق للهجرة النافعة فيقول (أن خطوة واحدة يخطوها المصري الي الغرب تدني اليه أجله وتدنيه من مهوي سحيق يقبر(بضم الواو) فيه قبرا لا حياة له من بعد الي يوم يبعثون. لا يستطيع المصري وهو ذلك الضعيف المستسلم أن يكون من المدنية الغربية ان دناها الا كالغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره ,ويفلت لبابه ,أو الراووق (المصفاة) من الخمر يحتفظ بعقاره, ويستهين برحيقه, فخير له أن يتجنبها وأن يفر منها فرار السليم من الأجرب.يريد المصري أن يقلد الغربي في نشاطه وخفته فلا ينشط الا في غدوته وروحته ,وقعدته وقومته ,فاذا جد الجد وأراد نفسه علي أن يعمل عملا من الأعمال المحتاجة الي قليل من الصبر والجلد دب الملل الي نفسه دبيب الصهباء في الأعضاء , والكري بين أهداب الجفون. يريد أن يقلده في رفاهيته ونعمته فلا يفهم منهما الا أن الأولي التأنث في الحركات والثانية الاختلاف في الحانات.يريد أن يقلده في الوطنية فلا يأخذ منها الا نعيقها ونعيبها وضجيجها وصفيرها, فاذا قيل له هذه المقدمات فأين النتائج أسلم رجليه الي الرياح الاربع وأستن في فراره استنان المهر الأرن (النشط) فاذا سمع صفير الصافر مات وجلا واذا رأي غير شئ ظنه رجلا. يريد أن يقلده في السياحة فلا يزال يترقب فصل الصيف ترقب الارض الميتة فصل الربيع حتي اذا حان حينه طار الي مدن أوربا طيران حمام الزاجل لا يبصر شيئا مما حوله , ولا يلوي علي شئ مما وراءه , حتي يقع علي مجامع اللهو مكامن الفجور وملاعب القمار وهناك يبذل من عقله وماله ما يعود بعده فقير الرأس والجيب , لا يملك من الأول ما يقوده الي السفينة التي تحمله في أويته ولا من الثاني أكثر من الجعالة التي يجتعلها من صاحب الجريدة ليكتب له بين حوادث صحيفته , موشاة بجمل الاجلال والاحترام ,مطرزة بوشائج الاكرام والاعظام. يريد أن يقلده في العلم فلا يعرف منه الا كلمات يرددها بين شفتيه ترديدا لا يلجأ فيه الي ركن من العلم وثيق ,ولا يعتصم به من جهل شائن. يريد أن يقلده في الاحسان والبر فيترك جيرانه وجاراته يطوون حنايا الضلوع علي امعاء تلتهب فيها نار الجوع التهابا حتي اذا سمع دعوة الي اكتتاب في فاجعة نزلت في القطب الشمالي أو كارثة ألمت بسد بأجوج وماجوج سجل اسمه في فاتحة الكتاب ورصد هبته في مستهل جريدة الحساب . يريد ان يقلده في تعليم المرأة وتربيتها فيقنعه من علمها مقالة تكتبها في جريدة أو خطبة تخطبها في محفل ومن تربيتها التفنن في الأزياء والمقدرة علي سحر النفوس واستلاب الالباب .هذا شأنه في الفضائل الغربية يأخذها صورة مشوهة وقضية معكوسة لا يعرف لها مغزي ولا يتنحي بها مقصدا ولا يذهب فيها الي مذهب فيكون مثله مثل جهلة المتدينين(كل المتدينين!) الذين يقلدون السلف الصالح في تطهير الثياب وقلوبهم ملأي بالأقذار والأكدار, ويجارونهم في أداء صور العبادات وان كانوا لا ينهون عن فحشاء ولا عن منكر , أو كمثل الذين يتشبهون بعمر في ترقيع الثياب وان كانوا أحرص علي الدنيا من صيارفة الاسرائيليين.أما شأنه في رذائلها فأنه أقدر الناس علي أخذها كما هي فينتحر كما ينتحر الغربي ويلحد كما يلحد ويستهتر في الفسوق استهتاره ويترسم في الفجور أثاره).ويدرك شيخنا الجليل ما في الغرب من حسنات فينصح صارخا (لا مانع من أن يعرب لنا المعربون المفيد النافع من مؤلفات علماء الغرب والجيد الممتع من أدب كتبهم وشعرائهم علي أن ننظر اليه نظرة الباحث المنتقد لا الضعيف المستسلم فلا نأخذ كل قضية علمية قضية مسلمة ولا نطرب لكل معني طربا مندفعا ولا مانع من أن ينقل الينا الناقلون شيئا من عادات الغربيين ومصطلحاتهم في مدنيتهم علي أن ننظر اليه نظر من يريد التبسط في العلم بشئون العالم والتوسع في التجربة والاختبار لا أن نتقلدها وننتحلها ونتخذها قاعدتنا في أستحسان ما نستحسن من شؤننا واستهجان ما نستهجن من عادتنا). هنا وهنا فقط سوف يشارك المهاجرون في رفع الرعب والغبن عنهم وعن مستقبل اولادهم وعن البلاد التي هاجروا اليها وعن أوطانهم الأم.