مرت الثلاثاء الماضي ذكري مرور عامين علي اليوم الذي ضرب فيه المد البحري ”تسونامي”, عددا من التجمعات السكانية علي سواحل المحيط الهندي, ملحقا بها خرابا شاملا ومعاناة تفوق الوصف. أصداء الخسائر الرهيبة التي تعرضت لها تلك التجمعات البشرية لازالت تتردد حتي الآن: 200 ألف قتيل, 2 مليون نازح, 370 ألف منزل مدمر تدميرا جزئيا أو كليا, علاوة علي تدمير 5000 ميل من السواحل و2000 ميل من الطرق.
وكما كانت كارثة ”تسونامي” هائلة في ضخامتها, فإنها كانت غير مسبوقة من حيث حجم استجابة المانحين, والحكومات المتأثرة والمواطنين العاديين. وقد أدت تلك الاستجابة إلي توفير الموارد اللازمة لإيواء النازحين, وإطعام الجائعين, والوقاية من الأمراض, وتحقيق أكبر قدر من التعافي من آثار الكارثة, علي مدي الاثنين وعشرين شهرا الماضية. ففي هذا الإطار, تم إعادة بناء أو ترميم 150 ألف منزل, ويتم في الوقت الراهن إعادة إنشاء 80 ألف منزل آخر. فضلا عن ذلك, هناك ما يزيد عن 1600 مدرسة ومركز صحي أعيد بناؤه, أو تحت البناء حاليا… كما بدأ السياح يعودون إلي المنطقة بأعداد كبيرة, وهو ما ساهم بدوره في تحسين معدلات النمو الاقتصادي بنسب كبيرة.
في الوقت ذاته نجد أن المهام المطروحة أمامنا كبيرة وضخمة, سواء من حيث النطاق أو التكلفة. فلا يزال هناك 200 ألف منزل في حاجة إلي إعادة بناء أو ترميم, كما أن هناك حاجة إلي بذل مزيد من الجهود في مناطق أخري, منها علي وجه الخصوص منطقة” آتشي” الإندونيسية. فالتحديات المتعلقة بإعادة تأهيل البنية الأساسية وتحسين التنمية الاقتصادية في تلك المنطقة, لا تزال هائلة. وإذا ما أخذنا حجم العمل الذي ينتظرنا في الحسبان, فإن الشيء الذي قد يشجعنا ويزيد من ثقتنا في قدرتنا علي إنجازه, هو أن الدول المانحة الرئيسية لا تزال حتي الآن محافظة علي اهتمامها بالموضوع, وهو ما يبدو لنا بوضوح إذا ما عرفنا أن من بين الثلاثة عشر مليار دولار التي تعهدت تلك الدول بمنحها من أجل مواجهة تداعيات كارثة تسونامي, هناك أحد عشر مليارا تمكنا من الحصول علي التزامات راسخة من الدول المختلفة بصرفها من أجل مواجهة احتياجات المشروعات المهمة.
لقد استكملت توا رحلتي الثالثة والنهائية للمناطق المنكوبة, بصفتي ممثلا خاصا للسكرتير العام للأمم المتحدة مكلفا بالإشراف علي جهود التعافي من آثار تلك الكارثة الطبيعية المدمرة. وخلال تلك الجولة وفي دول مثل الهند وتايلاند وإندونيسيا, رأيت نماذج مجسدة لقدرة الروح الإنسانية علي التحمل والتكيف مع نوائب الدهر, وعلي قوة العزم والتصميم علي بناء مستقبل أفضل. ومع نهاية العام الحالي سينتهي التكليف المحدد لي من قبل السكرتير العام للأمم المتحدة, وسيتم تحويل المسئولية التي كنت أضطلع بها بموجب هذا التكليف إلي الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية كي تواصل العمل من أجل معالجة آثار كارثة تسونامي. وفي الوقت الذي يستمر فيه العمل في العديد من مشروعات إعادة الإعمار والتأهيل المهمة, فربما يكون مفيدا في هذا السياق أن أبين بعض الدروس الرئيسية التي تعلمناها من خلال جهود مواجهة آثار كارثة تسونامي, وهي دروس اعتقد أنها ستساهم في تحقيق مزيد من التقدم خلال فترة أقصر, كما ستوفر قدرة أفضل علي التعامل مع الكوارث الطبيعية في المستقبل.
أولا, إننا يجب أن نعمل علي تحسين مستوي أدائنا فيما يتعلق بإدارة المخاطر. ذلك لأن التغيرات المناخية, وأنماط السلوك الإنساني المدمرة, تؤكد أن العالم سيتعرض لمزيد من الكوارث الطبيعية المدمرة في مقبل الأيام. ولكن الشيء الذي يخفف من حدة المخاوف المتعلقة بهذا الجانب هو أن المسئولين في الدول التي تأثرت بالكارثة, قد حققت تقدما ملحوظا في منظومات الإنذار المبكر, وفي وسائل الوقاية من الكوارث الطبيعية والتشريعات المتعلقة بها, وفي مجال تدريب الأفراد علي طرائق الاستجابة السريعة وتوعية الجمهور. لكن المشكلة هنا هي أن توفير الأموال اللازمة للوقاية من الكوارث, يكون عادة أصعب من توفير الأموال اللازمة للمعالجة من آثار الكوارث بعد وقوعها. فالدول والمؤسسات المانحة وحكومات الدول المعرضة أكثر من غيرها للكوارث الطبيعية, يجب أن تستثمر مزيدا من النقود لضمان وصول منظومات الإنذار المبكر إلي التجمعات البشرية في المناطق الساحلية, ولتطوير المعايير الكودية لعمليات البناء الآمن وتفعيلها, وللتدريب علي وسائل الإخلاء عقب وقوع الكوارث.
ثانيا, يجب علينا متابعة السعي من أجل إتقان القيام بجهود الإنقاذ والتعافي من آثار الكوارث, خاصة تلك التي تركز علي تحقيق المساواة والعدالة, وتكسر الأنماط السائدة التي تقترن عادة بالتخلف. ففي مقاطعة ”كادالوري” الهندية, علي سبيل المثال, يتعاون المسئولون الحكوميون مع المنظمات غير الحكومة من أجل توسيع نطاق برنامج الإسكان ومده لما بعد مرحلة تسونامي, بحيث يشتمل علي بناء مساكن للطوائف والجماعات البشرية المحرومة في الهند. ومعظم الأفراد المنتمين لتلك الجماعات لم يفقدوا منازل أو أصولا ملموسة في كارثة تسونامي, لأنهم لم يكونوا أصلا يمتلكون شيئا وإنما كانوا يعيشون في ظروف وأحوال دون المستوي اللائق بالبشر.
ولا يقتصر الأمر علي الهند, فسلطات ”آتشي” تقوم حاليا بالنظر في إيجاد حلول مماثلة بالنسبة للمستأجرين وواضعي اليد, الذين لم يكونوا يمتلكون منازل قبل أن تضرب كارثة تسونامي مناطقهم. ويجب علينا أن نشجع علي القيام بمزيد من الجهود المماثلة التي تصب كلها في مصلحة تحقيق المساواة والعدل بين البشر من خلال التحكم في عملية توزيع المساعدات.
ثالثا, يجب علينا الاعتراف بأن أي عملية إنقاذ وتعافي من آثار الكوارث, رهن بتوافر السلام. ففي ”آتشي” علي سبيل المثال, قامت الجماعات والتنظيمات المسلحة التي خاضت ضد بعضها بعضا حروبا طويلة بوضع أسلحتها جانبا, وتعليق خلافاتها المستعصية, ما وفر مناخا عاما ساعد علي تحقيق التقدم في عملية إعادة الأعمار.
بيد أن ما يبعث علي الحزن والأسي هو أن تسونامي لم يكن له وقع مماثل علي جهود المصالحة وإعادة الوئام في سريلانكا, حيث لا يزال القتال المستمر في تلك الجزيرة يعوق الجماعات المتناحرة ويحول بينها وبين استئناف الحوار وإعادة تثبيت وقف إطلاق النار, ما يعني أن سريلانكا ستظل تعاني إلي أن يتم ذلك.
الدرس الأخير, هو أنه يجب أن نبذل مزيدا من الجهد لتوظيف قدرات ومواهب رجال الأعمال المحليين, وإنشاء المشروعات, المحلية والخارجية, من أجل ترميم المجتمعات والنهوض بها مجددا, وإطلاقها علي طريق التقدم والتنمية. وتنبغي الإشارة في هذا السياق إلي أن هناك مؤسسات سواء في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أخري, قدمت مساهمات سخية لمواجهة تسونامي. غير أننا في حاجة كذلك إلي بذل مزيد من الجهود الرامية إلي إقناع المتبرعين والمحسنين بالتحول إلي مستثمرين وإلي مزودين لخدمات الدخول للأسواق الجديدة.
منذ عامين, استجاب الملايين حول العالم, وبسخاء, لمأساة إنسانية ذات أبعاد غير مسبوقة, وكان هذا شيئا مهما في الحقيقة… لكن الأهم من ذلك هو أن نواصل جهود الإنقاذ, وأن نستخدم الدروس التي استخلصناها من كارثة تسونامي لتحسين مستوي استجاباتنا علي الدوام, وأن نعمل علي تطبيقها في الواقع العملي من أجل تخفيف آثار الكوارث التي تحدث والتنبه للكوارث القادمة.
هذه في رأيي هي الطريقة الأفضل من أجل تكريم ذكري مئات الألوف من البشر الذين ماتوا في كارثة تسونامي ودعم الملايين الذين نجوا من أثارها المدمرة والذين يقومون في الوقت الراهن ببناء حياتهم مجددا.
نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية بالتعاون مع ”لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست”.