واشنطن, ##حين وصلت إلي الولايات المتحدة, خالجني شعور بأنني قد زج بي في محيط. وقد كان ذلك المحيط مليئآ بالمعرفة والثقافة والفرص المتاحة. وكان علي أن أختار, إما أن أتعلم السباحة لأعوم وإما أن يكون الغرق هو البديل.## تلك كانت كلمات العالم الأمريكي المصري أحمد زويل, التي وصف فيها شعوره وحدد فيها كذلك اختياره وهدفه منذ أن وطأت قدماه أرض الولايات المتحدة. وقد ذكر هذه الكلمات في كتابه Voyage Through Time: Walks of Life to the Nobel Prize##رحلة عبر الزمن: مسارات الحياة وصولا إلي جائزة نوبل##.
أحمد زويل أثبت أنه سباح ماهر فعلا. فإضافة إلي مركزه العلمي المتفوق الذي يحظي به في الدوائر العلمية الأمريكية والعالمية وفوزه بجائزة نوبل للعلوم في ميدان الكيمياء في العام 1999, اختاره الرئيس أوباما مؤخرا ليكون مستشارا له, وذلك ضمن المجلس الإستشاري للرئيس للشئون العلمية والتكنولوجية (PCAST), الذي يقدم التوصيات للرئيس أوباما في ما يتعلق بالسياسات القومية لرعاية ودعم ثقافة الابتكار العلمي.
والمجلس هي عبارة عن مجموعة استشارية مكونة من صفوة علماء الولايات المتحدة ومهندسيها, الذين يرفعون توصياتهم للرئيس ونائبه في ما يتعلق بالشئون العلمية والتكنولوجية. وهم كذلك يقومون بصياغة السياسة العلمية لسنوات عديدة قادمة, حيث أن التحصيل السليم للعلوم والتكنولوجيا وإنعاش وتشجيع الإبتكارات, كل ذلك يعد مفتاحا مهما لتقوية وتعزيز الاقتصاد الأميركي. وهم بدورهم يضعون كذلك بين يدي الرئيس توصياتهم من أجل سياسة علمية ناجحة تأتي بثمارها علي الشعب الأمريكي.
يشغل الدكتور أحمد زويل منصب أستاذ مادتي الكيمياء والفيزياء بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتاك) ومدير مركز علم الأحياء الفيزيائية للتكنولوجيا والعلوم فائقة السرعة الذي افتتح حديثا. وكان زويل قد منح جائزة نوبل للكيمياء في عام 1999 عن عمله الريادي في هذا الميدان, وهو العمل الذي تمثل في تمكينه العلماء من رصد التغيرات فائقة السرعة التي تحدث للجزيء.
يذكر أن زويل هو أمريكي من أصل مصري, وهو عالم يحظي باحترام بالغ, ليس فقط لكونه عالما ولكن لجهوده التي يبذلها في الشرق الأوسط كذلك. فيري كثيرون في آرائه وتوجهاته صوتا للعقل والحكمة.
ومع نهاية ثمانينات القرن الماضي, استطاع الدكتور زويل أن يستحدث طريقة جديدة لرؤية حركة الذرات والجزيئات. ويقوم هذا الاكتشاف العلمي الهام علي تكنولوجيا الليزر الحديثة, التي تقوم بإصدار ومضات ضوئية بمقدار زمني يعد بعشرات الفيمتوثانية (وهو جزء من مليون بليون جزء من الثانية). وعلي عكس ما اعتقده العديد من استحالة دراسة الأحداث التي يترتب عليها رد الفعل الكيميائي, فإن اكتشاف زويل سوف يمكن العلماء من القدرة علي الحصول علي معرفة متبصرة دقيقة والتحكم في ما ينتج من ردة الفعل هذه. ولقد كانت أبحاثه التي استخدم فيها التحليل الطيفي لوحدة قياس الزمن الفيمتوثانية هي الإنجاز الذي حصل عليه زويل علي جائزة نوبل للكيمياء.
ولد العالم أحمد زويل ونشأ بمصر وهو يحمل الجنسية الأمريكية حاليا وقد حصل علي شهادة البكالوريوس وشهادة الماجيستير من جامعة الإسكندرية, ثم كان حصوله علي شهادة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة وذلك في عام .1974 وقد التحق بعضوية هيئة تدريس كالتك عام 1976 وذلك بعد أن قضي سنتين في زمالة أي.بي.إم بجامعة كاليفورنيا- بيركلي. وهو كذلك عضو الأكاديمية القومية للعلوم وعضو الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم وعضو أكاديمية العالم الثالث للعلوم وعضو الأكاديمية الأوروبية للفنون والعلوم والعلوم الإنسانية وعضو الأكاديمية البابوية للعلوم وزميل الجمعية الأمريكية للعلوم الطبيعية.
وحصل زويل علي العديد من الجوائز الدولية, منها جائزة بينجامين فرانكلين وجائزة البرت اينشتاين وجائزة ولش وجائزة الملك فيصل وجائزة وولف وجائزة كارل زييس, وجائزة ليوناردو دافنشي للإمتياز وجائزة بوننير تشيميبريز وميدالية الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون والعلوم. وتم كذلك منحه قلادة النيل العظمي وهي تعد أرفع وسام تمنحه الدولة المصرية.
وفي إحدي صفحات كتابه الذي سماه ##رحلة عبر الزمن##, أشار زويل إلي أنه يعتبر نفسه نتاجا ثقافيا لكل من الشرق والغرب, كما أنه يدمج في تجربته العالمين اللذين ينتمي إليهما بدرجة متساوية وهما ##مصر وأمريكا## كما يقول.
عبر زويل وفي صراحة تامة عن رؤياه من أجل عالم أفضل حيث قال ##نحن العرب نستطيع أن نحقق الإنتقال إلي عالم القرن الواحد والعشرين. ولكن علي الشعوب والقادة أن ينتهجوا نهجآ جديدآ, فإن التغييرات التدريجية أو ما يطلق عليها الإصلاحات التدريجية, لم تعد ملائمة لنظام غير فعال لعقود من الزمن. يجب أن تكون لدينا ثقة بأنفسنا وأن نقوم بمشاركة المجتمع العالمي. وأن لا نلقي باللوم علي الآخرين في ما نعانيه من مشاكل أو أن نستخدم الدين من أجل تحقيق مكاسب سياسية …فبجهادنا جميعا من أجل تحقيق الحداثة والتنوير, نستطيع أن نصل إلي مكانتنا العادلة في المستقبل##.
ويقدم زويل كذلك حلولآ للتحديات العلمية التي تواجه العالم العربي. فقد اقترح إصلاح التعليم العام وذلك بالتوازي مع فتح الأبواب أمام زيادة البحث العلمي من خلال تأسيس المراكز المتخصصة لذلك وتوفير ميزانية مستقلة لها ##بعيدا عن البيروقراطية## كما وصفها زويل.
وقد كتب قائلا: ##علي مر التاريخ, تبدي الشعوب اهتمامآ بالثقافات الأخري وإجراء الحوارات وذلك من أجل المنفعة المتبادلة. فحتي في العضو الواحد من أعضاء جسد الإنسان, وهو الدماغ, فإن هناك مئة بليون نيورون تعمل معآ من أجل إبقاء الإنسان علي قيد الحياة ونحن نقوم بنفس الشيء في منازلنا وفي مدننا وفي بلادنا. وحيث إننا نعيش في عالم متشابك بينه ترابطات ومصالح, فإنه من الأفضل ومن أجل هذه المصالح القائمة بين كل من العالم الإسلامي والعالم الغربي, فينبغي لهذين العالمين أن يتواصلا في ما بينهما عن طريق إجراء الحوارات وتحقيق الاستقرار العالمي والقيام بتبادل المنافع بينهما في مجالات التكنولوجيا والتجارة والطاقة والثقافة.ويجب علينا أن لا نسمح بخلق الحواجز من خلال المفاهيم الخطابية والبلاغية مثل _صدام الحضارات_ أو_صراع الأديان_ التي ليست لها قيمة تذكر في مستقبل عالمنا##.
يو. إس. جورنال