منذ واحد وسبعين عاما بدأت الحياة الرسمية لصاحبة الجلالة ذات القصر المنيع الحر ##نقابة الصحفيين## ولا يعد هذا التاريخ بداية وجودها فحسب بل سبقه بأعوام كثير جهود مريرة لمولدها وذلك من خلال مولد العديد من الصحف علي مدار تاريخ مصر, وصاحبة الجلالة ليست ديكورا في التاريخ أو هيئة تنظيمية للصحفيين, بل يشهد التاريخ عنها أنها كانت ملاذا للصحفيين من المخاطر ولسان حال الشعب المطحون بعيدا عن أي توجهات السياسية وحرة وشريفة لم تغريها السلطة أو المال ولهذا السبب أطلق عليها ##مهنة البحث عن المتاعب والمشكلات##, فجابهت طيور الظلام وخاضت العديد من المعارك من أجل الحفاظ علي استقلالها.
فمنذ أول معركة انتخابية في تاريخها النقابي لتشكيل مجلس نقابة الصحفيين في ديسمبر سنة 1941 والذي انتخب فيه محمود أبو الفتح نقيبا وإبراهيم عبد القادر المازني وكيلا عن المحررين ومحمد عبد القادر حمزة وكيلا عن أصحاب الصحف, وحافظ محمود سكرتيرا عاما ومحمد خالد أمينا للصندوق بدأت الرحلة الشاقة الطويلة لصاحبة الجلالة والتي ظلت فيها صامدة أمام الملك والقصر وكانت أشهر معاركها ضد التشريع الذي اقترحه القصر الملكي لحماية أبناء الأسرة المالكة, ودعا مجلس النقابة وزير الدولة لحضور مناقشة هذا التشريع في قاعة المجلس بدار النقابة ولما طال الجدل بين أعضاء المجلس وبين الوزير سأله حافظ محمود: لماذا تكون الحماية لأبناء الأسرة المالكة وحدها, ولا تكون الحماية منصبة علي كل أبناء الأسر في البلاد؟ وسقط المشروع قبل أن يعرض علي البرلمان وذلك بموجب مذكرة التفاهم المتبادلة بين الحكومة والنقابة التي تطلب بضرورة موافقة النقابة علي أي تشريع أو شأن من شئون الصحافة, وانتصرت النقابة شامخة مدافعة بجسارة عن حقوق المواطن.
وليس المواطن فحسب بل الصحفي أيضا فأتاحت النقابة مجانية سفر الصحفيين بالدرجة الثانية بالسكة الحديد, وزادت الإعانة السنوية للنقابة من وزارة الداخلية من ثلاثة آلاف إلي خمسة آلاف ويرجع تاريخ الإعانة الحكومية إلي عجز النقابة عن تدبير شئونها المالية فأسعفها مدير المطبوعات عبد الباسط الحجاجي بإعانة قدرها خمسة الآف جنيه أدرجها في الميزانية وكان له الفضل في تخصيص إعانة حكومية ثابتة للنقابة سنويا من ميزانية الدولة.
كما استطاعت النقابة جعل الحكومة تضيف ورق الصحف إلي قائمة المواد الضرورية التي تستوردها من الخارج, وتعيين ملحقين صحفيين بالسفارات والمفوضيات المصرية بالخارج, وإنشاء أكشاك لبيع الصحف والمجلات في الميادين وشوارع القاهرة علي أن تخصص الإيرادات لصالح صندوق المعاشات بالنقابة.
أسماء الصحفيين تتصدر الشوارع والميادين:
في احتفال نقابة الصحفيين الذي أقيم في مارس سنة 1950 قررت مصلحة التنظيم إطلاق اسم عبد القادر المازني – وكيل المحررين في أول مجلس نقابي- علي أحد الشوارع المهمة بالقاهرة وهو الشارع المواجه لشارع ألفي بك, كما أصدر الدكتور طه حسين وزير المعارف قرارا من مجلس الوزراء بإجراء معاش شهري لأسرته علي حساب مجمع فؤاد الأول للغة العربية. وبهذا نبهت النقابة إلي ضرورة إحياء ذكري مشاهير الصحفيين الراحلين فأطلقت الحكومة اسم الشيخ علي يوسف مؤسس جريدة المؤيد علي شارع المبتديان وعبد القادر حمزة باشا علي أحد شوارع قصر الدوبارة, وذاع صيت الصحفيين بالخارج فمنحت الحكومة الفرنسية أحمد الصاوي أرفع وسام فرنسي وهو نيشان الليجون دونير من درجة فارس.
الصحفيين والقوائم السوداء:
لم تقف النقابة مكتوفة الأيدي أمام تحديات أداء رسالتها فساندت أبناءها الصحفيين خاصة عندما إذاعت وكالة الأنباء العراقية أن المكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب الذي عقد في بغداد قرر إسقاط عضوية عدد من الصحفيين المصريين الذين رافقوا الرئيس السادات في زياراته للأراضي المحتلة ووضعوهم في القوائم السوداء, فأصدرت النقابة برئاسة يوسف السباعي بيان أيدت فيه مبادرة الرئيس السادات ورفضت رفضا تاما وضع أي صحفي تحت القوائم السوداء وقالت ## أن المؤتمرات سواء للاتحاد أو الدول الرافضة لم تعد تخيف الشعب المصري ولا الصحافة المصرية##.
محطات في قانون نقابة الصحفيين:
أعيد النظر في قانون رقم 10 لسنة 1941 الخاص بإنشاء نقابة للصحفيين وكان من أهم الانتقادات التي وجهت لهذا القانون أنه جمع في نقابة واحدة بين أصحاب الصحف ووكالات الأنباء وبين المحررين والمراسلين, والعديد من الإشكاليات ولذا أصدر مجلس النقابة القانون رقم 185 لسنة 1955 والذي جاء في مادته الرابعة أن الصحفي المحترف هو من باشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة في صحيفة يومية أو دورية تطبع في مصر, أو باشر بهذه الصفة المهنة في وكالة أنباء مصرية أو أجنبية تعمل في مصر وكان يتقاضي عن ذلك اجرا يستمد منه الجزء الأكبر اللازم لمعيشته.
ومع إعلان الجمهورية العربية المتحدة أطلقت نقابة الصحفيين مشروع قانون يعمل علي نشر الفكر الاشتراكي وتنشيط الدعوة له كما جاء في المادة الثالثة تحت أغراض النقابة مع التأكيد علي حرية الصحفيين واشتراط قيد الصحفي بألا يكون مالكا لصحيفة أو وكالة أنباء.
وأصدر الزعيم جمال عبد الناصر صاحب المقولة الشهيرة: لابد للصحافة أن تعبر عن الشعب, عن حياته, عن قيمه, وعن تطلعاته المشروعة## قانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين وكان ذلك في عهد النقيب كامل زهيري وضم القانون ستة أبواب, الأول في إنشاء النقابة وشروط العضوية, والثاني في النظام المالي, والثالث في إدارة النقابة, والرابع في الحقوق والواجبات, والخامس في صندوق المعاشات والإعانات, والسادس أحكام عامة, وهو القانون المعمول به إلي الوقت الحالي, وكان للمجلس الأعلي للصحافة دورا مهما في مهنة صاحبة الجلالة فأوصي في تقرير الملاحظات الخاصة بالممارسة الصحفية في الصحافة المصرية خلال الفترة من أول فبراير 1986 حتي نهاية أبريل 1986 بالحرص علي التأكد من صحة المادة الصحفية قبل نشرها, وقف المعارك الكلامية والعودة إلي الأسلوب الهادئ بالصحف, احترام حق الجمهور في نشر الردود للتصحيح, الالتزام الكامل بأن تكون جميع الإعلانات متفقة مع قيم المجتمع, احترام سمعة الأسر والأفراد والحياة الخاصة للمواطنين, احترام حقوق الملكية فيما تنشره الصحف عند الاقتباس مع ضرورة الإشارة وذكر المصدر بعد أن نشر العديد من البيانات والأرقام الخاصة بالأخطاء المهنية والصحفية.
النقابة والانتخابات والصراعات:
نشر الصحفي أحمد صفوت عبد الحليم مدير تحرير جريدةوطني مذكرة للتاريخ كتبها حافظ محمود بعد اندلاع العديد من المعارك, فيقول حافظ محمود في جانب من المذكرة: قبل الانتخابات بأسبوعين التقيت مع حسين فهمي وزهدي لتصفية الجو الانتخابي المتوتر وعرضت عليهما أن نتفق علي مرشح لمركز النقيب علي أن أؤيده بكل قواي لكن حسين فهمي رفض الفكرة وقبل انتخابي اتصلت بأمينة السعيد وقلت لها إنها لو طلبت مني في تلك اللحظة أن أتنازل فسوف أتنازل ولكنها أيضا استبعدت هذه الفكرة, غير أن الجمعية العمومية غير العادية قررت خلو مكاني الزميلين أمينة السعيد وأحمد قاسم جودة لعدم حضورهم فانهال علي اتهام بأنني أفصل أعضاء مع أن اللائحة صريحة في كون العضو المتخلف عن الحضور يعتبر متخليا عن مكانه في المجلس, فنقل بعض الزملاء القضية إلي القضاء الإداري.
وكتب حافظ محمود في نهاية المذكرة لما كنت حريصا علي وحدتنا النقابية والثقة الغالية التي منحتني النقابة إياها 24 سنة متواصلة وهذه هي السنة الخامسة والعشرون التي تؤكد إخوتي للجميع فاسمحوا لي… بتقديم استقالتي.. راجيا لكم كمال التوفيق, وانتهي الأمر بأن رفض مجلس النقابة استقالته فانتقل المجلس إلي بيته في اليوم نفسه وأجبروه علي سحب هذه الاستقالة دون أن يشعر أحد, وبقيت المذكرة للتاريخ لتسجل صفحة بيضاء مشرفة لواحد من عشاق صاحبة الجلالة.
تأرجحت النقابة بين العديد من القوانين وانتقال الحكم المصري من الملكية إلي الجمهورية وتأثرت بالعديد من الأحداث السياسية ولكن بقيت زمانا حصنا للصحفيين ومنبرا للحرية وإن كان أصابها الاضطراب خلال العقود الأخيرة, فهل تعيد ثورة 25 يناير مجدها!!!