عملت لنا إيه البلد علشان نحافظ عليها؟ إدتنا إيه عشان نحاسب علي كل إللي فيها؟ إحنا مظلومين,وتعبانين وماحدش لاقي شغل وإللي شغال مرتبه مش مكفيه.. ناقص كمان نفكر في البيئة,وإزاي ندبر في استعمال الميه والكهرباء….إحنا ناقصين؟!!!
هذا هو لسان حال الجميع الآن في مصر علي اختلاف ثقافتهم وعملهم,ويبدو أن الأمر أصبح شكوي معتادة دون التفكير فيما وراءها, فامتد لأكثر الأشياء خطورة في حياتنا وهو مستقبل الأرض وما عليها من كائنات بسبب المخاطر البيئية التي تحيق بها نتيجة للأنشطة البشرية الملوثة,ولكن الناس لا تعلم,وعندما تعلم لا تتحرك وفقا لوعيها العام.. تري لماذا لا يتم تفعيل الوعي العام بالبيئة؟.. لماذا يعلم الناس بشذوذ تصرفاتهم وسلوكهم تجاه البيئة المحيطة بهم أو تجاه الموارد التي ينبغي علينا الحفاظ عليها فيعيثون فيها فسادا.
كان هذا موضوع الندوة التي نظمتها جمعية العاملين المسيحيين بمصر في ختام دورتها التدريبية التي استمرت علي مدار عام تحت عنوان شارك أو نخسر جميعا لحث أكثر من 35مشاركا -يحملون تباينا من حيث الفئة العمرية والمستوي التعليمي- علي ضرورة التغيير والتعامل بإيجابية مع ما يواجهنا من أمور حياتية,تحدثت فيها الصحفية حنان فكري -رئيسة قسم البيئة بجريدة وطني والتي ألقت الضوء في بداية حديثها علي قيمة الدور الفردي لكل منا في مواجهة أعقد المشاكل والأزمات البيئية قائلة:
إذا أدرك كل منا أن عليه دورا تجاه البيئة المحيطة به وقام ولو بجزء منه ستختلف الأمور كثيرا.. يقف أمام إدراك هذا الدور عدم الوعي,ولكن تري ما الذي يقف أمام تحقيق أدوار من يعي مخاطر سلوكه؟,لماذا لا يفعل الناس الوعي الموجود لديهم؟,لماذا لا يسعون لاكتساب مهارات جديدة تجاه تعاملاتهم مع البيئة؟,لماذا يسعي البعض أحيانا إلي تدميرها؟!.
الميل للتخريب
تستكمل حنان قائلة: توجد عدة أسباب تقف أمام إتمام سلوكنا أولها غياب العدالة الاجتماعية.نعم فسلوكياتنا الخاصة بالبيئة هي جزء من سلوكياتنا العامة في الحياة, والتي تفرزها مؤثرات اجتماعية بالدرجة الأولي, وعندما يشعر الناس بالقهر الاجتماعي وعدم تكافؤ الفرص,يغيب الانتماء,وبالتالي يتقلص وربما ينعدم الشعور بالمسئولية تجاه كل ما هو عام,وفي بعض الأحيان يفرز ذلك ميلا للتخريب داخل اللاشعور,وأول ما تطاله أيدينا هو ما نتسلط عليه,ونتوهم أننا نمتلكه (الماء -الكهرباء- الشارع-….إلخ). إذا ما أضفنا إلي كل ذلك الثقافة السائدة في مجتمعنا ألا وهي النزعة الاستهلاكية تكتمل أركان المشكلة التي لا يحتاج حلها إلا إلي إعمال الضمير في كل ما نفعله وما نملكه من موارد حية.بدءا من نقطة المياه وانتهاء بصحة البشر الذين يمثلون الثروة الحقيقية في الأرض.
ومما أفرزته المؤثرات الاجتماعية تدني الأخلاقيات العامة وتفشي الطمع والرشوة نتيجة لضيق ذات اليد ممزوجا بقلة حيلة الضعفاء.مثال علي ذلك ما يحدث عند إقامة محطات تقوية لشبكات المحمول فوق أسطح المباني,وما يصاحبه من مخالفات عديدة يغض النظر عنها ملاك العقارات لما يحصلون عليه من مبالغ باهظة يتم تمرير جزء منها لموظفي الحي المختصين إذا رصدوا المخالفات,وجزء آخر لبعض السكان المعترضين, وتكتمل الجريمة في غيبة من الضمير والوعي معا,وهنا يتجلي التأثير السلبي للسلوك والأخلاق العامة علي الوضع البيئي.
علي النقيض نجد مثالا إيجابيا فيما فعله المدون تامر مبروك صاحب مدونة الحقيقة المصرية الذي كشف جريمة شركة تراست للصناعات الكيماوية ببورسعيد من صب نفاياتها في بحيرة المنزلة التي تقلصت مساحتها من 750فدانا إلي 125فدانا بسبب الردم والتجفيف وتعاني التلوث وانهيار الثروة السمكية بسبب صرف 42شركة صناعية عليها مما تسبب في تسمم الأسماك والكائنات البحرية,وبالتالي تهديد صحة المواطنين, فما كان من القائمين علي الشركة سوي فصل تامر ورفع دعوي قضائية ضدة لمطالبته بالتعويض,وبذلك فقد مصدر رزقه من أجل الدفاع عن الحقوق البيئية للجميع.
غياب الحقوق الاقتصادية
تستطرد حنان مؤكدة: للأسف فغياب معظم الحقوق الاقتصادية لشرائح كبيرة في المجتمع تعاني الفقر وضعف الإمكانيات مما يكون له الأثر السيئ علي ممارساتهم تجاه من يعتقدون أنه يقع ضمن أملاك الحكومة والتي يعتبرونها المغتصب الأول لتلك الحقوق.فقطع الأشجار وإلقاء القمامة في عرض الطرقات.. وتدمير أعمدة الإنارة وجميعها أفعال عدوانية تجاه ممتلكات عامة في الأصل تمثل بيئتنا التي سيكون المردود الأسوأ لتدميرها علي البشر وفي المقام الأول المواطنون البسطاء منهم قبل الصفوة.
الخصوص
ربما لا نستطيع لوم البعض ممن يفتقدون العوامل الأساسية لإقامة الحد الأدني من الحياة الكريمة -البنية الأساسية – من مرافق وصرف صحي وغيرها, ولنا في هؤلاء مثال أهالي منطقة الخصوص التي تحولت في فترة ما لبحار راكدة داخل شوارع ضيقة غير ممهدة لطفح الترانشات حتي أن السكان كانوا لا يستطيعون الخروج من منازلهم إلا بالهبوط فوق سقالات من الدور الثاني إلي الشوارع مباشرة عبر الشبابيك بسبب غرق مداخل منازلهم بالصرف الصحي,ولنا أن نتصور جميعا ما يمكن أن يترتب علي ذلك من أمراض وآثار نفسية غاية في المرارة.في حين أننا لا نستطيع أن نلتمس نفس العذر لمن يدخنون الشيشة في مقاه ضيقة صغيرة لا تخضع لاشتراطات البيئة السليمة التي تقضي بضرورة اتساع المكان فلا نجد مقياسا ثابتا لتبرئة شخص أو إدانة آخر ليبقي السؤال: ما ذنب البيئة المحيطة بنا؟ إذا المعيار الوحيد هو ضمائرنا التي تتحكم في توجهاتنا سواء كنا مقهورين أو مذنبين.
فجوة مهارات الاتصال
سبب آخر لتفشي السلوكيات الخاطئة وغياب الوعي هو الفجوة بين منظمات المجتمع المدني ورجل الشارع البسيط,وفقدان مهارات الاتصال لدي معظمها.. هكذا استرسلت حنان موضحة: توجد بعض المنظمات التي تعمل في مجال البيئة ويمكن أن يكون لها دور فعال جدا خاصة وأنها قادرة علي جلب الدعم من المؤسسات المانحة لكنها تفتقد لمهارات التواصل مع الشارع,بينما توجد بعض المؤسسات تجيد التواصل وتعمل بإيمان شديد علي أرضية العمل داخل الشارع بعيدا عن الندوات المغلقة, لكنها لا تستطيع جلب الدعم الذي يمكنها من أداء دورها. ومن هنا جاءت الفجوة التي أطاحت بدور منظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل البيئي.
جزر معزولة
السبب الآخر للعمل بمنطق الجزر المعزولة, فكل من تلك المنظمات يعمل في معزل عن الآخر,وفي معزل عن الدور الحكومي ولا يلتقون إلا في يوم البيئة العالمي من كل عام.. فكيف إذا يمكن لهم تكوين اتجاه لتقويم السلوك العام لدي المواطنين؟!
الأمل في الضغط الجماعي
إذا كنا قد تحدثنا عن الأسباب فعلينا الوصول إلي حلول كمقترحات,باعتبار أننا لسنا صناع القرار ولكننا نستطيع أن ندفع هؤلاء الصناع لاتخاذ القرار الذي نرغبه.. فكيف ذلك؟.. لنا مثال حي في قضية مصنع أجريوم الكندي الذي كان من المقرر تشييده في مدينة رأس البر ونتيجة للضغط الجماعي من المواطنين ومنظمات المجتمع المدني تراجعت الحكومة عن تشييده في الموقع المحدد ونقلته إلي غرب القناة الملاحية بدمياط بعد دمج أسهمه مع شركة موبكو.إذا فالضغط الجماعي هو الحل. أن نعرف حقوقنا البيئية وما يمكن أن يضر بصحتنا ونقف في مواجهته جميعا,فعندما يقف عامل واحد ضد شركته التي ترتكب مخالفات في حق البيئة يمكن أن ينتقم منه المخالفون فيفصلونه, لكنهم لا يستطيعون فصل كل العمال أو حتي معظمهم إذا اتخذوا موقفا جماعيا.. إذا المشكلة تبدأ منا ومن سلوكياتنا وتنتهي أيضا عند إرادتنا علي اتخاذ موقف جماعي.
تقول حنان مؤكدة: إن الأجواء ممهدة حاليا لذلك في ظل الانتفاضات الفئوية الحادثة في الأوساط المختلفة بين العمال والأطباء والصيادلة وغيرهم,ألا يوجد وسط هؤلاء من ينتفض من أجل البيئة؟ ولكن هل هناك جهة منوطة تتولي تبني الانتفاضة؟ نجد منظمة جرين بيس التي تحظي بوجود في أربعين دولة بأوربا.. تتبني جرين بيس حماية والدفاع عن القضايا البيئية في هذه الدول وتتعقب المجرمين البيئيين في كل مكان وتمارس ضغوطها حتي تتراجع الحكومات عن قراراتها في بعض الأحيان مثلما حدث في عام 2006 عندما تعقبت حاملة الطائرات الفرنسية كليمنصو ورست عند مدخل قناة السويس,فمارست جرين بيس الضغط علي فرنسا حتي أمر شيراك الرئيس السابق باستعادة الحاملة التي كانت محملة بالإسبستوس السام في طريقها للتفكيك في الهند باعتبارها دولة نامية تدفن الدول المتقدمة نفاياها فيها.
صندوق أهلي
أما في مصر إذا جنبنا الجمعيات الأهلية نجد أن الحزب المنوط بالدفاع عن البيئة -حزب الخضر- لا وجود حقيقي له علي الساحة البيئية أو السياسية,إذا فالوجود الحقيقي لعمل مؤثر للجماعات الضاغطة التي هي في الأصل تتكون منا نحن الأفراد وهذا ليس بدفاع عن الخطط الحكومية, ولكن بنظرة أكثر عمقا نعلم أننا البذرة التي تنتج ثمرة جيدة,فإذا كان الصرف الصحي يحتاج 40مليار جنيه لتعميمه في مناطق الجمهورية, والمياه تحتاج 20مليارا أخري, ولا تستطيع الدولة توفيرها يمكننا نحن أن نوفر تلك المبالغ من خلال تكوين صندوق أهلي يضع فيه كل مواطن متضرر جنيها واحدا كل شهر فنستطيع جميع المبالغ تباعا لتنفذها جهات أهلية.. فالحكومة لا تستطيع فعل كل شئ.
نقاش مفتوح
وعلي هامش اللقاء تم فتح باب المناقشة للمشاركين لطرح أسئلتهم في شتي القضايا للرد عليها,أشار طلعت كمال (مسئول بجمعية حماية البيئة من التلوث) لنشاط الجمعية في مسألة فصل القمامة من المنبع ودور الشباب بتوعية الأهالي بقيمة الفرز لإعادة التدوير خاصة في منطقتي المنيل ودير الملاك, ورغم إعداد تقرير واف لوزارة البيئة يوضح مدي إيجابية الأهالي في تنفيذ التجربة إلا أن المشروع محلك سر يحتاج إلي المساندة لتطبيقه علي نطاق أوسع!!.
وأشار سمير زاخر (عامل نظارات) إلي مشكلة اشتعال كابينة كهرباء بالقرب من منزله في منطقة شبرا الخيمة وكيف ظل ساعتين يحاول الاتصال بشرطة النجدة وبعد الرد أشاروا عليه بالاتصال بالمطافئ لكونها الجهة المعنية بهذا الأمر, وعليه توجه إلي المطافئ والتي أشارت عليه بضرورة تحرير محضر حتي تتلقي بلاغا من القسم التابعة له المنطقة أولا قبل التحرك!!
كما تحدث لويس ميخائيل (سائق) عن مشكلة تلوث منطقة بولاق أبو العلا حيث تراكم القمامة جراء صب مخلفات منطقة الزمالك الأمر الذي يسمح بوجود منطقة راقية وغيرها عشوائية في غياب العدالة والمساواة بين الأغنياء والفقراء.
وتطرقت ريموندا إسحق ربة منزل إلي فشل حصة البيئة داخل المدارس حيث لا يوجد تأهيل للمدرسين مع عدم وجود منهج دراسي خاص للمادة ملقية بالمسئولية علي وزارتي البيئة والتربية والتعليم!!!
في النهاية تشير حنان فكري إلي أهمية دور المواطنة في المقام الأول والأخير, فمادة البيئة مثلها مثل مادة الأخلاق لا تدرس وعليه فهي ليست بحاجة أن تكون لديها مادة متخصصة,خاصة وأن هناك محتوي بيئيا جيدا مدرجا بالكتب الدراسية (العربي, العلوم, الدراسات) وهذا الأمر لا يتنافي مع ضرورة تأهيل المدرس بيئيا,لكي يدرج البعد البيئي في كل ما يدرسه الطلاب.
تعهدات
وأخيرا تعهد المشاركون كل حسب تخصصه بما سيقوم به في الفترة المقبلة من خطوات آمنة للحفاظ علي البيئة ومنها ما اقترحه هاني (نقاش) من تعهد بالتخلص من بواقي مواد البناء الخطرة بطرق آمنة,وصباح إسكندر (مسئولة جمعية العاملين المسيحيين) بتوعية النشء بأهمية البيئة والحفاظ عليها,وسوزي سمير (مسئولة بجمعية حماية البيئة من التلوث) بتفعيل دور المرأة في حماية البيئة,وجيهان مرسي (ربة منزل) بترشيد استهلاك المياه والكهرباء,ووجيه رشدي (سائق توك توك) بعدم التدخين داخل أماكن مغلقة ولا سيما داخل المواصلات.