هل تعتقد, عزيزي القارئ, أنك تعرف سارة بالين؟ الواقع أن الأضواء مسلطة علي حاكمة ألاسكا السابقة منذ أن اختارها جون ماكين في 29 أغسطس 2008 لتكون رفيقته في السباق الانتخابي الرئاسي; ولكن إذا كان لدي الجميع تقريبا رأي حول بالين, فليس بالضرورة أن تكون كل تلك الآراء مستندة إلي الحقيقة والواقع, لأن كثيرا منها مبني علي تصورات محرفة وصور نمطية ساخرة ساهمت في ترويجها وتكريسها برامج تليفزيونية مثل Saturday Night Live أكثر من كونها تعبيرا عن حقيقة سارة بالين, الإنسانة والسياسية ذات الستة والأربعين عاما والأم لخمسة أبناء. والحال أن بالين الحقيقية امرأة معقدة ومركبة صعدت بسرعة من الظلام إلي واجهة الحياة السياسية الأمريكية والشهرة والشعبوية بطرق جديدة. واليوم وهي تقوم بإرساء أسس ترشح رئاسي ممكن في 2012, يجدر بنا أن نتوقف لحظة لفصل الحقائق عن الأساطير والأوهام بشأنها.
وأولي الأساطير أو بالأحري الأوهام هي الزعم بأن بالين قد كلفت المرشح ماكين فرصة الفوز بانتخابات 2008: وهذا الادعاء ليس صحيحا طبعا. تذكروا قبل اختيار بالين, أن ماكين كان يعاني من هوة في تحمس حزبه لترشيحه. فقد كان الجمهوريون مترددين في التصويت لسيناتور أريزونا بسبب سمعته كمنشق صوت ضد توجهات حزبه حول مواضيع مثل الضرائب, والهجرة, والتنقيب في محمية الحياة البرية الوطنية القطبية, والتشريع حول الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري. غير أن سجل بالين المحافظ في ألاسكا ونشاطها المناوئ للإجهاض غير المزاج الجمهوري. وحين انضمت إليه, تحسن دعم وتبرعات المحافظين لماكين. صحيح أن ذلك لم يكن كافيا للتغلب علي أوباما, ولكن ماكين كان سيخسر الرئاسة ربما بفارق أكبر لو اختار, مثلا, السيناتور المستقل جو ليبرمان رفيقا له في السباق الانتخابي, حيث كان ذلك سيزيد من تنفير قاعدة الحزب الجمهوري بشكل أكبر بكثير.
والأسطورة الثانية أن قرار بالين الاستقالة من منصب الحاكم كان متسرعا: لم يكن أحد يتوقع استقالتها كحاكمة لألاسكا في 3 يوليو 2009, بعد عامين ونصف العام فقط في المنصب. وقد جعل خطابها الوداعي الذي كتب علي عجل وألقي علي نحو أخرق الكثيرين حياري بشأن دوافعها, ولم يتأخر بعض منتقديها في سد الفراغات بالإشاعات والتكهنات (مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق معها! لا بد أن سارة وزوجها ماضيان نحو الطلاق!). وإذا كان ثمة شيء واحد توقعه الجميع حينها علي نحو أكيد, فهو أن مشوار بالين قد انتهي. ولكن لا شيء من الإشاعات بشأن ##الفضائح## التي تحدث عنها كثيرون تحقق, فالزوجان بالين ما زالا تحت سقف واحد; ومشوار سارة بالين أقلع بصفة أقوي حيث باتت تلعب اليوم دورا أكبر بكثير في الحياة العامة الأمريكية مما كانت تفعل قبل أن تترك منصبها.
قد يقول البعض إن استقالة بالين تنم عن قصر في النظر وتظهر أنها ليست مستعدة لمتطلبات مناصب المسؤولية; ولكن لو بقيت حاكمة لألاسكا, لكانت قد حرمت من فرص حشد حركة ##حفلة الشاي## والقتال في المعركة حول أجندة أوباما; ولكانت قد علقت علي ساحة محلية. ولكنها بدلا من ذلك عادت إلي الساحة الوطنية.
والأسطورة الثالثة أن بالين وحركة ##حفلة الشاي## يدمران الحزب الجمهوري: الواقع أن بالين وحفلة الشاي ينقذان هذا الحزب عبر إرجاعه إلي جذوره وتعبئة الناخبين المحافظين لصالحه. وتذكروا عندما وصلت بالين إلي الساحة الوطنية أن الحزب الجمهوري كان مستنفدا ومنهكا ويعاني من الأضرار التي لحقت بسمعته; حيث أدت الحرب التي لا تحظي بالتأييد الشعبي في العراق, والاقتصاد الذي يعاني الركود, وفساد الحزب الجمهوري إلي تنفير المستقلين . وعلاوة علي ذلك, فإن الإنفاق الحكومي الضخم وسياسة الهجرة الليبرالية كانت قد أسقطت معنويات المحافظين.
ووسط هذه الظروف إذن جاءت بالين. وقد كان بإمكانها وعدد لا يعد ولا يحصي من نشطاء قاعدة الحزب الجمهوري الآخرين أن يغادروا الحزب عقب انتصار أوباما التاريخي, ويحولوا ##حفلة الشاي## إلي حزب محافظ آخر. ولكنهم لم يفعلوا, وقرروا بدلا من ذلك إعادة صياغة وبناء الحزب الجمهوري من القاعدة إلي القمة, والضغط عليه للوفاء لقيم ومثل الحكومة المحدودة. واليوم, وبعد عامين علي فوز أوباما, ها هم الجمهوريون يستعدون لجني مكاسب كبيرة في انتخابات الكونجرس النصفية. وعليه, فإن بالين و##حفلة الشاي## لم يؤذيا الحزب الجمهوري قطعا.
والأسطورة الرابعة أن بالين متطرفة: علي العكس, حول بعض أكثر القضايا الوطنية أهمية تتبني بالين مواقف تصنف ضمن يمين وسط الخطاب السياسي الأمريكي. والواقع أن الكثير من تلك المواقف تتبناها شريحة واسعة من الجمهور, بل أغلبية في صفوفه. وعلي سبيل المثال, يعتقد الجمهور وبالين أن مخطط تنشيط الاقتصاد لم ينجح. ثم إنه إذا كان معظم الأمريكيين ربما لا يشاركون بالين آراءها بشأن ##لجان الموت##, فإن كثيرين أيضا ينضمون إليها في معارضة إصلاح أوباما لنظام الرعاية الصحية.
وقد تتبعت استطلاعات رأي أجراها مركزا ##بيو## و##جالوب## توجهات الجمهور خلال العامين الماضيين بينما كان يجنح إلي اليمين -ليس حول موضوع أو موضوعين, ولكن حول مجموعة منها. واللافت أنه حتي حول المواضيع المثيرة للجدل مثل الإجهاض والأسلحة, فإن بالين ليست بعيدة جدا عن الوسط مثلما يفترض البعض.
ومؤدي الأسطورة الخامسة والأخيرة أن بالين غير قابلة للانتخاب: مما لاشك فيه أن حملة بالين الممكنة في 2012 ستكون معركة بالغة الصعوبة; ذلك أنها لا تحظي بالتأييد الشعبي -وبخاصة بين الديموقراطيين والمستقلين. بل إن العديد من الجمهوريين لا يعتقدون أنها جاهزة لتصبح رئيسة للبلاد. غير أن الآراء يمكن أن تتغير; والشاهد علي ذلك هو العودة القوية لريتشارد نيكسون, ورونالد ريجان, وبيل كلينتون, بعد فترة كانت فيها شعبيتهم متدنية. وبالتالي, فإذا عملت بالين بجد وأدارت حملة فعالة وناجحة, فإن الجمهوريين المترددين والمستقلين المشككين يمكن أن يمنحوها فرصة ثانية.
ولكن حتي تحظي بتلك الفرصة, فإنها ربما ستحتاج لإيجاد فكرة كبيرة, لأنه من الصعب أن تصبح رئيسا بدون فكرة كبيرة. فريجان كان لديه ##اقتصاد جانب العرض## ونهاية سياسة ##الانفراج## مع الاتحاد السوفييتي; وبيل كلينتون كان لديه ##الطريق الثالث##; وبوش الابن كانت لديه ##المحافظة الرحيمة## وأجندة الحرية; وأوباما كانت لديه الوحدة الوطنية والأمل والتغيير.
ويكلي ستاندرد