لا يخفي علي أحد أن انتخابات الرئاسة الأوكرانية التي انتهت جولتها الأولي الأحد الماضي, تلعب فيها الورقة الروسية الدور الأكبر والرئيسي.
ومن المفارقات الغريبة أنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحتي آخر انتخابات رئاسية أجريت في أوكرانيا قبل أربع سنوات, كانت الورقة الروسية هي الخاسرة دائما لكل من يتمسك بها, وكان المرشحون الذين يسعون للفوز, عليهم أن يثبتوا للناخبين مقدار رفضهم, وربما كراهيتهم, لروسيا وللتعاون معها, كسبيل لنيل التأييد.
وكان عليهم أن يثبتوا مدي ولائهم للغرب, وسعيهم لانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوربي ولحلف شمال الأطلسي. ويذكر أن فيكتور يوشينكو رئيس أوكرانيا الحالي, قد أدلي بتصريحات كهذه في إطار حملته الانتخابية في 2004 و.2005
أما الانتخابات الحالية للرئاسة الأوكرانية, التي ستجري جولتها الثانية بعد أسبوعين, فقد اتخذت منحي عكسيا تماما, حيث بات التعاون والتقارب مع روسيا هو الورقة الرابحة التي يتنافس عليها أكثر المرشحين حظا في الفوز, وهما رئيسة الحكومة يوليا تيموشينكا وزعيم المعارضة البرلمانية فيكتور يانكوفيتش, الأمر الذي يعكس بوضوح حقيقة انتهاء وفشل الثورة البرتقالية التي اندلعت في أوكرانيا عام 2004, رافعة شعار لا لروسيا.. نعم للغرب وواشنطن وحلف الناتو.
لقد فشلت معايير الرئيس الأمريكي السابق بوش, التي كانت تقول إن الشعب الأوكراني يطمح للحرية والديومقراطية والاستقلال.
ما يحدث في الانتخابات الأوكرانية الحالية, يشكل بالقطع صدمة كبيرة لدعاة الحرية والديمقراطية الأميركية, هؤلاء الذين طالما روجوا وبشدة للثورات الملونة, واعتبروها رمزا لتحرر الشعوب من أنظمة القمع والاستبداد, وبداية عهد جديد من الحرية والديموقراطية في العالم.
ومن هؤلاء وعلي رأسهم وسائل الإعلام الأمريكية التي كانت تتشدق برسالة أمريكا في نشر الحرية في العالم! والآن ماذا تقول الصحف الأمريكية عما يحدث في أوكرانيا؟ صحيفة نيويورك تايمز, المروج الأول للثورات الملونة, كتبت تقول إن الانفعالات الشعبية التي أدت إلي إعادة النظر في نتائج الانتخابات المزورة في عام 2004, لكي تأتي بزعيم الثورة البرتقالية يوشينكو للحكم, قد انتهت.
كما كتبت مجلة نيوزويك الأسبوعية تؤكد فشل الثورة البرتقالية, مشيرة إلي أن تراجع النفوذ الروسي في أوكرانيا, لا يمكن اعتباره بمثابة نصر للولايات المتحدة.
لقد تحولت أوكرانيا بعد الانهيار السوفييتي إلي حلقة صراع دائم وساخن بين روسيا والغرب, رغم أنها كان من المفترض أن تصبح جسرا بينهما. وكانت التقييمات الغربية لما حدث أثناء الثورة البرتقالية في عامي 2004 و2005, خاطئة وساذجة للغاية. والغريب أن الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوربي, اعتقدت أن الثورة البرتقالية في أوكرانيا ستكون نموذجا يحتذي به في باقي الدول المجاورة, بما فيها روسيا نفسها.
لقد غاب عن الغرب وواشنطن أن الثورات الملونة لا تحدث أي تغيير في المجتمعات, أكثر من تغيير في الأشخاص في القمة, بينما يبقي الحال علي ما كان عليه في القواعد. فالمرشحان الأساسيان لرئاسة أوكرانيا, يانكوفيتش وتيموشينكا, من ممثلي نخبة قطاع الأعمال التي تعود جذورها إلي التسعينات, والتي تعززت صلتها بالسلطة في فترة الحكم البرتقالي.
ويذكر أنهما عملا في الحكومة في عهد الرئيس السابق ليونيد كوتشما, حيث عملت تيموشينكا وزيرة بينما شغل يانكوفيتش منصب رئيس الوزراء لفترة. كما يبقي المرشحان بعيدين تماما عن مفاهيم الديمقراطية والحرية.
لقد قررت روسيا التعامل مع الانتخابات الحالية بحياد تام, وهم يعلمون في موسكو جيدا أن الأمر لا يحتاج لتدخل مباشر منهم, فالأمور كلها تسير وفق أهواء روسيا دون الحاجة لتدخل, ولا شك أنهم في الغرب وواشنطن يشعرون بحسرة وندم شديدين, لأنهم راهنوا منذ البداية علي الأشخاص, وليس علي مصالح الشعوب.
كاتب ومحلل سياسي أوكراني
البيان الإماراتية