ألقت أحداث العنف والشغب والإيذاء الناتجة عن مشاعر من البغض والكراهية والعداء بين الجماهير الجزائرية والمصريين التي صاحبت الصراع الذي احتدم بين منتخبي البلدين لكرة القدم علي حيازة تذكرة التأهل لمونديال 2010 بظلالها القاتمة والحزينة علي الأجواء الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي وفتحت بقوة ملف الابتعاد لفترة عن التلاقي الرياضي بين فرق الدولتين, بعدما كانت الرياضة هي أحد الأنشطة الإنسانية المهمة كخير سفير للمحبة والسلام بين الأمم ومزيل طبيعي للاحتقانات والصراعات السياسية, حيث دائما ما تطلق مقولة إذا كانت السياسة تصلح ما أفسدته الحروب فإن الرياضة تصلح ما أفسدته السياسة لكن يبدو أن العكس صحيح فالمواجهة المصرية – الجزائرية في كرة القدم تسببت في احتقان سياسي واجتماعي فأضحت المباراة الرياضية أشبه بموقعة حربية أتاحت للحشد فرصة الانطلاق غير المحدود لمشاعر الحقد والكراهية التي طال كبتها فوجد هذا الحشد في المباراة متنفسا جماعيا لتفريغ مشاعر سلبية مغلفة بالتطرف والتعصب المؤدي لإلحاق الضرر بالمنافس الرياضي رغم الروابط القومية والتاريخية التي تميز هذا الصراع عن أمثلة سلبية أبرزها ما يسمي بحرب المائة ساعة التي نشبت بين هندوراس والسلفادور بسبب مباراة شبيهة لحسم تذكرة التأهل لمونديال 1970 بدأت بتضارب بين اللاعبين ثم حرب إعلامية تلاها قطع للعلاقات الدبلوماسية انتهي بهجوم عسكري شنته السلفادور علي هندوراس سقط نتيجته آلاف الضحايا, كما شهدت مباراة في كرة القدم أيضا بين الأرجنتين وبيرو باستاد ليما أحداث عنف وشغب أفرزت ضحايا عددهم 318 وذلك عام 1964.
كان عام 1902 شهد أول حادثة عنف في كرة القدم بإنجلترا تلاها صدور حكم تاريخي من محكمة مانشستر بتجريم لعب كرة القدم عام 1908 ذكر في حيثياته مساوئ الكرة وأحداث العنف في مبارياتها. ولكن علي الجانب الإيجابي يوجد العديد من الأمثلة التي تؤكد أن التبادلات الرياضية هي إحدي الأدوات التي تسهم في مد الجسور بين المجتمعات مثلما حدث من فتح حوار إيجابي بين الصين والولايات المتحدة علي خلفية لقاء رياضي في تنس الطاولة إبان تباين المواقف بين البلدين سياسيا وأطلق علي ذلك دبلوماسية البنج بونج, أيضا حضور الرئيسين التركي والأرميني مباراة كرة قدم بين منتخبيهما تزامن مع توقيع اتفاقية المصالحة التاريخية بينهما.
ورغم التوتر الشديد بشأن ملف إيران النووي فقد أعلنت الخارجية الأمريكية أنها تحرص علي إقامة علاقات أوثق بين مواطني البلدين بفضل الزيارات الرياضية والثقافية وذلك علي هامش استضافة المنتخب الأوليمبي الإيراني لكرة السلة تلاها تبادل الزيارات بين فرق الكرة الطائرة والمصارعة. وسوف يذكر التاريخ أن المقاطعة الرياضية لجنوب أفريقيا كانت من العوامل التي ساهمت – بجانب الصراع السياسي – في التخلص من الفصل العنصري وإقامة أول انتخابات ديموقراطية عام 1994.
الابتعاد عن المواجهة
لكن السؤال المطروح بقوة: ما مدي جدية وقانونية الابتعاد عن المواجهات الرياضية ضد الجزائر؟!
في البداية أكد اللواء محمود أحمد علي رئيس اللجنة الأوليمبية المصرية ورئيس اتحاد السلة علي عدم وجود لوائح تقنن هذا الابتعاد لأنها تخرج وتجرد الرياضة من أهدافها رغم الخروج الجزائري علي النص مشيرا إلي أنه يمكن إقامة المباريات بين فرق الدولتين دون جمهور أو علي أرض محايدة, أو الاعتذار – علي الأقل في الفترة الحالية – عن المشاركة في الدورات المجمعة علي أرضهم إلي أن يزول الاحتقان بمرور الوقت وتتدخل القيادات المسئولة.
أما الناقد الرياضي الكبير حسن المستكاوي فأشار إلي استحالة إقامة اللقاءات الرياضية بين البلدين في الفترة القريبة مؤكدا أن ما حدث لا يمت للرياضة بأي صلة بل للتخلف والكراهية رغم تحضر المصريين وبساطتهم وطيبة قلوبهم البعيدة عن هذا الشر غير المبرر وطالب بعقاب رادع للإعلام الجزائري خاصة جريدة الشروق من المسئولين الجزائريين قائلا.. إن الدول العربية تلعب بالحرب وتحارب باللعب ماعدا مصر التي تحارب بالفعل والباقي مشاهدون مشيرا إلي صعوبة استمرار الرياضة في مثل هذا الجو من التخلف.
فيما أكد الكابتن عزمي مجاهد سكرتير عام نادي الزمالك السابق علي عدم جواز إجراء القرعة الموجهة لتلافي وقوع دولتين متنافستين في أي لعبة من اللعبات المختلفة مشيرا إلي الدور السلبي الخطير الذي لعبه الإعلام بكافة صوره سواء مصري أو جزائري بغرض المزايدة علي الوطنية والانتماء.
وحتي لا تحدث أي صدامات مستقبلا يري الكابتن محمد عبدالمنعم شطة نجم الأهلي الأسبق والمدير التنفيذي للاتحاد الأفريقي أن إقامة منافسات فرق البلدين مستقبلا لابد أن تكون دون جمهور وفي أرض محايدة مشيرا أيضا للدور السلبي الذي لعبه الإعلام مما جعلها حربا مشتعلة وهذا ما أكده الأستاذ أيمن أبوعايد رئيس القسم الرياضي بالأهرام موضحا أن الإعلام المصري سخن الموضوع بهدف الربح والاستفادة من رسائل الـS.M.S كما انساق الجزائريون وراء الحملات الكاذبة بوجود قتلي واعتداءات علي مواطنيهم ولاعبيهم في القاهرة غير مدركين لخطورة هذا العمل وهو الأمر الذي يؤكد غياب الوعي السياسي فهل يجوز لحماية البعثة الجزائرية في بلد عربي شقيق استدعاء السفير المصري؟! هل هذا يحدث مع السفارات الفرنسية أو الإيطالية مثلا! ويري أبوعايد أنه في حالة أن المنتخب المصري كان قد وفق بالفوز في المباراة الفاصلة كانت الخسائر ستزداد وكان يمكن للمباراة ألا تكتمل.
عن تفسير هذا الاحتقان الذي حول ملاعب الكرة خصوصا الرياضة بصفة عامة إلي ساحات قتال أشار الأستاذ الدكتور ناصر لوزا أمين عام الصحة النفسية بوزارة الصحة إلي أنه بكل أسف يوجد تغيير ثقافي قوي تحول إلي ميول عدوانية تجاه المنافس لم يكن موجودا من قبل موكدا أن هذه التغيرات الثقافية في المجتمع حولت الشعوب من أجمل مشاعر التسامح إلي الكراهية المودية لإيذاء الغير.. وللعلاج وضح د. لوزا أنه يجب عمل توعية موجهة للمجتمع ككل بأهمية العودة للسمات الأصلية لكي تخرج الثقافة الغريبة من شرنقة التغيرات السلبية وتعود للتسامح وحسن معاملة الضيف والجيرة بدلا من الشك وعدم الثقة والاستعلاء علي الآخر.
وأخيرا أكد الأستاذ الدكتور أحمد رفعت الدسوقي أستاذ الطب النفسي علي أن بعض الأشقاء العرب يشعرون بأنهم أقل نظرا للدور المصري التاريخي البارز في تعليمهم وتثقيفهم ودعمهم في كافة المجالات, كما أن البعض تأثر بحالة التطرف المنتشرة في المنطقة في معظم المجالات إلي جانب مشاكل وضغوط الحياة, كل ذلك أدي إلي هذا الاحتقان الذي تبلور للعنف والشغب مشيرا ألي أن التاريخ والتسلسل الطبيعي لأي احتقان يزول بمرور الزمن معطيا مثالا لإنسان أقدم علي الانتحار وتم إنقاذه فإنه سوف يأخذ فترة طويلة لكي يقدم مرة أخري علي ذات الفعل – وذلك في حالة عدم العلاج – لذلك يطالب د. رفعت الأنظمة العربية بالعودة للاستفادة من الرياضة في تقارب شعوبهم لا لإلهائهم عن القضايا الحساسة في بلادهم.