الدين لله والوطن للجميع شعار ثورة 1919 كان عنوان مقال لرجل السياسة محمود أباظة الذي نشره عام1995 وأعاد نشره 2011 دون أن يغير فيه كلمة ليبرهن من خلاله أن الأوضاع لن تتغير كثيرا للأحسن وأن كثيرا من الملفات مازالت دون علاج حيث أعتاد النظام السابق وضعها في الثلاجات واكتفي بالعلاج الأمني مما أدي إلي تفاقمها…في حواره لوطني أبدي محمود أباظة سليل عائلة الأباظية ورئيس حزب الوفد السابق تفاؤله في المرحلة القادمة قائلا:إن من يراهن علي الشعب المصري يربح كثيراوإلي الحوار:
*كيف تري الأحداث الطائفية التي تكررت مؤخرا في مصر؟
**هذه الأحداث ليست مستحدثة بعد 25يناير لأن الاحتقان الطائفي قديم ولم يعالج علي مدي سنوات طويلة شأنه في ذلك شأن العديد من الملفات الأخري التي كانت سياسة الحكم السابق تضعها في الثلاجة لسنوات لنكتشف أنها مازالت دون معالجة بالإضافة إلي ذلك فإن النظام السابق اعتاد أن يستخدم العلاج الأمني في جميع المشكلات مما أدي إلي تضخمها والخطورة ليست في الأحداث الطائفية نفسها وإنما فيما كشفت عنه من مشاكل متراكمة علي مدي طويل الأمر الذي يهدد بتمزيق الوحدة الوطنية والعلاج في هذه الحالة يكمن في المواطنة التي هي مصدر الحقوق والواجبات العامة.
*لكن المواطنة أصبحت كلمة فضفاضة فكيف نلمس إجراء فعليا علي أرض الواقع؟
**تطبيق القانون العام ولاشئ غير القانون فهو الذي يكفل المساواة بين الجميع دون تمييز علي أساس ديني أو عرقي أو جنسي.
*إذن ما رأيك في عدم اتخاذ إجراءات رادعة ضد مرتكبي هذه الحوادث مما يؤدي إلي تفاقمها؟
القانون لابد أن يأخذ مجراه وعدم اتخاذ إجراءات رادعة ضد مرتكبي الأحداث الطائفية يؤدي إلي تكرارها فهناك قصور من جانب مؤسسات الدولة عن أداء دورها في المسائل الطائفية أو الأمن العام وقد مللنا من موضوع الشيخ يعانق القسيس في كل مناسبة ومللنا فكرة مجالس الصلح العرفية فهذا خروج علي القانون وردة علي دولة القانون.
*يري البعض أن من يقف وراء تلك الأحداث الطائفية بقايا النظام السابق والبعض الآخر يري الجماعات السلفية فما تعليقك؟
**من الممكن تقبل هذه التفسيرات لو الظاهرة مستحدثة فكما قلت الظاهرة قديمة وكان الأمن يكبتها ونحن نعلم أن الجماعات الإسلامية والسلفية كان لها وجود متخفي قبل الثورة وعندما جاء جو من الحرية بدأت تطفو علي السطح ونعلم جيدا أنها بدأت بالعنف فالقضية ليست فلول النظام أو السلفيون وإنماهي تطبيق القانون.
*كيف تري مظاهرات السلفيين المطالبة باسترداد كامليا شحاتة ووفاء قسطنين ثم عبير طلعت؟
**هذا نوع من إلهاب المشاعر لتحقيق أغراض سياسية فالأمر سياسي بالدرجة الأولي ولابد أن نعلم الضرر والمنفعة من ذلك, المنفعة من الناحية السياسية هي تقوية تلك التيارات أما الضرر فهو تعريض الوحدة الوطنية للخطر ومعني هذا أن هؤلاء الناس أخطأوا في حق الوطن ولابد من محاسبتهم سياسيا وقانونيا كلما خرجوا علي القانون.
*علي الجانب الآخر كيف قرأت المظاهرات والاعتصامات القبطية؟
**في 1919 كانت المظاهرات وطنية لمحاربة الاحتلال وحتي عندما حدثت مظاهرات الأزهر لم تكن دينية إنما كانت سياسية ضد الشيخ المراغي أو ضد الملك, ولم تكن ظاهرة التظاهر الديني موجودة خاصة عند المسيحيين وهذا تفسيره واضح أن الأقباط لم يجدوا حلا لمشاكلهم التي تراكمت عبر سنوات عديدة وعندما يقال إن المسيحيين خرجوا عن طوع الكنيسة يدل هذا علي وجود خلل في قاعدة المواطنة فالأقباط لم يجدوا المؤسسات الطبيعية التي تحرص علي تطبيق القانون وتتيح فرصة لكل الآراء فأغلقت مؤسسة البرلمان والصحافة والإعلام أبوابها عن تحقيق تلك الآليات ولم يجد الأقباط سوي مؤسسة الكنيسة لحمايتهم.
*هل تعتقد أن هيبة الدولة ضاعت بأسلوب معالجتها لقضية محافظ قنا؟
**لا أستطيع القول أن هيبة الدول ضاعت ولكن يمكن القول أن القرار والعلاج كان غير موفق فعندما عين أول محافظ قبطي لقنا لم تحدث مشكلة ولكنه كما تردد كانمحافظا عن بعد فكان الخطأ إعادة تعيين محافظ قبطي في نفس المحافظة وهو مايدل علي عدم الحنكة السياسية فخرج أهالي قنا بمنطق أن الشعب استطاع إسقاط الرئيس فلا مانع من إسقاط المحافظ, فمعالجة الدولة للأزمة من البداية كانت خاطئة حيث تركت الأمور حتي تفاقمت وهذا لم يحدث في قنا فقط وإنما في عدد من المحافظات وبالتالي فمبدأ المحافظ المعين يجب أن يعاد النظر فيه أو علي الأقل يعاد النظر في اختصاصاته.
*مارأيك في مسمي حزب مدني بمرجعية دينية؟
**أنا لا أفهم كلمة مدني أو ديني أنا أفهم كلمة وطنية ومسألة الدولة المدنية أو الدينية أو العلمانية مسائل تختلف فيها فهم يقولون إن الدولة الإسلامية دولة مدنية ويتحدثون عن الدين وبالتالي فالدولة التي تعتمد علي الدين هي دولة دينية والواقع يحتم علينا بناء الدولة الوطنية التي تساوي بين جميع المواطنين أمام القانون فشعار ثورة 1919 كانالدين لله والوطن للجميع وأي ارتداد عن هذا يعد خطرا جسيما.
*وماذا عن إعلان حزب الحرية والعدالة بأنه سيحصل علي 50% من مقاعد مجلس الشعب؟
**جماعة الإخوان المسلمين تري أنها جاهزة للانتخابات وتعتقد أن لديها قوي احتياطية من المرشحين سوف تمنحها مزيدا من الأصوات في الوقت الذي تعلن فيه التيارات الأخري أنها غير جاهزة للانتخابات.
*هل هذا يفسر عدم مشاركتها في تظاهرات ما سميت بجمعة الغضب الثانية؟
** بالطبع هي لا تريد أي عرقلة لتحقيق مصالحها وتعطيل الانتخابات فهي تريد أن تجري الانتخابات في أسرع وقت ممكن.
*إذن أنت من أنصار عدم التسرع في إجراء الانتخابات البرلمانية؟
**هذه الانتخابات بالذات لها أهمية خاصة لأن المجلس هو الذي سيضع الدستور بشكل أو بآخر وكنت أتمني أن تنتخب جمعية تأسيسية تمثل برلمانا ليس بالضرورة أن يكون أعضاؤها 508 أعضاء فقد يكون أقل من ذلك بكثير ويتم اختيارهم علي أساس قدرتهم علي وضع الدستور وبمجرد الإعلان عنه ينتهي دورها ولكن حدث عكس ذلك وليس في يدينا سوي أن نضع الأولوية السياسية لوضع الدستور ولابد أن يحدث توافق بين مختلف القوي والتيارات السياسية علي المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الانتخابات والخطر الحقيقي ألا يتم هذا الحوار والتوافق مما يعطي شيكا علي بياض لأناس لا أعرف موقفهم من الدستور وبالتالي إضاعة الفرصة علي الشعب الذي يسعي منذ زمن طويل في أن يضع دستوره بنفسه.
*اعتدنا أن تكون جريدة الوفد جريدة ليبرالية تهتم بقضايا المواطنة ولكن عرضها قضية رغدة اعتبره البعض إثارة للفتنة الطائفية فما تعليقك؟
**كان خطأ كبيرا جدا…أحيانا يفضل بعض الصحفيين التوزيع علي اعتبارات أخري وهذا خطأ سياسي وصحفي بل وخطأ وطني.
*ومارأيك في الاستقالات الجماعية من الوفد كرد فعل علي ما نشر بالجريدة؟
**الانتقاد لم يكن قاصرا علي المسيحيين فقط بل كان محل الكثيرين من الوفديين وقد أبديت تحفظي علي هذا الخطأ الجسيم أمام رئيس الوفد, وقد توافد إلي عدد من الذين قدموا استقالاتهم وقلت لهم إنني لا أوافق علي الاستقالة لأنهم وفديون يجب أن يسمع صوتهم وهم داخل الوفد وقد اقتنع البعض منهم.
*كيف تري الوفد الآن؟
أمام الوفد تحدي كبير هو أن يحتفظ بثوابت الوفد التي اعتدنا عليها منذ 1919 وإذا تنازل عنها سينحل. أيضا إذا لم يستطع الحزب الانفتاح علي التيارات الجديدة سوف يتجمد وينكمش.
*ماذا عن موقف الوفد من التيارات الإسلامية؟
**في انتخابات 1984 تحالف الوفد مع الإخوان ورفع الوفد شعارات الوحدة الوطنية وحصل الإخوان علي تسع نقاط وكان علي برنامج الحزب وعلي برنامج الإخوان وانتهي التحالف عندما أرادت جماعة الإخوان المسلمين فرض برنامجها الديني فالتجربة أثبتت أن الوفد لايغير من ثواته وبالمقارنة بين انتخابات 1984 وانتخابات 1987 تتضح الحقيقة حيث لجأوا للتحالف مع العمل والأحرار في انتخابات 87 ورفعوا شعارالإسلام هو الحل.
*ما رأيك في الفوضي التي نشهدها الآن وهل هي سمة أساسية بعد الثورات؟
أي زلزال ينجم عنه أنقاض وبالتالي لابد من رفع الأنقاض لكي نعيد البناء, ومما يزيد من الفوضي أن هناك تباطؤا في رفع أنقاض النظام السابق وعدم الشروع في بناء سياسي جديد.
*مسئولية من؟
**مسئولية الشعب المصري كله الحاكم والمحكوم وأمام الحكومة الحالية أولويتان: الأولي استعادة الأمن في جميع ربوع الوطن والثانية انقاذ الاقتصاد المصري وإذا لم يتم ذلك بسرعة ستكون الفاتورة عالية جدا وأنا متفائل في هذه الأمور لأن من يراهن علي الشعب المصري يربح كثيرا.
*هل تري أن هناك تباطؤا في محاسبة الفاسدين من رموز النظام السابق؟
عملية الوقت والمحاكمة تترك للقضاء ولكن لابد أن نضمن في نفس الوقت عدم وجود عراقيل أو ضغوط سياسية تقف أمام المحاكمات وأفضل أن تتأخر العدالة بقدر معقول عن أن تتشوه.