التقيناه منذ أيام بالجريدة فهو في زيارة لمصر علي رأس وفد علمي من أساتذة ودارسين بجامعة كلير مونت للدراسات العليا بكاليفورنيا التي يدرس بها للمشاركة في المؤتمر الدولي حول المسيحية والرهبنة بأسوان والنوبةالذي تنظمه بأسوان مؤسسة مارمرقس لدراسات التاريخ القبطي خلال الفترة من 1-4 فبراير.2010
لكن الدكتور جودت جبرة لايحل ضيفا بوطني باعتباره واحدا من كتابها منذ ثمانينيات القرن الماضي بصفحةمن دفتر أحوال الوطنالتي ازدانت بأقلام جوقة من رواد البحث والكتابة في التاريخ والحضارة القبطية أمثال:د. وليم سليمان قلادة,د. سليمان نسيم,أ.ماجد عطية وآخرين من أساتذة معهد الدراسات القبطية.
أثناء الجلسة والترحاب لاحظت بحديثه نبرة أسي من جراء مذبحة نجع حمادي التي وقعت عشية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد 2010 وهو كدارس وباحث ومحاضر للتاريخ المصري بعصوره يشخص الداء بخلل ثقافي تعليمي ظل يتراكم عشرات السنين وتحديدا منذ بدايات حكم الرئيس السادات حتي ساد وطغي وبلغ حد المرض العضال الذي يحتاج لسنوات حتي نقتلعه من الجذور.
حول فاجعة نجع حمادي:الأسباب والجذور ومن ثم الحلول والخروج من أمراض الطائفية المقيتة كان حوارنا مع الدكتور جودت جبرة المدير الأسبق للمتحف القبطي والأستاذ بجامعة كليرمونت الأمريكية فإلي الحوار:
0 ماذا يزعجك من المناخ السائد في الشارع المصري؟
00 أثناء تجوالي علي مدي 15 يوما بالعديد من البلاد أصابني بإزعاج أن كل كنيسة أمامها إما قسم بوليس مصغر أو عسكري..وهذا وضع ينم عن مشكلة لأنه إن لم تكن هناك مشكلة للأقباط فلماذا لايوجد عسكري أمام كل مسجد..هذا المشهد يهزني وباعتباري متخصصا في التاريخ والحضارة القبطية وعشت بمصر معاصرا للكثير من الأحداث الطائفية منذ بداية حكم الرئيس السادات لذا أري أن جذور المشكلة ثقافية ترتبط بمناهج التعليم ومن ثم فهي المحرض الرئيسي والفعلي لحادث نجع حمادي الأخير.
0 لندخل إلي العمق
00 كلنا نعلم أن الأسباب التي أوصلتنا لهذا الوضع المتردي بدأت من أربعين سنة تقريبا عندما دعم الرئيس السادات ما يعرف بالجماعات الإسلامية داخل الجامعات المصرية حتي أصبحت يوما ما خطرا علي الدولة. والمشكلة في هذا أن الجيل الذي تربي في مناخ يستطيع فيه الطالب أن يوقف الأستاذ من محاضرته للصلاة..هذا الجيل هو الذي يتحكم في مقاليد الأمور بالبلد بمختلف المواقع.
0 هناك مقولة شهيرة تقول إن محاربة الإرهاب تبدأ من وزارة التربية والتعليم وتنتهي بوزارة الداخلية!
00 نعم.. ماذا يتعلم الطالب في مصر؟..أول شيء يتعلمه أن الأقباط كانوا فئة مضطهدة من الرومان وسعدوا بالفتح الإسلامي الذي حررهم من ظلم الرومان,وكأن الفترة من العصر الروماني حتي اجتياح العرب لمصر لم تكن فيها أي إنجازات للأقباط ولم يكن فيها سوي اضطهاد وانتهت القصة!
أيضا التلميذ المصري يتعلم أن أهل مصر رأوا سماحة الإسلام فدخلوا في دين الله أفواجا بينما هم الذين كانوا يعذبون من قبل الرومان بأشد العذابات دون أن يتركوا في غالبيتهم الإيمان المسيحي!
وهذا الأمر خطير للغاية لأنه يصدر للطالب القبطي أنه ليس له أي إنجازات وأن دخول العرب لمصر هو الإنجاز..بينما التاريخ يثبت أن العرب كان هدفهم الأساسي الحصول علي الخراج والجزية مثلهم مثل الرومان.
0 وأين الفترة القبطية إذن بالمناهج التعليمية؟
00 كثير من الأقباط يتباكون بأن الحقبة القبطية مدتها ستة قرون منسية,والحقيقة لايوجد مسمي بالعصر القبطي أو الإسلامي ولايوجد في الدراسات التاريخية علي مستوي العالمتحقيب بالأديانفلا نقول الحقبة الفرعونية وثنية بل نقول الحقبة الفرعونية إذن يبدأ تاريخ الأقباط من القرن الأول الميلادي حتي القرن الحالي وتاريخ مصر كله تاريخهم قديما ووسيطا وحديثا:
إذن تحتاج مناهج التاريخ بالمدارس إلي تغيير..يصح أن نقول العصر الفاطمي والطولوني والأيوبي والمملوكي والعثماني والحديث..وكل عصر من هذه العصور فيه حضارة قبطية وإسلامية جنبا إلي جنب وفي العصور القديمة كانت الحضارة القبطية هي الغالبة ثم سادت الإسلامية في العصرين المملوكي والعثماني..
وعلي سبيل المثال فن التصاوير الجدارية معظمه قبطي وهو يمثل تاريخ الفن في مصر.فلا يصح أن نصبغه بالصبغة الدينية والطالب يجب أن يتعلم أن الحضارتين تمضيان معا.
0 وكيف يستقي الطالب الحديث غذاءه الثقافي؟
00 الأنبا أثناسيوس البابا العشرون في عداد باباوات الإسكندرية والملقب بحامي الإيمان لأنه وضع قانون الإيمان المسيحي لكل مسيحيي العالم هل يعرف الطفل والطالب المصري عنه شيئا؟!..لكنه يعرف كثيرا عن القائد العربي عمرو بن العاص,بينما القائد الروحي أثناسيوس الرسول فخر الحضارة المصرية والمعروف في العالم كله لايعرفه الطالب المصري.
لايعرف الطالب المصري أن المحراب بالجامع مأخوذ من شرقية الكنيسة ولايعرف أن البخارين الأقباط بنوا قبة الصخرة في القدس وأنهم كلفوا بذلك خصما من جزية القريةقرية كوم إشقاوبسوهاج ..وهل يعرف أن النجارين الأقباط استعين بهم في إصلاح الكعبة وأن فناني الأقباط هم أول من شكل الفنون الإسلامية بعصور كثيرة وكان منهم علي سبيل المثال الوزير أول رجل بعد الخليفة.. هوامش ضئيلة يعرفها الطالب المصري عن الأقباط ومن ثم يحتاج منهج التاريخ لمراحل التعليم إلي تغيير.
0 وماذا عن مناهج تعليم الدين المسيحي داخل المدارس؟
00 الطالب المسيحي يتساوي مع زميله الطالب المسلم فلا يعرف كثيرا عن حضارة بلده بسبب مدرس الدين غير المتخصص ,بينما في ألمانيا أنشأوا ثلاثة أقسام للدراسات الإسلامية في ثلاث جامعات لتعليم من يقومون بتدريس الدين الإسلامي للأتراك الذين ليسوا من أصل ألماني .أما الطالب القبطي فلا يقوم بتدريسه مدرس متخصص.
أيضا يمثل هذا مطلبا بالجامعة فيجب إنشاء أقسام مستقلة لتدريس الحضارة القبطية بجامعاتنا المصرية.ففي قسم آثار ما قبل التاريخ بكلية الآثار جامعة القاهرة دبلومة يستطيع الطالب المصري معها دراسة كل حضارات بلده عدا الحضارة القبطية.
في الحقيقة أجدني أخجل في نهاية كل مؤتمر دولي للدراسات القبطية حيث يرسل العلماء الأجانب برقيات لوزير التعليم العالي ولرئاسه الجمهورية لإنشاء أقسام مستقلة للدراسات القبطية في مصر موطن الحضارة القبطية!
0 وهل تقع مسئولية علي الأقباط في هذا الشأن؟وما دورهم؟
00 علي الرغم أن طبيعتي غير متشائم إلا أنه بالنسبة لهذا الأمر يشير الواقع إلي مطالبة الأقباط منذ عام 1976 بإنشاء أقسام للدراسات القبطية وحتي الآن لم يتم شيء!لكن إذا كانت الدولة ممثلة في وزارة التعليم العالي لاتؤدي واجبها في ذلك فيجب علي الأقباط أن يقوموا به.
0 لكن كيف؟
00 المشكلة حاليا تكمن أساسا في أن عدد أعضاء هيئة التدريس من الأقباط قل وندر تدريجيا منذ الستينيات فلم تعد الجامعات المصرية تقدم أساتذة مثل عزيز سوريال عطية ومراد كامل وسامي جبرة وألكسندر بدوي وغيرهم,وهم درسوا بالجامعات المصرية وأسسوا أقساما بمعهد الدراسات القبطية في الخمسينيات وأوائل الستينيات .
حاليا من النادر وجود أمثال هؤلاء في مصر..ولكن نظرا للدور الثقافي العلمي المهم في تخفيف الطائفية المقيتة أناشد الأقباط وعلي الأخص رجال الأعمال بالاهتمام بهذا الأمر وأيضا الكنيسة القبطية.
وأعتقد أنه لابديل عن إرسال مجموعات من الشباب والرهبان لدراسة اللغة القبطية وآدابها والفن القبطي والعمارة القبطية والتاريخ القبطي والأوضاع الاجتماعية والسياسية للأقباط علي مر العصور.
وبإمكان هؤلاء أن يصبحوا متخصصين في المستقبل ويكونوا قادرين علي نشر الوعي بالثقافة القبطية سواء بالإعلام المصري أو بالجامعات المصرية وأيضا في التعاون لإصلاح المناهج التعليمية وإبراز دور الأقباط كجماعة وطنية علي مر العصور فلاشك أن هذا يزيد من الروابط بين المسيحي والمسلم وإن كان يحتاج لسنوات.
يجب كذلك تشجيع الجامعات بالخارج لإنشاء مزيد من الكراسي الجديدة للقبطيات كما حدث في سيدني بأستراليا وهنا يجب أن نذكر موسوعة القبطيات8 أجزاءوأعدها د.عزيز سوريال بجامعة يوتا الأمريكية وهنا ينبغي ترجمة هذه الموسوعة بعد تنقيحها من بعض المواد الخاصة بالعقيدة الأرثوذكسية وإتاحتها إلكترونيا وهو مشروع ضخم يحتاج إلي تمويل بالملايين.
وهنا أوجه الشكر لمجموعة رجال الأعمال الذين ساهموا في إنشاء كرسي القبطيات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أما الدراسات الخاصة باللاهوت والعقيدة فمكانها في مصر .
0 هل قامت وطني بدور من حيث نشر الوعي بالثقافة القبطية ؟
00 كثير من هذه الموضوعات تطرقت إليها جريدة وطني في أوائل الثمانينيات أذكر شخصيا أيام الراحل أنطون سيدهم حين أسسنا صفحة من دفتر أحوال الوطنمع شخصيات رائدة مثل د.وليم سليمان قلادة ود. سليمان نسيم وأ.ماجد عطية وآخرين,ونأمل أن ما كتبناه يشجع علي الاستمرار في المطالبة بهذه الأمور التي بدونها لن يتغير المناخ المحتقن طائفيا بعد أن تدهور بإمتداد أربعين سنة وهو المسبب الحقيقي والفاعل الأكبر لمذبحة نجع حمادي وما سبقها.
0 نعود لحديثك في البداية.. كيف تقرأ الجزية في التاريخ؟!
00 يتم تدريس الجزية في مناهج التاريخ علي أنها مبلغ ضئيل يدفعه الذمي ليصبح في ذمة المسلم لحمايته ,بينما في مصر لا القبطي ولا المسلم كانوا ينخرطون في الجندية فمعظم الجيوش كانت من المحتل ابتداء من عمرو بن العاص حتي العثمانيين عدا فترة قليلة جدا.
وكان دور الفلاح المصري فقط سواء كان مسلما أو مسيحيا أن يدفع الخراج والضرائب وهي في مجملها تؤدي إلي بؤس المسلم والمسيحي لكن تضاف الجزية علي المسيحي.
وهناك تعليل بأن لايدفع المسلم الجزية لأنه ينخرط في سلك الجندية لكنه تعليل مغلوط علي مدي عصور طويلة ولأنه يدفع الزكاة والصدقة التي لايستفيد منها سوي فقراء المسلمين ولذلك دفع الأقباط الجزية دون وجه حق!
0 وهل من وجه مقارنة بين حادثة مروة الشربيني بألمانيا وحادث نجع حمادي بصعيد مصر؟!
00 انزعج المصريون لحادثة مقتل مروة الشربيني بألمانيا وقامت الدنيا ولم تقعد بينما في مصر اعتبرت حادثة مقتل 6 أقباط ومجند مجرد حادثة فردية صحيح أدينت علي كافة المستويات لكن أين دلالاتها وكيف سنعالج مثل هذه الحوادث مستقبلا لمنع تكرارها.
وهنا أتساءل هل قيمة المصري داخل وطنه لاترقي لقيمته خارج الوطن؟!
0 إذن الأزمة الحقيقية تكمن في نوع الثقافة التي يتشربها الطالب المصري بالمدرسة والجامعة.
00 بالطبع والحل يتطلب سنوات لإزالة تراكمات سنين طويلة فالأمر يحتاج لجهد كبير وسنوات لمحوه إذا خلصت النوايا ولو اتجهت الدولة للاهتمام بهذا الأمر وأيضا الكنيسة ورجال الأعمال الأقباط لأن نشر الوعي بالثقافة القبطية مسئولية الجميع..فهل نبدأ؟!!