دراما السيرة الذاتية بين الواقع التاريخي والعمل الفني, أصبحت منطقة شائكة ومثيرة للجدل بل وصلت إلي ساحات المحاكم ليبقي السؤال هل الشخصية العامة ملك الورثة أم من حق العمل الفني التعامل معها, باستخدام أدواته في التشويق والجذب والتي في الغالب لا تعجب هؤلاء الورثة.
لقد أثارت مسلسلات مثل شيخ العرب همام والجماعة وليلي مراد والملك فاروق العديد من التساؤلات. ونحن في هذا التحقيق نحاول أن نلقي الضوء علي هذه القضية.
في البداية يقول الناقد الفني الدكتور وليد سيف: إن ما يحدث من اعتراضات تجاه أي من الأعمال الفنية حينما تتناول حياة سيرة ذاتية لشخصية عامة يرجع إلي الخلط بين الواقع الحقيقي والواقع الدرامي والجهل بعدم التفريق فيما بينهما وبالتالي يصعب إدراك أن ما يسرد عن قصة حياة الشخصية العامة لم تكن كما هي بتفاصيلها كاملة فبطبيعة الحال هذا أمر يحتاج لزمن عرض أكبر, ولهذا يتم اختزال أمور كثيرة وربما قد تحدث إضافات وابتكارات لمواقف وأحداث لم تحدث بالفعل وإنما هي لاعتبارات درامية أو سينمائية تخدم بها العمل الفني وهذا من حق الفنان المبدع أن يخدم علي عمله بالصورة المناسبة التي يراها.
ويضيف الدكتور وليد قائلا: إن مشكلة مجتمعنا الحقيقية التي نواجهها حاليا تكمن في عدم المصارحة الكافية بنقاط ضعفنا وعيوبنا لذا حينما نطرح قضية ما للمناقشة أو تقديم عرض لشخصية تاريخية تقف الدنيا من حولنا وتتعالي الاحتجاجات لاتخاذ موقف ضد ما تكشفه الدراما, وهو وإن دل فإنما يدل علي غياب ثقافة قبول الآخر في ظل دور الدراما الذي لا يتعامل مع الشخصيات بمثالية.
ويذكر محمد منيب محام وناشط حقوقي ما نشاهده من كم الاعتراضات علي تقديم سيرة ذاتية لشخصية عامة في أي عمل درامي ومن ثم اللجوء للقضاء للمطالبة بوقف عرضه ينتج من عدم تطابق سيناريو العمل الدرامي مع مفردات التاريخ لهذه الشخصية ومن المؤكد أن تغيير ما لصالح العمل ولصالح للتشويق ولصالح النتيجة والفكرة التي يقدمها العمل الدرامي أدي إلي تجاهل بعض الأمور أو إحداث أو بعض المواصفات الخاصة للشخصية ذاتها أو ربما إضافة أحداث أو أمور أو شخصيات أو بعض المظاهر الشخصية من باب الحبكة الدرامية ومن ثم رؤية ورثة الشخصية التاريخية بأن لهم كل الأحقية في الحفاظ علي صورتها التي هي وفقا لرؤيتهم باعتبارها ملكا خاصا بهم وعليهم ألا يقبلوا أي تغيير تتكون من خلالها صورة سلبية لدي الجمهور العريض حتي لا تصبح ذاكرة يخلدها التاريخ.
ويضيف منيب قائلا إن مسألة اللجوء للقضاء هو أمر لا يمكن قبوله إلا إذا كان التدخل في الشخصية قد أدي إلي إهانتها إهانة شديدة أو مسخها بصورة لا يمكن توافقها مع الشخصية التاريخية الحقيقية أو أنه استنبط وقائع أو نهاية غير صحيحة ساعدت علي تشويه الشخصية بما يخالف الواقع, وهو ما لم يحدث مع عرض السير الذاتية للشخصيات التاريخية علي مدار السنوات الماضية.
وعن فكرة حق الورثة في رفع القضايا ضد عمل فني يتناول سيرة شخصية ومصير تلك القضايا المرفوعة يقول ناصر أمين المحامي إن من حق الورثة والأهل اللجوء للقضاء إذا ما كان هناك تشويه للحقيقة من دون وجه حق لذا تنظر القضايا أمام القضاء لدراسة العمل الفني للبت فيه للتأكد من مدي صحة عدم تشويه السيرة الذاتية للشخصية التاريخية من عدمه وإذا ما ثبت التشويه ستتخذ إجراءات شديدة تجاه هذا العمل أما إذا تبين أنه لم يكن هناك أي إخلال أو تشويه للصورة فسيظل العمل قائما دون تغيير لتصبح الشخصية العامة ملكا للجماهير ولا يحق لوريث أو قريب أو مؤيد أو معارض أن يحتكرها.
وتقول المخرجة إنعام محمد علي إن الدراما التي تتناول السير الذاتية لشخصيات عامة تقدم في الغرب بشكل صريح وواضح يحث يعرض العمل الدرامي لصاحب السيرة بما له وما عليه, واصفة أن ما يحدث للشخصيات العامة في مصر والدول العربية ما هي إلا محاولات لتمجيدها وحينما يعرض عمل فني ذو قيمة أو مجرد السمع عن نية مؤلف ما أو مخرج ما يتناول سيرة ذاتية لشخصية تاريخية تتغير الأحوال والدليل كم الاعتراضات التي نسمع عنها.
وتتساءل قائلة لماذا يقاضي ورثة الشخصية العامة دراما السيرة الذاتية؟ أليس في ذلك تقييدا لحرية الفن والإبداع والتعتيم علي ما كان يحدث في فترة سطرت أحداثها في التاريخ. ألم يكن مسلسل أسمهان هو أقرب عمل قدم لفن السيرة الذاتية بالمعني الدرامي للسيرة حيث أظهر ما للإنسان من وجهي الخير والشر, فلماذا التراجع والمطالبة بوقف عروض المسلسلات والأفلام التي تطرح مثل هذه الأعمال الجيدة؟ هذا بالطبع أمر يدق ناقوس الخطر يحتاج لوقفة حاسمة وعدم أخذ الأمور بتهاون وقد وصل الاعتراض ليشمل الاحتجاج فئة بعينها من فئات المجتمع مثلما حدث مع مسلسل زهرة وأزواجها الخمسة هذا العام وطلب الممرضات بوقف عرض المسلسل باعتباره أهان لمهنة التمريض وهذا يعد إجحافا لدور الفن في تجسيد الواقع حينما لا تترك له المساحة ليعبر عن نماذج موجودة بالفعل, وهو بالطبع ما لا يعبر عن الفئة بأكملها فمجرد تمثيل نموذج لممرضة ما لا يعبر بالتأكيد عن فئة التمريض بأجمعها وإلا سيصبح تمثيل طبيب أو مهندس مرتشي علي سبيل المثال في عمل ما يسيء للمهنة وما أود أن أذكره هو إذا أخذنا بهذا الاعتراض وعممناه علي جميع الفئات بمهنها المختلفة لن نترك للفن أي مساحة للتعبير عن أي شيء!!