حياة البر والفضيلة لاتسير سهلة باستمرار, إنما تصادفها عوائق في الطريق حتي في سير القديسين صادفتهم في حياتهم عوائق:
فلماذا سمح الله بهذه العوائق؟ما مصادرها وأسبابها وفوائدها؟
أسباب العوائق ومصادرها
1- هناك عوائق سببها الشيطان.
الذي يجول مثل أسد يزأر,يلتمس فريسة, الذي يلقي الزوان في كل حقل. الذي ألقي نصيحة مهلكة في أذن أمنا حواء..هذا الذي يجب أن نحترس منه كما قال معلمنا بولس الرسوللأننا لانجهل أفكاره2كو:11
إن القديس أثناسيوس في جهاده ضد الأريوسية قال:إن عدونا الأول ليس هو الأريوسية وإنما الشيطان..
من ضمن أسبابها:الأكاليل الناتجة عنها:
فإذا وجدت عوائق وانتصر الإنسان عليها,إنما يدل بذلك علي محبته لله وإصراره علي السير في الطريق الروحي مهما صادفته من عقبات وهكذا ينال أكاليل علي محبته وجهاده وانتصاره.. فلا يقل أحد:تصادفني متاعب في البيت والعمل والبيئة نقول له:هذه طبيعة الطريق الروحي.. لابد أن يكون هكذا.. فلماذا؟
هناك ما يسمونه حسد الشياطينيحسدون الأبرار علي برهم.. يحسدونهم علي أنهم نجحوا في منهج فشلوا هم فيه.. يحسدونهم علي اختبارهم حياة القداسة والنقاوة وعلي علاقتهم الطيبة بالله ويحسدونهم علي النعمة المصاحبة لهم وعلي عمل الروح القدس فيهم.. بل يحسدونهم علي الحياة مع الله.. لذلك يثيرون حولهم الزوابع لكيما يفشلوا ويصيروا مثلهم ضمن مملكتهم.
فإن وجدت عوائق اطمئن لأنك سائر في الطريق السليم لو كنت سائرا في طريق الشيطان ما كان يحاربك!بل علي العكس يسهل طريقك ويشجعك. أما محاربته لك أو محاربة أعوانه فدليل أكيد علي أن مسلكك يتعب الشيطان ولهذا قال السيد المسيح له المجد:
لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم
إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكميو15:18,19..إن بغضة العالم لك ومضايقته لطرقك,أمر طبيعي ومطمئن ووسام علي صدرك
وقد وصف الرب الباب بأنه ضيق والطريق بأنه كربمتي7:14.
إن العمل العظيم هو الذي هو الذي يستحق المحاربة من عدو الخير كذلك فإن البداية الطيبة تخيفه لئلا تنمو وتثمر لذلك نري كثيرا أن البدايات تكون صعبة في كل عمل ناجح لأنك كلما تبدأ في عمل الخير يبدأ الشيطان وأعوانه عملا مضادا لك..
حتي في حياة الرسل وكبار الآباء القديسين كانت هناك عوائق أمام خدمتهم وكرازتهم.
قام ضدهم أباطرة وملوك وولاة وحكام وقضاة ودفعوا إلي محاكمات وسجون ونفي وتعرضوا لظلم واضطهادات ووقفت ضدهم الديانات والفلسفات القديمة ويكفي قول السيد لهم وتكونوا مبغضين من الجميع لأجل اسميمتي10:22وقوله أيضاتأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة للهيو16:2ولكننا في كل ذلك نقول:كانت هناك عوائق,ولكنها لم تكن موانع.
قامت عوائق كثيرة ضد الكرازة ولكنها لم تستطع أن تمنع الكرازة.. بل امتد الإيمان وانتشر وتأسست الكنائس في كل مكان ويكفي في ذلك قول الكتابوالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمةأع8:4وقيل ما يشبه ذلك في العهد القديمولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وانتشرواخر1:12وقيل أيضا عن الكنيسة كل آلة صورت ضدك لاتنجحأش54:17
وقف العالم كله ضد أثناسيوس الرسولي ونفي عدة مرات وعزلوه ورجع إلي منصبه ومع كل ذلك انتصر أثناسيوس علي كل مقاوميه.
2- من العوائق أيضا:العالم ومحبته والحواس وطياشتها
فالحواس هي أبواب للفكر والفكر يوصل إلي القلب والمشاعر والعالم يقدم حروبا كثيرة وعوائق في طريق الروح وهكذا الجسد وكل عوائقه.
3- ومن العوائق أيضا الأخوة الكذبة والمرشدون المضلون والعشرة الردية
كما قال الرب لإسرائيلمرشدوك مضلونأش3:12
وكما وصف الرب الكتبة والفريسيين بأنهم قادة عميان متي23وقال إن أعمي يقود أعمي كلاهما يسقطان في حفرة.. ويدخل في هذا الأمر المفاهيم الخاطئة التي تنتشر في وسط أي جماعة فتضللها وتعيقها عن الوصول إلي الله.. إن بطرس بمفهومه الخاطيء عن الآلام وقف معثرة أمام الرب فانتهره وقال لهاذهب عني…متي16:23
ومن ضمن هذه المعوقات الكتب والمطبوعات الخاطئة .
4- ومن المعوقات إذن الطباع الشخصية للإنسان:
وربما تكون بعضها طباعا موروثة أو طباعا مكتسبة من البيئة أو من كثرة الممارسة ولكن علي الإنسان أن ينتصر عليها سواء كان الشخص غضوبا أو سماعا أو متسرعا إلخ.
5- وهناك عوائق من شهوات النفس الداخلية:ومن أهدافها الخاطئة كما قال الكتاب لم تصبكم تجربة إلا بشرية ونحن نصلي إلي الله أن ينقذنا من كل العوائق أيا كانت مصادرها.
ولكنني في كل هذه العوائق والمحاربات أحب أن اطمئنك وأقول لك:لاتخف بل أثبت واستمر فهناك حقيقة.أنت لست وحدك في محاربتك إنما معك المعونة الإلهية الشيطان يعيقك والنعمة تشجعك وتقويك.. الله يسمح بوجود العوائق هذه نصف الحقيقة أما النصف الأخر فهو أن الله في نفس الوقت يعطيك القوة التي تجاهد بها وتنتصر بل هو نفسه يقودك في موكب نصرته2كو:14..
إنه يسمح بالتجارب ولكنهأمين لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضا المنقذ لتستطيعوا أن تحتملوا 1كو10:13ولكنك لعلك تسأل:ولماذا يسمح الله بالتجربة؟ولماذا يسمح بالعوائق؟وهذا ينقلنا إلي نقطة أخري وهي:
الاختبار:
سمح الله بالعوائق لاختبار محبتنا ولاختبار إرادتنا واختبار مدي طاعتنا.
كل إنسان يمكنه أن يقدم نية طيبة ووعودا طيبة مثلما فعل بطرس حينما قال:وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداولو اضطررت أن أموت معك لا أنكركمتي26:35,23.. ولكن في ساعة التنفيذ حينما تبدو المخاوف والمخاطر هنا يقف الاختبار أمام كل الكلام النظري وكل النيات الطيبة وهناك أمثلة كثيرة ترينا كيف تقع العوائق كاختبار:
1-إنسان متيسر وغني يستطيع أن يعطي دون أن يؤثر العطاء علي مركزه المالي أما إن وجدت عوائق من الاحتياج أو العوز فهنا تختبر فضيلة العطاء وهكذا ظهرت فضيلة الأرملة التي أعطت من أعوازها ,مدحها الربمر12:44هكذا أيضا ظهرت فضيلة أرملة صرفة صيدا التي أعطت إيليا النبي.. في أيام المجاعة ما معها من دقيق وزيت ستعمله ليكون أكلتها الأخيرة هي وابنها ثم يموتان1مل17:12إذن فالذي يدفع للرب وليس عنده تكون محبته أعمق وأجره أكبر ..
ب- وينطبق العطاء من العوز علي الوقت وعلي العشور.. أيضا كما ينطبق كذلك علي القوة والصحة..
فالذي يدفع العشور وهو فقير كل إيراد لايكفيه هذا الذي انتصر علي عائق الفقر,وأطاع الوصية علي الرغم من العوائق بعكس الذي يتخذ العوز عذرا يغطي أو يبرر به عدم طاعته كذلك الخادم الذي يستمر في خدمته في عمق أيام الامتحانات وليس لديه وقت علي الإطلاق بل هو محتاج إلي كل دقيقة وكذلك الذي يتعب في الخدمة علي الرغم من ضعف صحته كل هؤلاء في انتصارهم علي العوائق دلوا علي أن محبتهم لله وللناس أكثر عمقا وبرهنوا علي تمسكهم بعمل الخير مهما كانت العوائق.
ج- وكذلك من يحتمل غيره علي الرغم من عمق الإساءة وعلي الرغم من الإحراج أمام الناس..
إنه يدل علي أن فضيلة الاحتمال التي عنده انتصرت علي العوائق ولذلك قال السيد المسيح له المجدلأنه إن احببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك وإن سلمتم علي إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلي مبغضيكم..متي5:44-47هنا المحبة والسلام علي الرغم من طول المدة في الاحتمال وكذلك من يحتمل خيانة صديق علي الرغم من عمق الخيانة ونتائجها.
هـ- كذلك من يقول كلمة حق,مع عوائق من النتائج المتعبة:
سهل أن تقال كلمة الحق إن كانت سهلة ولا أذية من قولها.. أما من يقول كلمة الحق علي الرغم من الاضطهاد الذي يلحقه بسببها, فهذا يدل علي مدي اهتمامه بالشهادة للحق كما يدل أيضا علي شجاعة وجرأة ومن أمثلة ذلك القديس يوحنا المعمدان الذي قال للملك هيرودس :لايحل لك أن تأخذ امرأة أخيكمر6:18وكانت النتيجة أن يوحنا ألقي به في السجن وقطعت رأسه علي طبق.
و- مثال آخر هو الشكر علي الرغم من العوائق.
كل إنسان يمكنه أن يشكر الله في حالات الصحة والراحة والسعة والنجاح.. أما أن تشكر الله وأنت في المرض والألم أو تشكره وأنت تحتمل ظلما واضطهادا أو تشكره وأنت في الفقر والعوز أو تشكره وقد صليت صلوات كثيرة ولم تشعر باستجابته.. ففي هذا كله يظهر عمق فضيلة الشكر عندك ويظهر أنك تحب الله من أجل ذاته وليس من أجل خيراته.. العوائق تظهر مدي ثبات الإنسان في إيمانه وفي علاقته بالله والناس.
إن الشهداء أظهروا عمق إيمانهم علي الرغم من التهديدات والعذابات والسجن والنفي وعلي الرغم من الإغراءات الكثيرة التي عرضت عليهم,برهنوا أنهم كانوا أقوي من كل ذلك وانتصروا علي عوائق الألم والإغراء ونالوا الأكاليل. وأيوب الصديق ظهرت فضيلته علي الرغم من فقده ماله وأولاده وصحته كما فقد العطف من أصدقائه وزوجته وفقد الاحترام من عبيده بل فقد كل شيء لكنه استطاع أن يقولالرب أعطي الرب أخذ ليكن اسم الرب مباركاأي1:21
كذلك في التعامل مع الأصدقاء والمعارف يبدو عمق العلاقة إن استطاع الإنسان أن يحتفظ بمحبته ولايضحي بها بسبب خطأ يحدث أو إهمال مقصود أو غير مقصود أو بسبب تقصير أو زلفة لسان…إلخ.
الفضيلة الثابتة علي الرغم من العوائق تشبه البيت المبني علي الصخر:
ثبات هذا البيت تعرض لعوائق من الرياح والأمطار والأنهار ولكنه انتصر ولم يسقطمتي7كذلك الإنسان الروحي الذي يبقي إيمانه ثابتا ولا يفقد هدوءه ولا سلامه ولا محبته علي الرغم من كل العوائق لايهتز ولايتغير ولايضطرب ولا يشك ولا يضعف.. تدل الاختبارات علي أن معدنه طيب وقوي وعلي أنه يحيا حياة الانتصار باستمرار
مثال ذلك:إبراهيم أبو الأباء في كل اختبارات إيمانه
كانت دعوته الأولي:أن يترك أهله وعشيرته وبيت أبيهتك12ويمضي وراء اللهوهو لايعلم إلي أين يذهبعب11:8ومع ذلكلما دعي أطاع ولم يناقش ثم كان الاختبار الثاني والأصعب أن يأخذ ابنه وحيده الذي تحبه نفسه ويقدمه لله محرقة علي أحد الجبالتك22:2ولم يقف هذا الأمر عائقا أمام محبة إبراهيم لله ولا أمام إيمانه ولا طاعته.
كذلك هناك فرق كبير بين الخدمة السهلة والخدمة الصعبة:
كثيرون يفضلون الخدمة السهلة المريحة وبلا شك أن أجرها عند الله لايمكن أن يكون في مستوي الخدمة الصعبة التي بلا إمكانيات مثل كرازة مارمرقس في أرض مصر.. أو تكون خدمة فيها مشاكل ومتاعب من الأوضاع أو من الناس أو من إخوة كذبة كما حدث لبولس الرسول2كو11,6,4الذي قال أيضاحاربت وحوشا في أفسس1كو3:8فكلما انتصر الإنسان علي عوائق الخدمة لأجل بناء ملكوت الله,هكذا يكون أجره عظيما في السماء.
فوائد العوائق
1- العوائق تذكرنا بضعف طبيعتنا وتقودنا إلي الاتضاع ربما لو كانت الحياة الروحية سهلة وبلا عوائق وسلسلة من الانتصارات لوقع الإنسان في المجد الباطل والشعور بالقوة بينما العوائق كثيرا ما توقفنا أمام حقيقة أنفسنا فنشعر بأننا ضعفاء وإن الأمر ليس سهلا ويحتاج إلي جهد قد يكون فوق مستوانا.
وهكذا تتضع قلوبنا من الداخل وبخاصة إن فشلنا في بادئ الأمر كما حدث مع بطرس,ومع داود,ومع شمشون.
2- وهذه العوائق كما تسبب لنا الاتضاع تدعونا إلي الصلاة فلا نعتمد علي أنفسنا إنما نعتمد علي الله ونقول مع المرتل: لولا أن الرب كان معنا لابتلعونا ونحن أحياءمز124ونقول للرب أيضاإصغ إلي صراخي,لأني قد تذللت جدا نجني من الذين يضطهدونني لأنهم أشد منيضاع المهرب مني وليس من يسأل عن نفسي فصرخت إليك يارب وقلت أنت هو رجائي وحظي في أرض الأحياءمز142العوائق تجعل صلواتنا أكثر عمقا وأكثر حرارة.
3- والعوائق أيضا تعطينا خبرة روحية ونلمس يد الله وتدخلها لإنقاذنا أليس هو القائلبدوني لاتقدرون أن تعملوا شيئايو15:5
نلمس قولهأنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهرمتي28:20وهكذا نري عمليا كيف أن الله يحل لنا المشاكل ويزيل العوائق والعقبات وندرك عمليا قول الله عن زربابل من أنت أيها الجبل العظيم؟أمام زربابل تصير سهلازك4:7ونختبر كيف يحول الله الشر إلي خير وكيف يتدخل في الأحداث ويدبرها حسب مشيئته ويجعلها كلها تؤول إلي مجد اسمه. وبخبراتنا في الانتصار علي العوائق بمعونة إلهية نختبر عمليا تفسير الآية التي تقول:قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتونخر14:13-14
وإذا بالقصص التي نقرؤها في الكتاب تصبح واقعا عمليا أمامنا كقصة الثلاثة فتية في الأتون أو قصة دانيال في الجب ونضيف إلي حياتنا سجلا واقعيا من معاملات الله معنا أو مع اقاربنا وأصحابنا وزملائنا وبالتالي نكتسب شجاعة وقوة ولانعود نخاف من الشدائد ولا من العوائق ولا من الأمور الصعبة ونري كيف أن الله يسمح بالعوائق ولكنه يوجد طريقا داخلها للفكاك منها.
4- وبهذا علي الرغم من العوائق ندخل في حياة الشكر.
الشكر لله الذي انقذ ودبر وأزال العوائق.. الله الذي يفتح ولا أحد يغلق الله.. الذي هو أقوي من فرعون ومن نيرون ومن ديقلديانوس.. وهكذا نرتل قائليننجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين ..الفخ انكسر ونحن نجونا عوننا من عند الرب الذي خلق السماء والأرضمز124
ونري في كل العوائق أن الذين معنا أكثر من الذين علينا2مل6:16نري أن الملائكة المحاربين معنا أكثر من الشياطين القائمين علينا ونري أن عمل الله الهاديء أكثر من قوي الشر الصاخبة.. وعمل الروح القدس أعمق من كل الإغراءات المضادة.. إن آدم لم يشعر بقيمة كل الخبرات المحيطة به وهو في جنة عدن ولكن الشعب التائه في سيناء عرف قيمة الماء المتفجر من الصخرة والمن النازل من السماء لأن الاحتياج يعطي قيمة للشيء أكثر من توافره.
5- العوائق تنشط أرواحنا للقتال مع العدو.
وهكذا يغني القلب الذي يواجه العوائق ويقول مبارك الرب..الذي يعلم يدي القتال وأصابعي الحربمز144:1لولا جليات ما اختبر داود قوة رب الجنود ولولا الحروب الروحية ما كنا نحصل علي تعاليم الآباء الذين جربوا خداع العدو ووصفوا لنا قتالاته وطريقة الانتصار عليها.. لقد عاش بولس البسيط في ظل صلوات القديس أنطونيوس الكبير ثم دعاه القديس أن يسكن بمفرده في الوحدة لكي يجرب قتالات العدولكي تنشط روحه في الجهاد وتختبر الانتصار.