ويغلبنا الحنين إلي الحلم المستحيل حينا… فنمضي ونمضي ولا تبغي إلا ذاك الحلم… ندفع عمرا ونقضي دهرا… ولا من مراس يحط عليها حلم غاص في عمق المآسي… يطل ببهجة علي المشبعين ويرفع سورا للمعوزين…
قبل شهرين من اليوم جاءتني امرأة من إحدي محافظات وجه بحري… تعلو الطيبة ملامحها كما يعلوها الهم… استقبلتها منصتة لكنها لم تتفوه بشئ… ثم قالت فجأة: أنا مش عارفة أبتدي منين؟ ساعديني أبيع فص من كبدي علشان أقدر أكمل المشوار مع أولادي. أنا بعت كل حاجة… كل حاجة ومافيش فايدة. وانفجرت باكية.. ربت علي كتفها لتهدأ وتكف عن البكاء, وطلبت منها أن تقص حكايتها علي مسامعي ربما نجد حلا بعيدا عن الأفكار التي دفعها اليأس إليها. بدأت تروي ومع كل جملة سيل لا ينقطع من الدموع الصادقة المغمسة بمرارة الضعف وقهر العوز وقالت:
أنا موظفة في جمعية خيرية منذ عام .1982 تزوجت منذ خمسة وعشرين عاما من رجل عادي -موظف بسيط- وأنجبت ثلاثة أبناء, عشنا مستورين نوفر مصاريف التعليم والمأكل والملبس راضين غير ساخطين. دارت عجلة الزمن ودرنا معها, شابت رؤوسنا وشبت فلذات أكبادنا… فأضافت إلي أعباء الحياة عبئا لم نقو عليه. ثلاثة شباب لكل منهم احتياجاته وأحلامه, قررنا بيع المسكن الذي نعيش فيه -إيجار قديم- وحصلنا علي مبلغ محترم منه ثم قمنا بتأجير سكن حسب قانون الإيجارات الجديد, وحررنا العقد بمدة لا تتجاوز خمس سنوات كان زوجي خلالها يستعد للخروج علي المعاش. رتبنا أوضاعنا علي هذا الأساس منتظرين مكافأة المعاش, ومرت السنوات, ولأن زوجي بطبيعته هادئ غير قلق بطئ الحركة كنت أسعي أنا للبحث عن سكن بديل للاستقرار بدلا من الإيجار الجديد الذي استنزف ما ندخره للأبناء.
وفقني الله في الحصول علي شقة بديلة وأنفقنا ما لدينا من مال واستدنا بمبلغ قيمته 6 آلاف جنيه. عاصرت أياما عصيبة لتدبير سداد الدين ومصاريف المدارس حتي إن ثلاجة منزلنا اعتادت الخواء. ومصيبتي أن لي ابنا في كلية خاصة, كان حلم حياته الالتحاق بها, غلبني ضعفي أمام حلمه الذي كان أكبر من إمكانياتي, وأقوي من طاقتي علي الإنفاق. أقدمت غير عالمة بالمصير الذي نئول إليه جميعا, غامرت يدفعني عطاء الأمومة ولا تصدني رياح الواقع المرير.
استمر الوضع هكذا… سعي وإنهاك مستمر, إلي أن وقع زوجي فريسة لجلطة القلب, عولج في التأمين الصحي, لكن طلب الأطباء علاجا عالي التكلفة لا يتم صرفه في التأمين, وانفتحت جهة جديدة في الحياة علينا النضال فيها رضينا أم لم نرض.
لم أتمرد قط ولم أحزن, دأبت علي توفير الأكل والعلاج فكانا همي الأكبر, لكن الحمل فاق قوة الأكتاف فخررت ساقطة تحت وطأة الاحتياج, بعت كل ما يمكن أن يباع, حتي ملابسنا لم تنج من ثورة البيع. ولم أوف ما هو مطلوب مني, مرت علي أوقات كنت أسير فيها في الشوارع أبكي حتي أفقد الرؤية للحظات وأتعثر فأقع علي الأرض وأقوم لأكمل مسيرتي ودموعي وحدي, دون سند أو معين سوي الله.
حتي عملي حدثت به مشاكل عديدة, ولأني محملة بأكثر من طاقتي في كافة الاتجاهات لم أستطع المواجهة. وتعرضت لجزاءات متتالية وصلت إلي حد الوقف عن العمل. اسودت الدنيا أمام عيني… الابن الأصغر في الثانوية العامة والأكبر في كلية خاصة منعوه من الدخول من بوابتها بسبب التأخر في دفع المصروفات, إذ يتبقي عليه 1700 جنيه بعد أن اقترضت من البعض 3500 جنيه لدفع جزء من المصروفات التي مجملها مجموع الرقمين, الدائنون يطلبون سداد الدين, والجامعة تطلب بقية المبلغ, والابن الأصغر يحتاج لمصروفات التعليم, إنها الثانوية العامة… وزوجي يرقد مريضا لا حيلة له… ولا حيلة لي لذلك جئت إليكم بلا تردد لعلي أجد المعين لديكم.
لصاحبة هذه المشكلة أقول:
لمست الصدق في وجهك قبل أن أسمع حديثك… نفذت دموعك إلي قلبي قبل أن تنفذ كلماتك إلي أذني… يا عزيزتي الدنيا بخير… لن تحتاجي لبيع فص من كبدك… الخيرون كثيرون فكفي عن فكرة البيع التي تمتلكك كلما أصابك العجز عن سداد احتياجاتك, ولن أقول لك ما يمكن أن ألمحه في إيماءات البعض ممن يقرأون هذه السطور الآن عن أنك بالغت في الفعل حينما ألحقت ابنك بكلية خاصة… فالحلم حق للجميع وليس حكرا علي القادرين, وأنت حاولت جاهدة, لكن ظروف مرض زوجك وظروف عملك وسكنك كانت جميعها أقوي منك.
انزعي اليأس عنك لتحيي بالأمل… وسوف نجد حلا قريبا لمشكلتك طالما وجدت قلوب بيضاء تطل علي ما نسطره من مآس فتشاركها أحمالها.
أبي متسلط
م.م.س: أنا فتاة في مقتبل العمر من عائلة ثرية جدا جدا… أبي رجل حنون لكنه متسلط… يختار لي كل شئ… دراستي وملابسي وأصدقائي, ودائما يذكرني بسعر ما يغدق علي به من أشياء ثمينة… يخطط لحياتي وحياة إخوتي لنحيا كما عاش هو سابقا… عمره خمسون عاما فكيف أحيا أنا ابنة العشرين من عمري بذهنية وأسلوب ابن الخمسين… أبيت كل ليلة باكية بعد معاركي معه حول موقف نختلف عليه لتسري في نهايته قراراته الحاكمة بلا نقاش… حتي إنني في لحظات فكرت في الانتحار لأتخلص من عذابي وأحزاني في بيت أبي, لم أجد راحتي إلا عندما دخل أحد الرجال إلي حياتي… أحببته كثيرا لكنني لا أستطيع البوح بما في نفسي له, ولا أعرف إن كان يبادلني ذات المشاعر أم لا, فكيف لي أن أعلم؟.
لصاحبة هذه المشكلة أقول:
نري في آبائنا منتهي التسلط منتهي التعنت… إلي أن يدور العمر وتبدل الأدوار, فنفعل مع أبنائنا مثلما فعلوا معنا… ولا نجد في ذلك قسوة ولا تعنتا وإنما نراه حبا جما وخوفا علي مستقبلهم… فلا تلومي والدك بل اعذريه وحاولي التعايش مع سلوكه تجاهك أنت وإخوتك لأنك علي كل الأحوال ترضخين لما يأمر به, فلترضخي راضية بلا مشاحنات عن أن تتحول حياتك إلي جحيم… عالمة أن الأيام تمضي وسيأتي يوم التحرر حينما تخرجين إلي ساحة العمل وتؤسسين أسرة مستقلة.
أما عن الرجل الذي تتحدثين عن مشاعرك تجاهه, فلا أستطيع الحكم علي أحاسيسك إن كانت هروبا من جحيم أبيك إلي نعيم في أحضان زوج منتظر, أم أنها مشاعر حقيقية؟ ولا أستطيع أيضا تقديم النصيحة لك حول كيفية التعرف علي ما إذا كان يبادلك الحب من عدمه… فلم تمنحيني التفاصيل التي تمكنني من الحكم الصائب.
————————————
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
500 جنيه مارمينا
75 جنيها من إيدك يارب أعطي بالعريش
200 جنيه فاعل خير
1000 جنيه فاعل خير
300 دولار أمريكي فاعل خير, وفاعلة خير بأمريكا