تأتي معجزة شفاء كسيح كفر ناحوم صباح هذا الأحد المبارك لتستوقف انتباهنا,بنوع خاص,بسبب المعطيات التي تميزها عن باقي الأشفية الأخري. ولعل أهم هذه المعطيات هو الدور السلبي أو علي الأقل,المحتجب,للمخلع الذي تتم فيه ومعه الأعجوبة. إذ لم يصدر عنه أي رد فعل تجاه المعجزة العظمي التي حدثت معه. فهو لم يقل كلمة واحدة أمام يسوع: لم يطلب الشفاء,لم يطلب منه غفران الخطايا ولم يعبر عن شكره ليسوع واعترافه به. ويسوع لم ينظر لإيمانه هو,بل لإيمان الرجال الأربعة الذين حملوه وعملوا المستحيل ليصلوا به إلي البيت وأنزلوا المخلع أمام يسوع. وكل ما يذكره الإنجيلي عن المخلع,وببساطة مذهلة,هو أنه قام وحمل فراشه وخرج بمشهد من الحاضرين.
وجاءوا إليه مقدمين مفلوجا يحمله أربعة. وإذا لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع كشفوا السقف حيث كان,وبعدما نقبوه دلوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعا عليه. يظهر في هذه الآيات الأربعة أشخاص الذين يحملون الكسيح: ورغم حاجز الجمع الغفير الذي حال دون وصولهم إلي يسوع فإنهم استطاعوا ذلك بعد أن كشفوا السقف ودلوا المقعد من خلال فتحة السقف. إن خلع السقف جائز آخذين بعين الاعتبار البناء البسيط للبيوت الفلسطينية,والتي كانت مغطاة بسقف منبسط مصنوع من الطين,ويمكن الصعود إليه عن طريق سلم خارجي. جاء المخلع يحمله أربعة رجال. لماذا أربعة رجال؟ هناك تفسيران, الأول: إنهم يمثلون التلاميذ الأربعة الذين دعاهم يسوع. إذن هؤلاء الأربعة يمثلون التلاميذ الذين يحملون الناس إلي يسوع ليشفيهم. التفسير الثاني: الرقم 4 يدل علي المسكونة بأقطارها الأربعة. إذن, يمثل هذا المخلع العالم كله الآتي إلي يسوع. وحمله الأربعة,لأنه لا يستطيع أن يخلص نفسه بنفسه.لهذا يحتاج إلي يسوع,يحتاج إلي تلاميذ يسوع.
رأي يسوع إيمانهم. لا يقول الإنجيلي: رأي يسوع ما فعلوا. إنما أرادوا أن يصلوا بالمخلع إلي يسوع. حملوه بيدهم,وحملوهم أيضا بإيمانهم.وتغلبوا علي الصعاب,وكأن الشعب الواقف علي الباب حاجز بين الناس يسوع. الناس الذين كانوا علي الباب جاءوا لينظروا. هم يستعجبون فقط. والتعجب وحده لا يكفي ليولد الإيمان,متي سينطلقون في مسيرة الإيمان؟. عليهم أن يتبعوا يسوع حتي النهاية,حتي الآلام والموت والقيامة.
إن هذا الموقف,موقف الإيمان والبحث,يأتي بهدف اللقاء بيسوع. لم يكن الطلب صريحا,بالرغم أنه من الواضح أن المطلوب هو شفاء المفلوج: إنه إيمان مستعد,منفتح,لا ينغلق علي ما يطلب,بل يقبل مسبقا ما سيفعله السيد المسيح. المهم هو لقاء السيد المسيح نفسه. فلما رأي يسوع إيمانهم قال للمفلوج: يا بني مغفورة لك خطاياك.
أمام هذا الإيمان يخاطب يسوع المفلوج بكلمة يا بني,مؤكدا ولادة علاقة جديدة,عائلية,علاقة ثقة بينه وبين هؤلاء الأشخاص. أمام هذا الإيمان الظاهر,لم تعد الهبة شفاء المفلوج,إنما شئ أعمق بكثير. ونلاحظ ذلك في الجملة اللاحقة مغفورة لك خطاياك. إن استخدام الفعل المبني للمجهول يشير إلي وجود عمل مباشر من الله: فإنه هو نفسه الذي يغفر,وهذا الغفران يتجسد ويتحقق في شخص السيد المسيح. وبالطبع فإن هذه المغفرة غير متوقعة كون الذين جاءوا بالمفلوج كانوا ينتظرون شفاءه. وهنا يتشابك موضوعا الشفاء الجسماني ومغفرة الخطايا,كما يظهر ذلك في عقلية الكتاب المقدس. ففي المزامير مثلا يظهر الشفاء عادة للبرهنة علي استعداد الله لمغفرة الخطايا. إن مغفرة الله تصل إلي المفلوج من خلال إنسانية يسوع,ومن خلال كلماته الإنسانية.
ويمكننا القول أيضا من بعض العناصر المتوفرة في النص الإنجيلي,بأن الإنجيلي يركز أيضا علي دور الكنيسة في تحقيق هذه الأعجوبة.فالرجال الأربعة الذين حملوا المخلع,هم,بدون شك,من التلاميذ الأول الذين آمنوا بيسوع. إنهم رسل الكنيسة,يقربون الناس من يسوع ويأتون بمن تنقصه القوة والإيمان وقد أصبح في وضع المشلول والمقعد,يأتون به ليوصله إلي الكنيسة. وفي الكنيسة,يتصرفون بدالة أهل البيت فينقبون السقف ويدلون منه المقعد ليضعوه أمام يسوع. وينتهي دورهم عندما يقوم المقعد ويحمل فراشة,كمن يحمل صليبه ويمشي.
من ثمار هذا النص دعوة للكنيسة,بأن لا تنغلق الكنيسة علي نفسها فلا تعود تستوعب إلا علماء الشريعة الذين لم يأتوا ليشفوا ويتغيروا داخليا,بل ليناقشوا يسوع. أو تكتفي فقط بالناس الأصحاء الذين لا حاجة لهم إلي يسوع,بينما الخطاة يبقون خارج البيت. وكما تصرف الرجال الأربعة الحاملين المخلع,هكذا ينبغي أن يكون تصرف رجال الكنيسة فيزيلون كل حاجز يفصل بين المسيح والناس حتي ولو كان هذا الحاجز سقف الكنيسة أو حيطانها.فالمهم أن يصل الجميع إلي أمام يسوع ولا يقف أحد عائقا بوجه أحد للوصول إلي حيث المخلص.