شكرا لله.. فإن الكفن الذي وضع علي جسد المخلص ولفوه به بعد أن أنزلوه من علي الصليب ووضعوه في قبر جديد(متي27:59, 60), (مرقس15:46), (لوقا23:53), (يوحنا 19: 39, 40)…هذا الكفن المحفوظ الآن في مدينة تورينوTORINO بإيطاليا ارتسمت عليه صورة جسد المخلص كاملا, وآثار الدم والجروح التي كانت علي جسده, بفعل الحرارة المنبعثة من جسده الذي كان حيا باللاهوت المتحد به, فلم يبرد برودة الموت.وكان هذا في الوقت نفسه بينة مسبقة علي أنه سوف يقوم من الموتناقضا آلام الموت, إذ لم يكن ممكنا أن يمسكه الموت(أعمال الرسل 2:24).
والأمر الذي حير العلماء والباحثين الذين اجتمعوا في مؤتمر انعقد في تورينو سنة1978, واشترك فيه علماء في مختلف التخصصات, ومن بلاد مختلفة, وعقائد متباينة, وفحصوا هذا الكفن من الكتان فحصت علميا دقيقا, وأخضعوه للتحليل العلمي الشامل, تبينوا بالتدقيق أنه يرجع إلي ألفي عام واكتشفوا أن عليه حبوب لقاح لنباتات منقرضة كانت تنمو في فلسطين منذ ألفي سنة مضت.
ومما هو جدير بالذكر أنه ليس علي الكفن أي أثر لرسم بيد إنسان, والأمر الذي هو أغرب من الغرابة أن آثار الجسد علي الكفن هي بالسلب(IN NEGATIVE) وذلك في لغة التصوير الفوتوغرافي فالأجزاء المضيئة داكنة, والداكنة مضيئة, بينما أن بقع الدم علي الكفن هي صورة موجبة(IN POSITIVE) فهي بلون قرمزي قاتم…
ويحمل الكفن المقدس- كما يقول العلماء -الدليل عليانفجار قوة Explosion of energy انبعث من الجسد. وهذا مرده إما إلي قوة الحياة الإلهية في الجسد بعمل اللاهوت المتحد به, وإما إلي قوة الحياة المنبعثة منه عندما قام من الموت, أو إلي الاثنين معا.
ولما كان الصلب قد تم في يوم الجمعة ووقع عيد الفصح اليهودي في يوم السبت, وكان الاستعداد للعيد يبدأ في غروب اليوم السابق( مرقس15:42) ,(لو23:54) فلم يكن هناك وقت لغسل جسد المسيح بعد أن أنزلوه من علي الصليب. وكان هذا خيرا, فإن آثار الدم في مواضع كثيرة من الجسد ظهرت علي الكفن عندما لفوه فيه, ومنها بقع الدم علي جبهة الرأس وعلي العنق, ومنها أيضا آثار الجروح والتمزيقات علي جلد الجسد, وذلك من فعل عملية الجلد بالمقرعة ذات السيور الثلاثة( فقد ظهرت علي الكفن آثار نحو مائة وعشرين ضربة بالمقرعة علي الرغم من أن عددها القانوني عند العبرانيين 39 جلدة-أربعين جلدة إلا واحدة)(2.كورنثورس 11:24), (التثنية 5:3)…ومنها أيضا آثار المسامير في رسغ أو معصم يدي المخلص وقدميه…ومنها أثر طعنة الحربة في جنبه الأيمن, ثم آثار أشواك الإكليل التي انغرست بقسوة في رأسه وجبهته…ومنها أثار الرضوض والسحجات (الخدوش والتقشيرات والتقطيعات في الجلد) التي أحدثها حمل الصليب الثقيل علي كاهله, وعلي لوح الكتف الأيسر وأعلي الكتف الأيمن بميل قدره عشرون درجة. وقد ظهر أن الرض والسحق في لوحة الكتف الأيسر أكبر وأعمق من ذاك الذي علي الكتف الأيمن, مما يدل علي أن الكتف الأيسر قد عاني أكثر من الأيمن من ضغط خشبة الصليب, كما يدل علي أن الطرف الأدني من الصليب كان مربوطا إلي الكاهل الأيسر- وكذلك بفعل اللوحة النحاسية التي كتبوا عليها بيان تهمة صلبه (متي 27:37), (مرقس 15:26) ,(لوقا23:38), (يوحنا 19:19), والتي كانت موضوعة علي الصليب من خلف رأس المخلص ونازلة علي كتفيه…
كل ذلك ظهر مطبوعا علي الكفن المقدس, وبذلك أضاف هذا الكفن دليلا أثريا ناطقا بحقيقة كل ما أورده الإنجيل المقدس عن حقيقة الصلب بكل تقصيلاتها ودقائقها.
بل إن الآثار المنطبعة علي الكفن المقدس أوضحت بما لايدع مجالا للشك تفصيلات دقيقة كثيرة عن عملية الصلب نفسها, وموضع المسامير في يدي المخلص المصلوب, وأن المسامير قد دقت في. رسغ اليد أي المعصم(وليس في الكف) عند العصب المتوسط. أما القدمان فقد وضعت القدم اليسري منها بعنف وشدة فوق القدم اليمني الموضوعة مباشرة علي الصليب ودق مسمار واحد نفذ في الكاحل أو رسغ القدم اليسري, ومنها إلي رسغ القدم اليمني ومنها نفذ إلي خشبة الصليب. وأما الطعنة في الجانب فقذ ظهرت في الكفن أنها أصابت الجانب الأيمن من جسد المخلص عند الضلع السادسة في المسافة الخامسة بين الأضلع.
وكشف الكفن المقدس أن إكليل الشوك الذي وضعوه علي رأس مخلصنا كان من طراز مختلف عن الأكاليل الدائرية, فقد كان يعلو الرأس بحيث انغرست أشواكه الطويلة في قمة الرأس والجبهة.
كما كشف الكفن المقدس آثار قرت وكدمة وورم في منتصف الجبهة, يدل علي أن المخلص كان قد سقط علي وجهه أثناء حمله للصليب, إلي موضع الجلجثة. ومن أثر ذلك أيضا تورم وانتفاخ في الشفة العليا للفم, وورم في الفك الأسفل والذقن, ثم تشوه في الحاجز الأنفي, فيما بين الحاجز الأنفي أو قصبة الأنف وبدء غضروف الأنف, وهذا يشير إلي تفتت وكسر في هذا الجزء من الأنف ترك أثره علي الكفن بظهور منطقة صغيرة منخفضة عميقة نوعا ما, وهذا يؤكد مرة أخري أن المخلص سقط تحت الصليب علي وجهه من الأمام.
وظهر علي الكفن أيضا ورم علي حاجب العين اليسري وعلي جفنها, وتورم أو انتفاخ علي الركبة اليسري ثم ورم آخر في عظمة الخد الأيمن وانتفاخ في الخد ذاته مما يدل علي سقوط آخر تحت الصليب علي الجانب الأيسر تارة, وسقوط ثالث علي الجانب الأيمن. وهذا يضيف دليلا علي صحة التقليد الذي يروي أن المسيح فادينا قد سقط تحت حمل الصليب الثقيل وهو معيي ثلاث مرات.
كذلك كشفت الآثار علي الكفن المقدس أن وجه المسيح من الأمام قد مسحت من عليه بقع الدم, بينما ظهرت بقع كثيرة علي جانبي الرأس وعلي العنق, وهذا يؤيد التقليد المنحدر عبر الأجيال عن فتاة تقية اسمها فيرونيقا VERONICA رأت فادينا في طريق الصليب, ووجهه قد تلطخ بالدم والطين بفعل العرق المتصبب منه علي تراب الأرض إذ سقط تحت حمل الصليب, فتقدمت نحوه, ومسحت وجهه بمنديلها, فانطبعت صورة الوجه المقدس علي المنديل مكافأة لها علي صنيعها الجميل.
إننا كمسيحيين, كما نفخر بقيامة المسيح المجيدة, وانتصاره علي الموت فاتحا أمامنا الرجاء بقيامتنا نحن معه, نمجد أيضا صلبوته الذي فيه وبه تجلت محبة الله ورحمته بغير حدود, وتفاخر بالصليب ولا نعتبره عارا بل مجدا وفخارا, نحمله في قلوبنا وفوق رؤوسنا وعلي صدورنا وبأيدينا وندقه بالوشم علي سواعدنا ومعاصمنا مرددين مع الرسول القديس بولس قولهأما أنا فمعاذ الله أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صار العالم مصلوبا عندي, وصرت أنا عند العالم مصلوبا(غلاطية6:14).
وعلي الرغم من فرحنا بعيد القيامة واعتزازنا بأمجاد القيامة, مع ذلك كان ومازال الصليب علامة المسيح,أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا(غلاطية3:1) وقد صار بالتالي علم المسيحية. فإذا كان المسيح ملكنا والكنيسة هي مملكته الروحية, ولكل مملكة علم. فالصليب هو علم المسيحية. ولقد استقر في ضمير العالم ذلك, حتي إن الكتاب والمؤلفين وغيرهم ممن يتحدثون في مصر عن الوحدة الوطنية, ويشيدون بالمحبة والألفة التي تربط بين المسلمين والمسيحيين وتجمع بينهم في خدمة هذا البلد, يعبرون عن هذه الوحدة برسم الصليب إلي جانب الهلال: الهلال يرمز إلي الإسلام, والصليب يرمز إلي المسيحية. إذن الصليب هو علم المسيحية الذي يكني به عن يسوع المسيح الناصري المصلوب ذبيحة من أجل خلاص الإنسانية وفدائها وإحيائها.
ولقد قام المسيح من بين الأموات بسلطان لاهوته…إنه لم يقف علي قبره أحد ليقيمه, كما وقف هو بجلاله علي قبر لعازر وأقامه من الموت بأمره بعد أن صار له في القبر أربعة أيام.
قام المسيح من بين الأموات علي الرغم من القبر, ومن الحجر الكبير الذي دحرجوه علي باب القبر ليغلقه(متي27:60), (مرقس15:46), وعلي الرغم من الختم الملكي الذي ختم به القبر. قال الإنجيل: وفي الغد الذي بعد الجمعة أي في صباح السبتاجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون عند بيلاطس قائلين:إننا نذكر يا سيدنا أن ذلك المضل قال وهو حي: إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فأصدر أمرك بحراسة القبر حراسة محكمة حتي اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من بين الأموات,فتكون الضلالة الأخيرة شرا علينا من الأولي. فقال لهم بيلاطس: إن عندكم حراسا, فاذهبوا واحرسوه كما يبدو لكم فذهبوا وأحكموا إغلاق القبر وختموه وأقاموا الحراس عليه(متي 27:62-66).
قام المسيح علي الرغم من الحراس المدججين بالسلاح, ولم يكونوا نائمين عندما قام لكنهممن شدة الخوف ارتعد الحراس وصاروا كالأموات(متي 28:4). وأصبحوا علي الرغم من مؤامرات رؤساء اليهود وتدبيراتهم شهودا علي قيامة المسيح, فقد جاءوا إلي المدينة (أورشليم) وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما حدث(متي28:11) ومع ذلك لم يشأ رؤساء اليهود المعاندون أن يؤمنوا فيخلصوا. قال الإنجيلفاجتمعوا بالشيوخ وتشاوروا ثم أعطوا الجند مالا كثيرا قائلين: قولوا إن تلاميذه قد أتوا ليلا وسرقوه فيما نحن نيام. فإذا بلغ ذلك مسامع الوالي أقنعناه ودفعنا عنكم الأذي. فأخذوا المال وقالوا كما لقنوهم. فشاع هذا القول بين اليهود(متي 28:12-15). فإذا كان الحراس نائمين, فكيف عرفوا أن تلاميذه هم الذين أتوا ليلا وسرقوه؟ وما هي مصلحة التلاميذ العزل وقد كانوا هاربين من شدة الخوف, حتي إنهم ذهبوا وغلقوا علي أنفسهم القاعة أو العلية التي كانوا يقيمون فيها-مامصلحتهم في أن يسرقوا جثة ميت؟ وكيف للحراس وكانوا كثيرين أن يناموا جميعهم معا ولا يتنبه أحد منهم إلي فعل السرقة الذي يعد عملية انتحارية لا داعي ولا مسوغ لها؟!.
لقد قام المسيح من بين الأموات والقبر مغلق ومختوم. وهل يحتاج المسيح إلي ملاك أو إنسان ليفتح له القبر حتي يخرج منه؟ أليس هو الذي خرج من رحم البتول الطهور مريم العذراء علي الرغم من بتولتها التي ظلت مصونة دون أن تمس وكأنها لم تلد؟.