كانت غزة حصنا قويا علي أطراف أرض كنعان وفلسطين القديمة, في أيام إبراهيم الخليل 2086ق.م. ويذكر سفر التكوين أن الفلسطينيين كانوا أصلا من نسل مصرايم بن حام بن نوح (تك10:13), وكانت أول قبيلة منهم قد جاءت من جزيرة كريت إلي ساحل فلسطين, في الربع الأول من القرن 12ق.م, كما أكد الأثري الأمريكي روبنسون, والعالم أونجر, وكانوا موجودين في المنطقة من جيرار حتي بئر سبع في أيام إسحق بن إبراهيم (تك21).
ويذكر الأثريون والمؤرخون أن الفسطينيين القدماء كانوا أصلا من سلالة غير سامية موطنها منطقة بحرإيجة, وقد حملوا اسم الفيلاساتي (يوئيل3:4) ومنهم اشتق الاسم اليوناني القديم فلسطين حسب رواية المؤرخ هيرودوت (القرن5ق.م), وسماها الرومان فلسطين, وقيل أيضا إن الفلسطينيين جاءوا إلي ساحل غزة, خلال خضوعها لحكم الفرعون المصري رمسيس الثالث (ق12ق.م).
وشهد موسي وإشعياء وإرميا من الأنبياء اليهود بأن منطقة قطاع غزة والتي كانت تمتد قديما من يافا حتي مدينة غزة, كانت أرضا فلسطينية. وأن مدنها: غزة (العاصمة), وأشقلون (عسقلان), وعقرون, أشدود, جت, وعجلون, وجرار (إرميا25:20), (خروج15:14), (إشعياء14:29) يسكنها فلسطينيون.. ويري العالم الأمريكي أونجر أن اليهود لم يستطيعوا أن يستولوا علي غزة خلال غزوهم الأول لفلسطين (1246ق.م), وكما سجله يشوع بقوله: إن الرب منع (القائد) يشوع من الاستيلاء علي أرض الفلسطينيين وحددها هكذا: هذه الأرض الباقية: هي كل دائرة (منطقة) الفلسطينيين, من الشيحور (نهر العريش), الذي هو أمام حدود مصر, إلي تخم (حدود) عقرون شمالا, تحسب لأقطاب الفلسطينيين (الحكام) الخمسة لغزة, أشدود, وأشقلون (عسقلان) وجت وعقرون (يشوع13:1-3). وهو ما يؤكده نقش بمعبد رمسيس الثالث بالأقصر يشير إلي شخصيات فلسطينية, كما ذكره العالم الأمريكي أونجر. وسمي الكتاب المقدس الفلسطينيين باسم سكان غزة, أو الغزاويين (يشوع13:2), (قضاة16:2).
قصة الصراع
أو لصدام بين العبرانيين والفلسطينيين -في قطاع غزة- سجله سفر القضاة بما نصه: وأخذ يهوذا غزة, وتخومها, وأشقلون (عسقلان) وتخومها, وعقرون وتخومها (قض1:18) وسرعان ما استردها الفلسطينيون. ثم دخلوا في صراع جديد مع اليهود, بعد هجوم القائد العبراني شهجر (قض3:31)) علي المدن الفلسطينية السابقة, واستيلائه عليها, إلا أن الفلسطينيين أعادوها لحكمهم, كما أخضعوا بني إسرائيل لنفوذهم 18 سنة, ليعبدوا الآلهة الوثنية الفلسطينية (قض10:7-8) ولكن لما عاد اليهود لعبادة الله, خلصهم من يد الفلسطينيين (قض10:11).
ثم سيطر الحكام الفلسطينيون علي قبائل بني إسرائيل الغازية لأرض كنعان (الضفة الغربية الفلسطينية الحالية), لمدة أربعين سنة, إلي أن حررهم القائد شمشون, ولكنهم قضوا عليه, عن طريق الفتاة الفلسطينية دليلة التي وقع في غرامها, وقادت شعبها لمعرفة كيفية هزيمته وقتله في معبد فلسطيني (سفر القضاة14-16).
ثم دخل الفلسطيني في معارك أخري مع بني إسرائيل, وانتهت أولا بغلبة اليهود, في أول حكم صموئيل النبي, واستولوا علي تابوت عهد الرب (1صم4-6), ثم غلبهم رجل الله صموئيل واسترده وكانت قواتهم قد تفوقت علي بني إسرائيل, بسبب تفوقهم في استخدام أسلحة جديدة متطورة, بينما كان البدو العبرانيون متخلفين في تلك الصناعة (1صم10-14). وبعد تولي أول ملك يهودي, وهو شاول حكم بني إسرائيل (1020ق.م) دخل في حروب مستمرة, مع سكان قطاع غزة, وكان أحد الطرفين أحيانا يغلب أو ينهزم, بعدما تنقلب المعركة لصالح أحدهما بسبب العتاد الحربي والأفراد ومعونة الرب, كما حدث عندما قتل داود الشاب, البطل الفلسطيني جليات الجبار (1صم17-19). ثم استمر الصراع الحربي الإسرائيلي – الفلسطيني طويلا (1صم18-23) خلال حكم شاول الملك, ومع ذلك التجأ داود للفلسطينيين -مرتين- لحمايته من غدر ملكه, الحاقد علي بطولاته (1صم21, 27, مزمور56), إلي أن استطاع الفلسطينيون قتل شاول الملك وأولاده (1صم28-30, أخبار الأيام الأول ص10), مما مهد الطريق لتولي داود الحكم والاستيلاء علي أورشليم (القدس). واستمر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي, طوال عصر داود النبي (2صم3-3), (1أخ11-20), ولم يستطع سليمان الحكيم (965ق.م)السيطرة علي قطاع غزة, بشهادة الكتاب المقدس (1ملوك 4:24).
وبعد انقسام مملكته إلي دولتين (إسرائيل, يهوذا) ظلت الحروب مستمرة لوقت طويل بين الجانبين اليهودي, والفلسطيني ما بين غالب ومغلوب, كما سجلته أسفار: الملوك الأول والثاني, والأخبار الثاني, ولا سيما في أيام الملوك: ناداب, ويهوشافاط, ويهورام, وآحاز, وعزيا, وحزقيا.
وتوضح نصوص الكتاب المقدس كيف تغلب اليهود أو الفلسطينيون أو انهزموا بالتتابع, واستمر الصراع بين الجارتين -في فلسطين- إلي أن استولي الإسكندر الأكبر علي الأرض المقدسة (332ق.م)ونكل بسكان غزة لاستبسالهم في قتاله إلي أن اضطروا إلي الاستسلام أمام قوته الضاربة, وحصاره الطويل لمددينة غزة, وهدم أسوارها. ثم خضعوا لحكم خلفائه البطالمةفي مصر وسورية. انضم بعض الفلسطينيين للقائد السوري جورجياس, قائد الجيش الروماني المكلف من الوالي أنطونيوس إبيفانيوس, في حملته للاستيلاء علي الأرض المقدسة (سفر المكابيين3:41).
ثم دخل الثائر اليهودي يهوذا المكابي في صراع حربي مع سكان قطاع غزة وأحرق مدينة أشقلون (عسقلان) (1مك10:83-89), ومزارع قطاع غزة, أما المدينة فنجت من الحرق بعد إتمام واتفاق علي هدنة وصلح معه (1مك11:60-61).
خضع قطاع غزة -مثل باقي الأراضي الفلسطينية- إلي الحكم الروماني, بعدما استولي عليه القائد بومبي (62ق.م) وضمه لولاية سورية, وظلت الحالة السياسية كذلك في أيام السيد المسيح.
اهتمت العناية الإلهية بنشر الإيمان المسيحي, في قطاع غزة, منذ فجر المسيحية إذ يسجل سفر أعمال الرسل أن ملاك الرب طلب من فيلبس الخادم أن يتوجه للخدمة هناك (أع8:26), ويسجل أيضا قيام الرسول بطرس بالخدمة في يافا وقيصرية (أع10:5).
المصادر:
* Unger, Dict. of the Bible, Art. Gaza.
* Robinson, Later Biblical Researches (1856).
* Charles Torey, in Bulletin of American
school of Oriental Study& Research,
in Palestine (yale Univer., 1900).