أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث
فيما يتصل بعلاقة الإنسان بالله,القانون الكنسي ينظم الحياة الخاصة,ثم ينظم حياة الفرد في الكنيسة. وحياة الفرد في الكنيسة حياة تدخل في دائرتين,دائرة علاقة الإنسان بالله,وأيضا دائرة علاقة الإنسان بالآخر.هنا أتكلم عن الحياة الكنسية من حيث أنها تنظم علاقة الإنسان بالله,لأن الكنيسة منظمة إلهية في مفهومنا العقائدي ,فالفرد كفرد له حياته الخاصة في علاقته بالله,هذه العلاقة أو هذه الصلة التي منها جاءت كلمة صلاة لأن الصلاة من الصلة أو الوصلة التي تصل الإنسان بخالقه,فلابد من القانون الكنسي أن يتناول الحياة الخاصة من حيث الصلاة,لأنها صلة الإنسان بخالقه,والقانون الكنسي يعرفه كيف يصلي ومتي يصلي؟ومتي يصلي يدخلنا في عدد مرات الصلاة,مثلا في المسيحية رسميا يوجد سبع صلوات,في الإسلام خمس وفي اليهودية ثلاث فالقانون الكنسي يدخل في هذه العلاقة الخاصة بأنه يحدد عدد مرات الصلاة,ثم يحدد أوضاع الصلاة فالقانون الكنسي ينظم أن تكون قبلتنا هي الشرق أو اتجاه الصلاة إلي الشرق,ينظم متي يقف الفرد ومتي يسجد,والسجود إلي الأرض بأسلوب معين,وما معني هذا السجود وما الفرق بين السجود والركوع والجثو والخرور,وما إلي ذلك من مصطلحات لاهوتية أو مصطلحات دينية تنظم العلاقة بين الإنسان وبين الله في دائرة موضوع الصلاة.
ثم أيضا موضوع أن يرفع يديه أو يضم يديه,رفع اليدين كما قال بولس الرسول:أريد أن الرجال يصلون رافعين أيديهم,فرفع اليدين وكل هذه المسائل التي تتصل بمراسم أو طقس الصلاة الخاصة.
أيضا الصوم من حيث أن الصوم منظورا إليه في الحياة الخاصة,التي تربط الإنسان بالله كذلك موضوع الرحمة أو الصدقة من هذه الناحية باعتباره عبادة شخصية وليس بالنظر إلي الصدقة من حيث هي عمل رحمة للآخرين ,لأنها أيضا تدخل في دائرة الحياة الخاصة من حيث أني أتصدق أو أعطي رحمة من أجل الله,إما إطاعة لأمر الله أو حبا في الله.فمن هذه الزاوية ممكن أن تدخل الصدقة أو الرحمة كعلاقة خاصة
بين الإنسان وبين الله,وكتعبير عن هذه العلاقة.
وهناك أيضا مسائل أخري روحية تدخل قانونيا في موضوع العلاقة بين الإنسان وبين الله,وهي الفضائل الباطنية التي ينطوي عليها قلب المؤمن, والتي لابد أنك تجد إشارات إليها ونصوصا عنها في القانون الكنسي,حتي لو لم يكن هناك بنود كاملة,إنما لابد أن تجد في القانون الكنسي إشارات إليها مثل محبة الله,ومثل الاتضاع,ليس الاتضاع للآخرين ولكنت الاتضاع لله,عندما يقول مثلا:آخاب اتضع أمام الله,ومشي بسكوت وبناء علي ذلك جاء الأمر الإلهي بأن العقوبة بدلا أن تكون في أيامه تأتي في أيام ابنه.هذا هو الاتضاع القلبي الشخصي في علاقة الإنسان بالله,العلاقة الخاصة أيضا نقاوة القلب من الأشياء التي تجدها موجودة في القانون الكنسي,منبثة في نصوص متفرقة,هذه هي الفضائل الخاصة التي تنظم علاقة الإنسان بالله.
كذلك موضوع طهارة البدن,هذا موضوع طقسي ننظر إليه من جهة أنه واجب نحو الله.باعتباره أن هذا البدن مفروض أن يكون مقدسا لله,فإذن ينبغي علي الإنسان أن يحفظه طاهرا ولا يدنسه,فإذا دنسه فقد أساء إلي علاقته مع الله,وإذا حفظه طاهرا فقد أحسن في علاقته مع الله.أنا أتكلم عن هذه الفضائل الروحية من حيث أنها تنظم العلاقة الخاصة بين الإنسان وبين خالقه,حيث أن القانون الكنسي اشتمل عليها,وإن كان يبدو لكمن أنه لايوجد قوانين اختصت بالمحبة أو اختصت بتنظيم الصلاة أو الصوم أو ما إلي ذلك.
أيضا في علاقة الإنسان بالله,إلي جانب الحياة الخاصة توجد حياة الفرد في الكنيسة فالقوانين تنظم علاقة الإنسان بالله من حيث هو عضو في الكنيسة التي هي منظمة إلهية,ليس من حيث أن الكنيسة مجتمع,بل من حيث أن الفرد في علاقته بالكنيسة وبالنظام الإلهي يحدد علاقته بالله,فعلي سبيل المثال حضور الشخص إلي الكنيسة ,فتجد القانون الكنسي يلزم الإنسان بالحضور إلي الكنيسة,وقد ينص علي أن هذا الحضور ينبغي أن يكون مرة في الأسبوع علي الأقل.وقد تجد بعض القوانين تنص بالذات علي يوم الأحد لأنه يوم الرب.وإذا لم يذهب إلي الكنيسة يوم الأحد يكون اعتدي علي يوم الرب.
هذا الحضور من حيث علاقته بالله كواجب يؤديه إليه,مفروض أيضا أن يؤديه بتقوي ويؤديه بفرح…إلي آخر هذه الأمور الروحية لكن الحضور نفسه كحضور واجب روحيا وجسميا في الكنيسة,وهنا نحن نختلف ويظهر لك الفرق بين الكنيسة الأرثوذكسية عن البروتستانت, البروتستانت لا يهتمون بالحضور,يقول مادام لايوجد واعظ لايهم الذهاب, فالكنيسة في بيتي, وفي قلبي, مادمت أقدر أن أقرأ في الكتاب المقدس,فهم لايحسون أن الكنيسة شيء له قيمة خاصة,وأن الحضور إلي الكنيسة واجب. نحن في الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية وكل الكنائس الرسولية عندهم إحساس خاص بأن حضوره إلي الكنيسة مهم ومفيد حتي لو لم يستفد من العظة,وحتي لو لم يفهم,وبناء علي هذا نحن نأمر الأطفال أن يحضروا إلي الكنيسة,ونشعر أن حضور الأطفال إلي الكنيسة حتي لو لم يفهموا كلمة واحدة,فإننا نربي الأولاد لا علي أن يتعود علي الكنيسة فقط بل لنحسس الطفل أن هذا واجب ديني نحو الله,هذا الحضور أدب لأن هناك دعوة ومفروض أن ألبي هذه الدعوة,كما قال صموئيلها أنذا ياربهذا الحضور الروحاني الجسماني للشخص واجب كنسي,والقانون الكنسي يفرض هذا وتجد في القانون الكنسي نصوصا تطلب من المؤمن من حيث هو مؤمن أنه لابد أن يذهب للكنيسة.هذا إلي جانب أنه يحضر بروح طيبة وبتقويفرحت بالقائلين إلي بيت الرب نذهبكل الكنائس الرسولية الأرثوذكسية وحتي الكاثوليك ربوا شعوبهم علي أن الفرد يذهب للكنيسة حتي في غير أوقات الصلاة,حتي لو لم يكن هناك قداس,ولم تكن هناك عظة ,مجرد دخوله إلي الكنيسة يأخذ بركة,مجرد أن يقول:السلام لك يامريم,أو يسجد أمام الهيكل يأخذ بركة.
إذن في مفهومنا الأرثوذكسي الحضور له قيمة,هذه نقطة أريد أن أتكلم في أهميتها, مع الأسف أن نتيجة الاختلاط أثرت في كثيرين من شعبنا,في بعض العائلات لايذهب إلي الكنيسة ويقول نستمع إلي القداس في الريكوردر أو من شريط كاسيت أو في الإذاعة.
هذه روح غير أرثوذكسية ,لأن القداس ليس أسطوانة,القداس وليمة,والمسيح دعا إلي هذه الوليمة فحضوري هو من الأدب,إذا أنت دعيت ورفضت الدعوة هذه تكون جارحة لصاحب الدعوة, إنك لم تقبل دعوته,فذهابك إلي الكنيسة,هذا الحضور له قيمة,هو تلبية لدعوة مقدسة,وهو في ذاته واجب,ليس لأني أستفيد,موضوع الاستفادة موضوع آخر له قيمته أيضا,لكن حضور الفرد إلي الكنيسة ليس لأجل الفائدة فقط,لكن أنا أنظر له من ناحية أخري من حيث هو واجب شخصي بين الإنسان وبين الله,كتلبية لدعوة إلهية كشعور بأن هناك الله,وكوني أذهب إلي الله في بيته هذا واجب تعبدي ,أما إذا قلت أذهب عندما يكون هناك فائدة فهنا تكون علاقتي بالله علاقة منفعة فيجب أن أذهب لأن هذا واجب شخصي وهو أدب ديني وكواجب إلهي,الله موجود في الكنيسة ويتجلي فيها بحضور خاص,فأنا حبي لإلهي يقتضيني أن أذهب حيث يكون سيدي,فحضوري إلي الكنيسة من هذه الزاوية له قيمته,وتجد القانون الكنسي يتناول هذا الحضور كواجب,وبعض القوانين تتكلم عن هذا الحضور ,ثم تحدد علي الخصوص يوم الأحد علي أساس أنه يوم الرب.
مثل آخر من الحياة الخاصة من حيث علاقتها بالعبادة كونك تعرف حدودك ولا تتعدي هذه الحدود في الكنيسة,أريد أن أنظر لها من جهة أنها واجب تعبدي ,لا أتكلم من الناحية الاجتماعية,بل أتكلم عن الناحية التعبدية,كيف؟عندما تكون إنسانا عاديا من الشعب,لست شماسا أو قسيسا أو أسقفا, فتفهم كمسيحي أنك لاتقدر أن تدخل الهيكل,ولا تلبس ملابس الشماس أو ملابس القسيس أو ملابس الأسقف ولاتقوم بعمل الكاهن ولاتقدر أن تعمل القداس أو أن توزع الأسرار المقدسة حتي لو طلب إليك,لا لأنك تحس أن ضميرك يتعبك,أنا أتكلم من حيث الواجب التعبدي,أتكلم في الحياة الخاصة,لو واحد بروتستانتي ممكن جدا أن يعمل هذه الأشياء ببساطة لكن أنت كأرثوذكسي لا تقدر أن تعمل ذلك,لاتقدر أن تدخل الهيكل أو تقوم بعمل الكاهن لو فرض أن كاهن توفي في أثناء القداس فجأة هل هناك أرثوذكسي يقبل أن يتخطي الحدود,ويقول إنه بما أن الناس اجتمعوا لايصح أن نردهم خائبين,وتأخذه غيرة رب الجنود ويقول أعمل القداس؟؟لأني أنا أعطي فصلا في مدارس الأحد,لايقدر,أنا أتكلم لا من جهة أنه يحكم عليه كنسيا أو أتكلم من الناحية الاجتماعية أو من الناحية القانونية العامة,لا..أنا أتكلم هنا من حيث أن هذا واجب تعبدي,هل أقدر أن أتخطي حدودي؟أنا أتكلم تقويا وتعبديا من جهة الحياة الخاصة التي بين الإنسان وبين الله,أشعر أني لو عملت ذلك أرتكب خطيئة فإحساسي وخوفي من أني أقع في الخطيئة يجعلني أبعد وأعرف حدودي لأني لو صنعت غير ذلك أكون أخطأت نحو الله لأني تعديت حدودي,هذا الالتزام للحدود واجب شخصي نحو الله,كوني أكون في حدود معينة والقانون الكنسي ينظم لي حدودي أنت علماني أو مدني أو من الشعب لاتقدر أن تقوم بعمل الشماس,أنت شماس لاتقدر أن تقوم بعمل القسيس,أنت كاهن لاتقدر أن تقوم بعمل البطريرك أو الأسقف,ضميرك في هذه الحالة يتحرك ويمنعك حتي لو أباح لك الناس جميعا هذا,تقول لا أقدر,ما الذي يجعلك تقول لا أقدر؟ إحساسك أن هذا واجب شخصي بينك وبين الله أنك لاتتخطي الحدود,لأنك لو تخطيت الحدود تكون وقعت في خطيئة.
فهنا حياتك الكنسية من حيث هي حياة خاصة تعبدية تقوية روحية بينك وبين الله بغض النظر عن صلتك بالكنيسة كمجتمع,أو صلتك بالآخرين,فهنا القانون الكنسي أيضا يتناول هذه الناحية,وتجد فعلا القانون الكنسي يضرب لك مثلا: واحد مثل عزه في العهد القديم وكان من اللاويين أي كان في درجة الشماسية,ورأي أن التابوت حشر في الحائط فأحس أن التابوت سيقع فأخذته الغيرة وهي غيرة مقدسة,فاندفع وسند التابوت لكي لايقع ,هذا يعتبر في المجتمع عمل خير,بدلا من أن ينقلب التابوت سنده,فحدث أن الرب ضربه وأماته,لدرجة أن داود النبي اغتاظ, انظر التعبيراغتاظأحيانا كثيرة يحدث معنا ذلك لأننا لانفهم سياسة الله,بطرس الرسول مرة اغتاظ من المسيح عندما قال:من الذي لمس هدب ثوبي؟قال له الجميع يزحمك وتقول من الذي لمس ثيابي الله أراد أن يعطي درسا,أن الإنسان لايتعدي حدوده حتي لو كانت نيته حسنة.ولا يخرج عن اختصاصه.