إن لحظة الإلهام…لحظة نادرة في عمر الإنسان الفنان…فالفن لا يعرف النهاية…وحقيقته كامنة في إضافاته المستمرة عبر الزمن…حيث إن الإبداع نتيجة استجابة ملحة عند الفنان توحي بمعان مختزنة حسب رؤيته…فيخرج العمل الفني علي أكمل وجه…لتجسيد ما بداخله من محاولات إبداعية تتمثل في الأصالة والمعاصرة…مؤكدا ذاته من خلال عطائه…فتنبع من أعماقه وفكره أهم القيم الجمالية للطبيعة والإنسان.
تلك المعاني تطالعنا من خلال لوحات ورسوم الفنان السكندري عصمت داوستاشي الحديثة والتي أنجزها خلال عام …2008وتضم مجموعتين معروضتين في قاعة جوجان للفنون بالزمالك من 18مارس حتي نهاية الشهر الحالي.
المجموعة الأولي…تضم عشر لوحات زيتية علي توال رسمها الفنان عصمت داوستاشي خلال شهر رمضان بعد وفاة صديقه الفنان الكبير الراحل حسن سليمان…وبدأها ببورتريه للفنان الراحل…ثم رسم مجموعة لريفيات من وحي الأسلوب المتميز لحسن سليمان في محاولة استحضاره إبداعيا…وهي تجربة جديدة لم يمارسها داوستاشي طوال رحلته الفنية.
ويعرضها حاليا في ذكري دائمة للفنان الراحل حسن سليمان الذي كان علامة فارقة في حياتنا الفنية…ليس فقط في رسومه ولوحاته التي استلهم معظمها من حواري وأزقة القاهرة القديمة وسكانها بتقاليدهم وعاداتهم وملامح أولاد البلد.ودلال نسائها الجميلات, ولكن كان الراحل حسن سليمان فنانا كبيرا متفردا في مدرسته الفنية…باحث وناقد فني رفيع المستوي.
وكان الراحل حسن سليمان بارعا في لوحاته للطبيعة الصامتة خاصة الأواني النحاسية والزجاجية مع الورود وثمار الفاكهة أما إبداعاته عن المناظر وسحر طبيعة البيئة المصرية فنجده أبدع الكثير من اللوحات عن البحر في جميع حالاته…والمباني القديمة وشواطئ ومراكب وغيرها حتي الجسد البشري…تناوله من رؤيته الخاصة وأسلوبه المتفرد.
وراحلنا حسن سليمان كانت له مواقفه الحادة التي لا يحيد عنها في الفن والحياة…وكانت له مدرسة في الفن تتلمذ علي يديه الكثير من الفنانين المعاصرين.
وقد ارتبط الفنان عصمت داوستاشي بزيارة القاهرة رغم سلبياتها وإيجابياتها لمشاهدة الكثير من المعارض والجلوس مع مجموعة من الأصدقاء الفنانين أهمهم الراحل حسن سليمان…وبرحيله فقدت القاهرة بريقها ولم يعد يتردد عليها كثيرا.
المجموعة الثانية والتي أنجزها الفنان عصمت داوستاشي حديثا…تضم عشرين لوحة وهي الرسوم الملونة والتي رسمها الفنان في رحلته الأخيرة للصين من 19أكتوبر2008 إلي 5نوفمبر2008 والتي زار فيها مدينة شنجن المجاورة لهونج كونج…وهي من أحدث مدن الصين والعالم فقد شيدت منذ ثلاثين عاما فقط…وهي مدينة الاقتصاد والثقافة والفنون…بها أكبر حي في العالم لقاعات العروض التشكيلية…وكانت الزيارة بمناسبة احتفالات الصين بأفريقيا…ودعوة مبدعين من القارة السوداء…كانت مصر ممثلة خلالها بمعرض لمستنسخات من الآثار المصرية القديمة…وقد أنجز داوستاشي خلال رحلته هذه المجموعة مستلهما تراث الحضارة الصينية العظيمة ونهضتها الحديثة.
ومجموعة اللوحات والاسكتشات المعروضة والتي تناولها الفنان داوستاشي حول بهجة وهموم الإنسان في الوقت المعاصر…نجد في كل وجه رسمه يرمز إلي معني يعبر عما يحمل من موروثات صينية من خلال الخطوط والمساحات الزخرفية المستوحاة من البيئة والتقاليد الصينية.
فالوجه الإنساني نافذة لما تحويه أعماق كل إنسان…وفي نفس الوقت تشع بالجمال والأسرار والزينة الخاصة بها…من خلال تكوينات لوحاته التي تتسم بالتفاؤل تارة…والغموض تارة أخري…فنجد فيها الوجوه تحلق في فراغ اللوحات ببساطة الأداء…والتمكن في الخطوط المرسومة حيث العيون المعبرة ذات الأشكال والألوان تطل من الوجه الإنساني تحكي للمشاهد سجل رؤي نفسه وشعبه.
تحية وتهنئة للفنان عصمت داوستاشي لما قدمه من أعمال تشع منها جماليات الحياة…وتلك المجموعة التي تعتبر انعكاسات للباحث الذي لا يهدأ…واستطاع من خلالها أن يفجر طاقات تعبيرية وفنية ابتكارية تسهم في إثراء الحركة الفنية المصرية المعاصرة.